- التفاصيل
بعد أن منّ الله على أهل الشام بإسقاط أسد المجرم، ها هي الدول الكبرى في العالم وعلى رأسها أمريكا، تسارع في الكيد لهم كي لا تخرج سوريا عن السيطرة، وأن تكون امتداداً لنظام بشار، أي تبقى كما كانت دولة تابعة عميلة وحامية لحدود كيان يهود، فبدأت تلك الدول تضع الشروط والمواصفات لسوريا ما بعد الأسد، مُجْمِعَةً في تأكيدها على محاربة الإسلام، فراحت هذه الدول التي تتقاطر وفودها إلى دمشق تربط ملف رفع العقوبات باستجابة الإدارة الحالية للضغوطات الغربية ورؤيتها لشكل الحكم في سوريا، مدعومةً بإعلامٍ علماني يُسَوِّق أن مستقبل سوريا سيكون دولة ديمقراطية مدنية علمانية تقصي الإسلام عن الحكم والدولة والمجتمع، مع تشكيل حكومة لا تقصي أحداً، ويدّعون زوراً وبهتاناً بأنها مطالب الناس، ولكنّ أهلنا الذين صمدوا على مدار 13 عاماً في وجه آلة القتل والدمار وبذلوا الدماء والأشلاء وعظيم التضحيات لا يرون غير الإسلام والحكم بما أنزل الله مستقبلاً لسوريا، ومن أجل هذا الهدف العظيم جاد أهلنا بما يقرب من مليوني شهيد، صابرين ومحتسبين.
لذلك، فإنه من الضروري تبيان شكل الحكم في الإسلام لتنتقل القضية من شعار يتوق المسلمون لعودته إلى واقع واضح في أذهانهم ومنضبط في أفكارهم، يبذلون كل جهد من أجل ترسيخه وتحقيقه، وعليه نقول:
1- نظام الحكم في الإسلام هو نظام الخلافة: فالخلافة شرعاً هي رئاسة عامة للمسلمين جميعاً في الدنيا لإقامة أحكام الشرع الإسلامي، وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم، وهي عينها الإمامة، وهي الشكل الذي وردت به الأحكام الشرعية لتكون عليه الدولة الإسلامية كما أسسها رسول الله ﷺ في المدينة المنورة، وكما سار عليها الصحابة الكرام من بعده، وهذا الرأي جاءت به أدلة القرآن والسُّنة وعليه إجماع الصحابة.
2- نظام الحكم في الإسلام ليس جمهورياً ولا ديمقراطياً: فالنظام الجمهوري الديمقراطي هو نظام من وضع البشر يقوم في أساسه على فصل الدين عن الحياة وتكون السيادة فيه للشعب، فالشعب هو الذي يملك حق الحكم وحق التشريع، حتى لو كان تشريعه مخالفاً بشكل صريح لأحكام الإسلام وضوابطه، فيملك حق الإتيان بالحاكم، وحق عزله، ويملك حق تشريع الدستور والقوانين. بينما يقوم نظام الحكم الإسلامي في أساسه على العقيدة الإسلامية، وعلى الأحكام الشرعية، والسيادة فيه للشرع لا للشعب، ولا تملك الأمة فيه ولا الخليفة حق التشريع، فالمشرع هو الله سبحانه، لكن الإسلام قد جعل السلطان والحكم للأمة، فهي تنتخب من يحكمها بالإسلام وتبايعه على ذلك، وما دام الخليفة قائماً بالشرع، مطبقاً لأحكام الإسلام فإنه يبقى خليفة، مهما طالت مدة خلافته، ومتى أخلَّ بتطبيق أحكام الإسلام انتهت مدة حكمه ولو كانت يوماً أو شهراً، يجب أن يُعزل. ومنه نرى أن هناك تناقضاً كبيراً بين النظامين في الأساس وفي الشكل الذي يقوم عليه كل منهما، وعليه فلا يجوز مطلقاً أن يقال إن نظام الإسلام نظام جمهوري، أو أنه يقرُّ الديمقراطية.
