
لم يكن تصور الجهاد لدى حملة الإسلام الأوائل بأنه مجرد صدام عسكري بين طرفين لاكتساب مناطق نفوذ جديدة، بل كان الجهاد في تصورهم هو الطريق التي شرعها الله لحمل الإسلام رسالة هدى ونور فانطلقوا يحطمون بالجهاد الحواجز المادية والأنظمة المتسلطة التي تجبر الناس على عبودية البشر. لذلك كان الجهاد هو صراع مبدئي بين نظام رباني ينظم علاقات البشر ويحفظ حقوقهم، ويجلب لهم طمأنينة العيش بعد رضا الله عز وجل، وبين أنظمة وضعية تشقى فيها الشعوب في سبيل نعيم حكامها وترفهم.
فلم يكن بدّ من أجل حمل كل ذلك الخير الذي بين أيديهم إلى الشعوب المضطهدة إلا أن يكسروا ذلك الحاجز المادي الذي يحول بينهم وبين تلك الشعوب، ويحموا ذلك المبدأ من أن يطغى عليه مبدأ آخر، ليقول التاريخ كلمته المشهورة (ما عرف العالم فاتحا أرحم من المسلمين).
إن الأمة التي تتخلى عن الصراع المبدئي مع المبادئ الأخرى ستكون أمة خاضعة منهزمة ذليلة تستباح أرضها وتنهب ثرواتها وتسلب سيادتها، وهذا واضح جليّ منذ أن هدم الكافر المستعمر دولة الخلافة، بعد أن أصبح كثير من أبناء أمة الإسلام مضبوعين بثقافة الغرب.
أما في ثورة الشام، فإن الناظر إلى الفترة التي مرت بها الثورة، يدرك أنه في كل المراحل لم يتوقف القتال قط، رغم كل المكر والتآمر، فكان في كل مرة يحصل فيها توقف للقتال، هدنة هنا واتفاقية وقف إطلاق نار هناك، يقابلها انسحاب وضياع للمناطق والقرى تباعا، مما كرس ضغط الدول على أهل الثورة لإخضاعهم إلى الحل السياسي، إلا أن جذوة الجهاد في القلوب وعلى الألسن لم تنطفئ، ولم يركن أهل الشام لحلول أعدائهم، فكان خيارهم إعلان الجهاد وفتح الجبهات وإسقاط النظام المجرم، ليحصل ما أكرمنا الله به من نصر مؤزر هيأ الله له أسبابه، فسقط النظام البائد في مدة ١٢ يوما فقط.
لكن اليوم ما نراه من صعوبات وحركات تمرد للمتربصين بنا من قسد وفي السويداء والفلول في الساحل، لا يسعنا إلا أن نقول كلمة واحدة، أنه لم يحصل بنا ما حصل إلا نتيجة إغلاق باب الجهاد في وجه هؤلاء، وفتح الطريق للدخول معهم في مفاوضات أدت لاحقا إلى الاعتراف بهم مما زاد تأليبهم علينا.
فلا إدخال المساعدات للدروز والتودد لهم سيكسر شوكتهم، ولا حماية مظاهرات الفلول سيسكت حركات تمردهم ولا المفاوضات الناعمة مع قسد في أروقة الأمم المتحدة ستوقف إجرامهم ..
كلا .. بل هو الجهاد ، جهاد من لا يخشى في الله لومة لائم، جهاد من أخذ على عاتقه نصرة الدين، وإقامة شريعة رب العالمين، جهاد من عرف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا) فأخذ سيفه ضاربا به يبتغي من ذي الجلال عزا وتمكينا.
(وَلَیَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن یَنصُرُهُۥۤۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِیٌّ عَزِیزٌ).
كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
عبد الحي حاج حسن