3- نظام الحكم في الإسلام ليس ملكياً: ولا يُقرّ النظامَ الملكي، ولا يشبه النظامَ الملكي، فالنظام الملكي يكون الحكم فيه وراثياً، يرثه الأبناء عن الآباء، كما يرثون تركتهم، والنظام الملكي يخصّ الملك بامتيازات وحقوق خاصة، ويمنع ذاته من أن تُمسّ، بينما نظام الإسلام لا يخصّ الخليفة أو الإمام بأية امتيازات أو حقوق خاصة، فليس له إلا ما لأي فرد من أفراد الأمة، ونظام الحكم في الإسلام لا وراثة فيه والخليفة ليس ملكاً بل هو نائب عن الأمة في الحكم والسلطان، اختارته وبايعته بالرضا ليطبق عليها شرع الله، وهو مُقيَّد في جميع تصرفاته وأحكامه ورعايته لشؤون الأمة ومصالحها بالأحكام الشرعية.
4- نظام الحكم في الإسلام ليس إمبراطورياً: فالنظام الإمبراطوري بعيد عن الإسلام كل البعد، لأنه لا يساوي بين الأجناس في أقاليم الإمبراطورية بالحكم، بل يجعل ميزة لمركز الإمبراطورية في الحكم والمال والاقتصاد، وطريقة الإسلام في الحكم هي أنه يساوي بين المحكومين في جميع أجزاء الدولة، وينكر العصبيات الجنسية، ويعطي لغير المسلمين الذين يحملون التابعية حقوق الرعية وواجباتها، فلهم ما للمسلمين من الإنصاف، وعليهم ما على المسلمين من الانتصاف، فهو بهذه المساواة يختلف عن الإمبراطورية، وهو بهذا النظام لا يجعل الأقاليم مستعمرات، ولا منابع تصب في المركز العام لفائدته وحده، بل يجعل الأقاليم كلها وحدة واحدة مهما تباعدت المسافات بينها، وتعددت أجناس أهلها، ويعتبر كل إقليم جزءاً من جسم الدولة، ولأهله سائر الحقوق التي لأهل المركز، أو لأي إقليم آخر، ويجعل سلطة الحكم ونظامه وتشريعه كلها واحدة في كافة الأقاليم.
5- نظام الحكم في الإسلام ليس اتحادياً، تنفصل أقاليمه بالاستقلال الذاتي، وتتحد في الحكم العام، بل هو نظام وحدة تعتبر فيه الولايات أجزاء من الدولة الواحدة، وتعتبر مالية الأقاليم كلها مالية واحدة وميزانية واحدة تنفق على مصالح الرعية كلها، فنظام الحكم وحدة تامة يحصر السلطة العليا في المركز العام، ويجعل له الهيمنة والسلطة على كل جزء من أجزاء الدولة صغر أو كبر، ولا يسمح بالاستقلال لأي جزء منه، حتى لا تتفكك أجزاء الدولة.
والحاصل أن نظام الحكم في الإسلام هو نظام خلافة. وقد انعقد الإجماع على وحدة الخلافة، ووحدة الدولة، وعدم جواز البيعة إلا لخليفة واحد. وقد اتفق على ذلك الأئمة والمجتهدون وسائر الفقهاء.
ونقول لأهلنا الثابتين على أرض الشام، أهل الملاحم والبطولات:
إنه لا يكافئ دماءكم التي قدمتموها وتضحياتكم التي بذلتموها إلا الحكم بالإسلام في ظل دولة ترضي الله سبحانه ورسوله ﷺ، دولة الخلافة التي تنتهي بها وحدها كل مآسي المسلمين ومشكلاتهم.
وإن حزب التحرير قد وضع بين أيديكم التصور الواضح لنظام الحكم في الإسلام الذي حكم به أئمة الهدى سادتنا أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين، وحريٌّ بكم الالتزام بما أمركم به ربكم الذي بيده وحده نصركم وعزكم، وقد رأيتم معيته سبحانه التي حملتكم إلى دمشق منتصرين، ولا يليق بكم أيُّ نظامٍ علماني يُطرح عليكم يُسخِط اللهَ ويشقي عباده، حتى ولو كان مُجمَّلَ الوجه مُزكّىً من القنوات الفضائية المسيّسة، وحتى لو تمسّح بذكر الإسلام ما دام مضمونه هو الديمقراطية والحكم بغير ما أنزل الله. قال تعالى: ﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾.
نسأل الله لأهلنا في سوريا وكل بلاد الإسلام الثبات على الحقّ، والعزةَ بحكم الإسلام ودولته الخلافة التي بشرنا النبي ﷺ بعودتها على أنقاض الحكم الجبري حيث قال: «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ»، فبها وحدها نستعيد عزنا المفقود وقدسَنا من يهود، وبها وحدها نعيد كتابة التاريخ من جديد ونعود بحقٍ خيرَ أمة أخرجت للناس، وما ذلك على الله بعزيز.
------------
كتبه: الأستاذ ناصر شيخ عبد الحي
المصدر: https://tinyurl.com/5n6j3v42
- التفاصيل
شهدت مناطق الساحل السوري حالة تصعيد عسكري كبير بدأت بتاريخ 6/3/2025م، وتمثلت بمجموعة من الهجمات المنظمة والمتزامنة على نطاق جغرافي واسع استهدفت قوى الجيش والأمن المنتشرة في المنطقة، نفذها فلول نظام الطاغية أسد وطائفته، التي كانت تسيطر على مفاصل الجيش والمخابرات في فترة عهده وعهد أبيه من قبل.
ورغم العدد الكبير من الشهداء الذين سقطوا خلال هذه الهجمات، إلا أن مجرمي الفلول فشلوا في السيطرة على المنطقة لأسباب عدة أهمها؛ الانتفاضة الثورية العارمة التي حصلت في عموم المدن السورية وما أعقبها من توجه عشرات الآلاف من المتطوعين بسلاحهم لمؤازرة القوات العسكرية هناك، وهذا ما ساعد على كسر شوكتهم وتكبدهم خسائر كبيرة جعلتهم ينكفئون من مراكز سيطرتهم إلى الجبال من جديد، لكن عمليات قطع الطرقات والكمائن لم تتوقف بعد ويبدو أنها ستستمر لأجل طويل في ظل الطبيعة الجغرافية للمنطقة والإجراءات الحكومية المترددة في التعامل معهم.
في السياق ذاته، سبق هذه التطورات بأيام قليلة تصاعد التوترات بين إدارة المرحلة والدروز في الجنوب (السويداء)، كما ترافقت أحداث 6/3 مع مظاهرة وسط مدينة السويداء ضد الإدارة الجديدة بالتزامن مع طرد المحافظ واستبدال علم الطائفة بالعلم الموجود على مبنى المحافظة.
كما تم في 24/2/2025م الإعلان عن تأسيس مجلس عسكري في السويداء ذات الأغلبية الدرزية ليكون أحد القوى العاملة هناك، لكن اللافت فيه هو ما أشارت إليه تقارير من تنسيق بينه وبين قوات سوريا الديمقراطية العاملة شمال شرق سوريا، حيث ظهرت بعض الدلالات على هذا التنسيق خلال العروض العسكرية التي نظمها المجلس، كرفع المشاركين أعلاماً مشابهة لتلك التي تستخدمها "قسد"، بالإضافة لتصريحات عدة من كيان يهود عن تقديم الحماية للدروز في السويداء. فقد كشف تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال عن أن كيان يهود يسعى إلى إقناع دروز سوريا برفض الحكومة الجديدة والمطالبة بحكم ذاتي ضمن نظام فيدرالي، وأن الكيان يخطط لإنفاق أكثر من مليار دولار لتحقيق هذا الهدف.
إن تزاحم هذه الأحداث وتزامنها دفع كثيرا من المراقبين للمشهد إلى الربط بينها، وخرجت بعض التقارير تتكلم عن فشل انقلاب كان مخططاً له من العلويين في الساحل والدروز في الجنوب وقسد في الشرق مع غطاء جوي من كيان يهود. إلا أن هذا الكلام فيه مبالغة وبعيد عن الواقع حالياً حيث لم ينضج هكذا تناغم بعد وإن كانت بذوره الخبيثة واضحة.
كما أن الحركة التي حصلت في 6/3/2025 كانت حركة غير مدروسة الأبعاد، فكانت لها ارتدادات سلبية على خصوم الثورة وارتدادات إيجابية على المسلمين في سوريا رغم صعوبتها، فقد عادت بنتائج مبشرة، منها أنها أثارت مشاعر الحاضنة الثورية من جديد وأعادت تعبئتها بشكل كبير، كما أعطت للناس درساً يقضي بضرورة التمسك بالسلاح وعدم الانسياق مع ما تطرحه الإدارة الحالية حول حصر السلاح بيد الدولة، بالإضافة لتعزيز الهوية الإسلامية في وجه هذه التحركات، لذا رأينا معظم هذه المناطق ترفع لواء رسول الله ﷺ كرمز لها.
أما على صعيد المكر الخارجي، فإن أمريكا لا شك تدرك قوة وزخم الحاضنة الشعبية المنتصرة، وقد خبرت خلال السنوات الماضية قوة الثورة وعزيمة أهلها وحجم التضحيات الضخمة التي قدموها للوصول للنصر الذي تحقق وبالتالي ما نتج عنه من انتعاش النفوس واتقاد الهمة بعد سنوات طويلة من الضغط. هذا كله يجعل توجه أمريكا خلال هذه الفترة يرتكز على مسايرة هذا الواقع من خلال دعم الإدارة الحالية هذه الفترة ورسم الخطوات لها رغم أنها ليست الخيار المفضل للمستقبل بالنسبة لها، إلا أنها الخيار الأفضل في هذا الحين لضبط المرحلة وتنفيذ عدد من الخطوات الهامة منها حصر السلاح وضبط المقاتلين على الأرض. ولذلك سارعت الدول لفتح العلاقات معها ودعمها سياسياً كونها معتمدة للمرحلة القريبة القادمة. لذا فإن الكلام عن كون ما حدث محاولة انقلابية منسقة ومخطط لها بين أطراف عدة هو كلام مبالغ فيه.
أما ما تسعى له أمريكا بخصوص القوى الأخرى في سوريا فيبدو أنها تريد المحافظة عليها من خلال ممارسة الضغط على قيادة المرحلة حتى لا يكون هناك حسم مع تلك القوى يفضي لإنهاء وجودها. لذلك نرى الضبابية في المواقف من كلا الطرفين. من ناحية تبدي تلك القوى استعدادها للانخراط ضمن صفوف الجيش ولكنها لا تقبل التخلي عن استقلاليتها وكذلك نرى مواقف رخوة تجاه تعنت تلك القوى حتى الآن. فمثلا بالنسبة لقوات سوريا الديمقراطية التي تدعمها أمريكا في شرق الفرات فإن التقارير والتحليلات الحديثة تشير إلى أن الولايات المتحدة لم "ترفع يدها" عن قسد بشكل نهائي، وإنما يبدو أن سياستها تتجه نحو إعادة تقييم دورها في سوريا، وذلك في ظل التغيرات الميدانية والسياسية بعد سقوط أسد، حيث تظهر الآن مؤشرات على أن أمريكا قد تُفضل تنسيق جهودها مع الحكومة السورية الجديدة لتولي مسؤوليات أكبر في المناطق الشمالية والشرقية. لكن هذا التوجه لا يعني قبولها لحل قسد أو إنهائها ككيان مستقل، بل يُعبّر عن رغبة في انتقال تدريجي نحو نموذج أمني يشمل دمج بعض عناصر قسد ضمن إطار "وطني" أوسع تقوده دمشق.
وفي الجنوب كذلك يدفع كيان يهود بقوة باتجاه ضمان استقلالية للدروز، أما العلويون فسيبقون قنابل موقوتة يمكن استخدامهم في أي وقت. هذه القوى وغيرها تريد أمريكا إبقاء وجودها لتلعب دورا مستقبلياً حين تتيسر الظروف التي تساعد في سحب البساط من تحت أقدام أهل الشام لتنقلب على نصرهم بعد أن تهيئ الأرضية لذلك. لكن هذا الطريق غير ممهد لها تماماً فالنصر الذي فُرض عليها بعد سنوات طويلة من المكر نسف جهوداً ضخمة حاولت فيها إخضاع أهل الشام وكسر إرادتهم، إلا أنهم صبروا وبذلوا، فتولاهم الله برحمته وانقلب السحر على الساحر، وتلا ذلك فيما بعد واقع معقد من الصعب جدا لملمته. نسأل الله أن يكون ذلك مقدمة لاكتمال نصر أهل الشام بإقامة دولة الإسلام الخلافة، وتحرير بيت المقدس عاجلاً غير آجل إن شاء الله.
----------------
بقلم: الأستاذ محمد يمان
المصدر: https://tinyurl.com/4hhcvrzd
- التفاصيل
تمكن أهل الشام من إسقاط طاغية الشام بعد ثبات وصبر قل نظيره، وتم تتويجه بالنصر ودخول دمشق وإزاحة العصابة الأسدية عن الحكم في سوريا بعد ستة عقود من الاستبداد والطغيان والعمالة والإجرام، ولكن مشغلي النظام البائد من المؤكد أنهم لن يقفوا عند زوال عميلهم بل سيواصلون مسيرتهم أملاً منهم في إعادة السيطرة على حكم البلاد عبر أدوات جديدة أو قديمة، وما محاولة فلول النظام البائد التمرد والانقلاب في الساحل السوري إلا محاولة سيتبعها محاولات أخرى، والهدف على الأقل وضع الإدارة الحالية في سوريا تحت الضغط عبر تحريك هذه الشراذم هنا وهناك، فيما تواصل دوائر المخابرات العالمية وعلى رأسها الأمريكية المكر بأهل الشام لإفشال ما تحقق حتى الآن ومحاولة إعادة البلاد للمربع الأول.
فرغم استجابة إدارة المرحلة لكثير من متطلبات القوى الكبرى إلا أنها لم تنل ما يوازي هذه الاستجابة وعلى رأسها رفع العقوبات عن سوريا، في استغلال رخيص ودنيء من القوى الغربية للحالة التي يعيشها أهل الشام، فالابتزاز هو طريقة هذه القوى في التعامل مع المسلمين الذين عليهم مواجهة ذلك بمبدئية وجرأة لا التلون والتماهي ومجاراة هذه القوى التي كلما استجبت لأحد مطالبهم سيطلبون المزيد حتى يصلوا إلى أهدافهم في إعادة النظام الرأسمالي العلماني المجرم ليسوس الشام وأهلها مرة أخرى.
لقد خرج أهل الشام بثورة مباركة قدموا فيها تضحيات هائلة وثبتوا على مطالبهم رغم التكالب الدولي والإقليمي والذي ما زال مستمرا رغم الانتصار الساحق، وإننا إذ نعتبر ما تحقق هو إنجاز لكل شعبنا وروحه الثورية والجهادية المعطاءة إلا أن هناك من لا يروق له ذلك ويريد لنا أن نركب سكة الدول لتنفيذ إراداتها ولو على حساب البلاد وتضحيات الشعب، فرغم أن مطلب الثورة وأهلها واضح منذ بدايتها وعلى رأسها تحكيم شرع الله الذي جسده شعار "قائدنا للأبد سيدنا محمد" إلا أن ما ورد في الإعلان الدستوري بعيد كل البعد عن مطالب وطموحات وتطلعات أهل الشام، فهو لا يختلف كثيراً عن دساتير الأنظمة العربية والإقليمية، بل إنه شابه إلى حد بعيد دستور نظام بشار عام 2012، وهذا ليس مستغربا من حيث المبدأ ممن يريد إسقاط نظام وليس بحوزته بديل سياسي واضح ومبلور من قبل، وغياب البديل يدفع باتجاه التخبط لأن الدول هي مشروع يتمثل بدساتير وقوانين ولا يمكنها العيش بدونها فترة طويلة، فجاء الإعلان الدستوري بعد أكثر من ثلاثة أشهر مكشوفا عنه الغطاء حتى أنه لم يعجب جميع القوى السياسية في سوريا من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال، لكن ما يهمنا من كل هؤلاء هم أهل الثورة والتضحيات وخصوصا المجاهدين الذين عاهدوا الله أن يقيموا شرعه على أرض الشام المباركة كثمرة لجهادهم وتضحياتهم طوال هذه السنوات، فقد تفاجؤوا بهذا الإعلان الدستوري الذي أقل ما يقال فيه أنه علماني رغم كافة أنواع المساحيق لتجميله واضفاء الصبغة الإسلامية عليه لخداع الناس ولامتصاص غضبهم، ولكن الوعي على الإسلام عند أهل الشام لا تخدعه هذه المساحيق .
إن التنازل عن ثوابت الثورة والدين عاقبته وخيمة، فديننا وعقيدتنا هي مصدر عزنا وكرامتنا لا يجوز الاقتراب منها أو التنازل عن شيء منها، ولا يمكننا بأي شكل من الأشكال أن نرد على معية الله سبحانه وتعالى ونصره لنا بحمده وشكره بلساننا فقط، بل إكرام الله ونصره لنا في إسقاط نظام طاغية الشام لا يعادله إلا إقامة حكم الإسلام كاملا غير منقوص ، فمن نصرنا بعد أربعة عشر عاما هو كفيل أن ينصرنا إن أقمنا دينه وطبقنا أحكامه.
إن جعل الشريعة الإسلامية مصدرا رئيسيا وليس وحيدا للدستور، إنما هو إشراك لغير الله بالحكم و جعل الإنسان قيما على شرع الله، و لهذا الأمر تبعات خطيرة فهو تعبيد الناس لغير الله، رغم علمنا أساسا أن هذا الإعلان هو ما يتطلع له أعداء الإسلام وأهل الشام وفيه مفاسد عظيمة، ورغم علمنا بأنه مؤقت ولكن النهايات تُعرف من البدايات.
إن خوض غمرات الكفاح السياسي أخطر بكثير من العمل العسكري لأن الخطأ السياسي يمكنه أن يسحق جميع الإنجازات العسكرية بقرار سياسي واحد وإضاعة الجهود الكبيرة المبذولة وجعلها هباء منثورا، ومن هذا المنطلق فقد كنا حريصين طوال الفترة الماضية أن نكون عونا لإخواننا المجاهدين وناصحين للصادقين من أبناء الشام.
إن الإعلان الدستوري يؤسس لمرحلة جديدة خطيرة، وليس هناك مجال لذكر وتفنيد طامات جميع مواد هذا الإعلان وانعكاساته الخطيرة على البلاد وعلى شعبنا وثورته المباركة، ولذلك ندعو العقلاء من المجاهدين وأصحاب الرأي من الحريصين على تتويج تضحيات أهل الشام من أبناء أمتنا بما يرضي الله للضغط على إدارة المرحلة لتصحيح الأخطاء، لأن شعبنا لن يعبد غير الله إلها واحدا لا معبود غيره، ولن يقبل بأقل من أن تكون العقيدة الإسلامية أساس الدولة ودستورها وقوانينها، وأن تكون الشريعة الإسلامية المصدر الوحيد للتشريع وليس أن الفقه الإسلامي هو المصدر الرئيس للتشريع، فنحن لا نشرك مع الله أحدا.
لقد كنا و ما زلنا ناصحين حتى تستعيد الأمة مجدها وعزها، والذي لن يكون إلا بالتمسك بالإسلام عقيدة ونظاما، والعمل بجد لإقامة الدولة الإسلامية التي ليست غايةً بحد ذاتها وإنما وسيلة لتبليغ رسالة الله لعباده في الأرض، ومن غاب عنه هذا المفهوم وانغمس بالواقع فمن المؤكد أنه سيرى مشروع إقامة الدين أوهاما سياسية وأحلاما، وستكبر قوة الكفار المادية بعينه حتى يراها أكبر من قوة الله (والعياذ بالله) ويواجه خطر التثاقل الى الأرض والقبول بما يلقيه أعداء الإسلام من فتات.
لقد أعطت الثورة دفعة قوية باتجاه عملية التغيير المنشود الذي تسير في طريقه أمة الإسلام وفي مقدمتهم أهل الشام الذين لن يخيبوا أمل أمتهم في الخلاص من عباءة الاستعمار ونير العبودية لغير الله والسعي للتحرر من جميع أفكار الكفر والخور التي عشعشت في عقول بعض أبناء أمتنا، في الوقت الذي يجب أن يكون التحدي الصريح والواضح عنوان المرحلة لتعبئة الأمة لمواجهة قوى الاستعباد الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة وربيبها كيان يهود المسخ الذي ما كان له أن يتطاول على بلادنا لو وجد ردا حازما و موقفا صادقا من أبناء الأمة.
إن جميع القوى في العالم تمر بحالة ضعف تحاول تغطيته بالبروباغاندا الإعلامية، وهذه فرصة عظيمة لرفع السقف وعدم الخشية فالمستقبل لأمة الإسلام للعودة لريادة العالم مرة أخرى واستعادة المسلمين مكانتهم التي تليق بهم وبدولتهم الخلافة الراشدة القائمة قريبا بعون الله في الشام عقر دار الإسلام.
(وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِين).
-----------
كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
أحمد معاز
- التفاصيل
في ومضة نشرها على موقعه الإلكتروني تحت عنوان "مشروع دستور لدولة الخلافة يقدمه حزب التحرير للأمة" قال المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا: نذكّر المسلمين عموما وأهل الشام بشكل خاص؛ بأننا في حزب التحرير نقدم للمسلمين جميعا مشروع دستور إسلامي مستنبط في جميع مواده من الكتاب والسنة، وما أرشدا إليه من إجماع الصحابة والقياس الشرعي المعتبر، يبين شكل الدولة التي بينها لنا شرعنا، وحدد لنا أجهزتها وصلاحية هذه الأجهزة، حتى لا يبقى ما نسعى إليه مجرد شعار، أو مطلبا عاما بل هدفا محددا نسعى إليه على بصيرة بطريقة شرعية مستقيمة. وهو ليس دستورا لدولة قطرية أو وطنية أو قومية، بل هو دستور لدولة المسلمين.
وإننا نسعى لأن يوضع هذا الدستور موضع التطبيق العملي في دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي بشر بعودتها رسول الله ﷺ عندما قال: «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ».
المصدر: https://tinyurl.com/58adn4fx
- التفاصيل
بسم الله الرحمن الرحيم
ملاحظات شرعية حول الإعلان الدستوري الذي أصدره رئيس الجمهورية في الثالث عشر من آذار سنة 2025م:
١- ورد في مقدمة الإعلان الدستوري في سياق نقد النظام البائد أنه "أفرغ الدستور من مضمونه"، مما يشير إلى احتمال صلاحية أو شرعية دستور النظام لو أن النظام لم يفرغه من مضمونه، وهذا خطأ، لأن عدم شرعية النظام السابق آت من عدم شرعية دستوره وعدم شرعية الأسس الفكرية والقانونية التي قام عليها، وليس من عدم تطبيق الدستور أو من إفراغه من مضمونه.
أ. عبدالحميد عبدالحميد
رئيس لجنة الاتصالات المركزية لحزب التحرير في ولاية سوريا
٢- ذِكرُ أن جرائم النظام كانت "انتهاكاً للشرائع الدولية" فيه إقرار بصحة تلك الشرائع التي تخالف بل تناقض الشريعة الإسلامية في الأصول والفروع.
٣- عبارة "حرصاً على إرساء الحكم الدستوري السليم المستوحى من روح الدساتير السورية السابقة ولا سيما دستور 1950م" تصرح باستيحاء هذا الإعلان الدستوري من الدساتير السورية السابقة عليه ذات الطابع العلماني المعروف، التي تفصل الدين عن الدولة، مما لا يقره الإسلام بحال من الأحوال.
أ. عبدالحميد عبدالحميد
رئيس لجنة الاتصالات المركزية لحزب التحرير في ولاية سوريا
٤- تسمية الدولة بالجمهورية هو تصريح بالإبقاء على نظام الحكم جمهورياً، وهذا غير جائز في الإسلام، لأن النظام الجمهوري هو أحد أشكال أنظمة الحكم الديمقراطية، وهو يختلف عن نظام الحكم في الإسلام في نقطة جوهرية هي سلطة التشريع وسن القوانين التي يمتلكها الجمهور عبر ممثليه في النظام الجمهوري، بينما هذه السلطة هي من حق الله وحده في النظام الإسلامي، وعمل المجتهدين فيه إنما هو استنباط الأحكام من مصادر التشريع في الإسلام، الكتاب والسنة والإجماع والقياس، ثم يتبنى الحاكم هذه الأحكام فتصبح قوانين.
---------
عبدالحميد عبدالحميد
رئيس لجنة الاتصالات المركزية لحزب التحرير في ولاية سوريا
٥- ذِكرُ أن "الجمهورية العربية السورية وحدة جغرافية وسياسية لا تتجزأ" فيه تكريس فصل هذه الأرض المبار.كة من بلاد الشام عن بقية بلاد المسلمين، وترسيخ فصل أبناء الأمة في الشا.م عن عمقهم التاريخي والثقافي والحضاري المتمثل في أمة الإسلا.م.
٦- ذِكرُ أن "الفقه الإسلامي المصدر الرئيس للتشريع" خطأ فاحش، وكان يجب أن تكون الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد لمواد الدستور وللقوانين والأحكام النافذة.
عبدالحميد عبدالحميد
رئيس لجنة الاتصالات المر.كزية لحز.ب التحر.ير في ولا.ية سوريا
٧- عبارة "حرية الاعتقاد مصونة" عبارة غامضة ملتبسة حمّالة أوجه وبحاجة إلى توضيح، فهل هي تجيز للمسلم أن يغير دينه متى شاء، ولا شيء عليه؟! أم إنها تعني فقط ألّا يُكرَه غير المسلمين على اعتناق الإسلام؟
٨- عبارة "إثارة النعرات" التي ستمنعها الدولة وكان يحاكمنا بموجبها النظام السابق، هذه العبارة بحاجة إلى تفصيل، فهل سيؤخذ بها من سيقول غداً للنصيري والدرزي والنصراني: يا كافر؟!
عبدالحميد عبدالحميد
رئيس لجنة الاتصالات المركزية لحزب التحرير في ولاية سوريا
٩- وردت عبارة "الحقوق والحريات" التي سوف تصونها الدولة وتلتزم باحترامها في أكثر من مكان، وهي عبارة عامة بحاجة إلى توضيح وتفصيل، فأي الحريات مسموح به في دولتنا الجديدة وأيها غير مسموح به؟ مع العلم أنه في الإسلام لا وجود لمصطلح "الحريات" بمعناه الغربي الجامع لحرية التملك والاعتقاد وحرية الرأي والحرية الشخصية، بل كل تصرفات الإنسان مقيدة بالأحكام الشرعية وضوابط الحلال والحرام.
عبدالحميد عبدالحميد
رئيس لجنة الاتصالات المركزية لحزب التحرير في ولاية سوريا
١٠- مصطلح "حماية حقوق الإنسان" ملتبس وذو أكثر من معنى، فأي معانيها هو المقصود؟ هل هو ما ورد في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، أي حقوق الإنسان على النمط والطريقة الغربيين، التي وُضعت أسسها في الثورة الفرنسية؟! أم حقوق الإنسان كما جاء بها الشرع الحنيف؟
١١- حصر السلاح بيد الدولة غير جائز شرعاً، بل لا يجوز منع المسلمين من حيازة السلاح، ولا مانع من تنظيم ذلك بقانون.
١٢- عبارة "تشجع الدولة الاستثمار وتحمي المستثمرين" عبارة خطيرة تشير إلى توجه القائمين على الأمور نحو بيع ثروات البلاد ومرافقها الحيوية لأصحاب رؤوس الأموال الأجانب.
- اِعتبار جميع الحقوق والحريات المنصوص عليها في المعاهدات والمواثيق والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، والتي صادقت عليه الجمهورية العربية السورية (أي النظام السابق) جزءاً لا يتجزأ من هذا الإعلان الدستوري، نقول: إن هذا الاعتبار غير جائز شرعاً، ففي تلك المعاهدات والمواثيق الدولية الكثير من الأمور والأحكام التي لا يقرها الشرع الحنيف.
١٤- لا يجوز أن تكفل الدولة حرية الرأي والتعبير والإعلام والنشر والصحافة إلا بالقدر الذي لا يتجاوز المسموح به شرعاً.
١٥- أن "تصون الدولة تشكيل الأحزاب على أسس وطنية" غير جائز شرعاً. فلا يجوز قيام أحزاب في الإسلام على أسس وطنية أو قومية أو ديمقراطية أو علمانية، بل لا بد أن يكون تشكيل الأحزاب على أساس العقيدة الإسلامية لا غير، وألا تتبنى هذه الأحزاب سوى الأحكام الشرعية. فمحاسبة الحاكم إذا قصّر في رعاية الشؤون حق من حقوق المسلمين وفرض كفاية عليهم، وإقامة الأحزاب السياسية إحدى وسائل تلك المحاسبة التي غاب ذكر أي شيء عنها في هذا الإعلان الدستوري.
١٦- ولعل طامّة الطوامّ شرعاً في هذا الإعلان الدستوري ذِكرُ أن السلطة التشريعية يمارسها ويتولاها مجلس الشعب، عبر اقتراح القوانين وإقرارها وتعديل أو إلغاء القوانين السابقة، بدون ذكر أي محددات أو ضوابط أو مرجعية شرعية يُلزم بالرجوع إليها مجلس الشعب هذا خلال اقتراح أو إقرار أو تعديل أو إلغاء تلك القوانين، وفي هذا ما فيه من مخالفة صريحة لنظام الحكم في الإسلام، حيث إن الحاكم يتبنى في رعاية الشؤون القوانين الشرعية المستنبطة عبر اجتهادات شرعية سليمة من مصادر الشريعة الإلهية المصدر، ولا يجوز في أي حال من الأحوال أن يترك التشريع وسن القوانين لعقول أعضاء مجلس الشعب. فالحكم في الإسلام لله وحده، بمعنى أن التشريع من حقه وحده سبحانه، ولا يجوز لبشر أن ينازعه هذا الحق الأكيد.
١٧- أخيراً فإن استمرار العمل بالقوانين النافذة ما لم يتم تعديلها أو إلغاؤها من أكبر الأخطاء شرعاً، فجملة هذه القوانين غير شرعية، ولا يجوز الحكم بموجبها، وكان الواجب شرعاً إعلان وقف العمل بها، وتشكيل لجان من فقهاء الشريعة، تبدأ بوضع الأحكام المتتابعة مستنبطة إياها من الأدلة الشرعية، ثم يتبناها الحاكم فتصبح قوانين.
والحمد لله رب العالمين.