- التفاصيل
دعت روسيا إلى مؤتمر سوتشي الذي سينعقد يومي 29 و30 من كانون الثاني/يناير 2018 ووجهت دعوات إلى نحو 1600 شخص زاعمة أنهم يمثلون كافة أطياف الشعب السوري، وقد واجهت الدعوة لهذا المؤتمر رفضا واسعا من أطياف المعارضة السورية للمرة الثانية فيما انعقد مؤتمر فينّا الذي لم تصدر عنه نتائج تذكر، فيما الوعود الدولية أن الحل سيكون في جنيف وفقا لقرارات الأمم المتحدة، إن هذه المؤتمرات تنعقد دائما بعد جولات من القصف والقتل والتشريد من قبل وكلاء أمريكا روسيا والنظام والمليشيات المتحالفة معهم وسط التواطؤ الدولي وصمته على كل ذلك الإجرام، وكأنهم يقولون للمعارضة عليكم الحضور إلى هذه المؤتمرات والموافقة على مخرجاتها بالعصا رغم أنوفكم، وتحاول هذه الدول؛ روسيا و إيران و تركيا و السعودية بقيادة أمريكا من خلال هذه المؤتمرات إرساء قواعد ومبادئ للحل السياسي الذي توافقت عليه، إلا أنه تبرز أحيانا خلافات حول بعض التفاصيل التي لا تؤثر في تعاون هذه الدول لإجهاض ثورة الشام وتصفيتها، فقد شُجعت تركيا على حضور مؤتمر سوتشي مقابل سكوت روسيا وتسهيلها عملية غصن الزيتون ومن قبلها تسليم شرق سكة القطار، وهكذا تتبادل الدول الأدوار لتحقيق مصالحها،
ولكن مع اقتراب موعد الحسم من وجهة نظر هذه الدول المستعجلة جدا للقضاء على ثورة الشام بالحل السياسي برز خلاف شديد بين أمريكا وروسيا حول شكل الحل وكيفية إخراجه والاستفادة منه سياسيا واقتصادياً، مما جعل أمريكا تدفع المعارضة السورية لرفض مؤتمر سوتشي، هذا المؤتمر الذي تحاول روسيا أن تجعل الحل من خلاله عبارة عن مصالحة وطنية وكأن الذي حصل مشاجرة بين بعض الأفرقاء!!
إن الحصاد المر لهذه المؤتمرات يظهر جليا فيما رشح من بنود مؤتمر سوتشي التي هي أشبه ما تكون باللغة الخشبية في الخطابات التي كانت تمارسها الأنظمة الدكتاتورية من ادعاء السيادة و الوطنية والوحدة والحرية المزعومة لتخلص في النهاية إلى تشكيل لجنة صياغة دستور من النظام والمعارضة المصنوعة في دمشق وموسكو وجعل المعارضة من الثورة عبارة عن ديكور لتصوغ هذه الأكثرية دستورا يناسب موسكو والنظام يكون خارطة طريق للحل، ما يظهر روسيا كدولة فاعلة على المسرح الدولي ويكسبها نفوذا سياسيا واقتصاديا في الداخل السوري، وهو ما ترفض أمريكا إعطاؤه لروسيا، لذلك دفعت أمريكا المعارضة إلى رفض هذا المؤتمر واستفادت من طرحه بدفع المعارضة إلى المزيد من الارتماء في أحضانها.
إن أمريكا التي تريد الحفاظ على تفردها في النفوذ في سوريا، فقد أخرجت ما يسمى "اللاورقة" بمشاركة كل من بريطانيا و فرنسا والسعودية والأردن، وهي مسودة حل يجعل سوريا بلدا مفككا ضعيفا ترتبط أطرافه بالنفوذ الأمريكي مباشرة أو عبر بعض عملائها.
هذان الشكلان من خارطة الحل السياسي المطروح من قبل كل من روسيا وأمريكا نتيجته واحدة على الثورة وهو تصفيتها لصالح نظام علماني يحافظ على الدولة العميقة للنظام ومؤسساتها الأمنية والعسكرية والدبلوماسية والإدارية وإمساكه بمفاصل البلاد والارتكاز عليها.
إن الفرق بين هذه المؤتمرات هو الصراع بين الدول على حصد ثمار ونتائج القتل والإجرام وتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية على حساب دماء ومآسي أهل الشام الثائرين،
فروسيا تريد أن تظهر من خلال مؤتمر سوتشي أنها شريك في صنع القرار الدولي وحل الأزمات إضافة إلى المكاسب الاقتصادية فيما تريد أمريكا حرمانها من ذلك والاستحواذ على كل شيء.
نعم هذه لعبة الأمم القذرة وحصاد الإجرام الذي تقوم به الدول من خلال تعاونها ضد المسلمين ثم بعد ذلك تختلف على قسمة ميراث القتيل.
أيها المسلمون! هذه حقيقة النظام الدولي ومواقفه من قضايا الشعوب وممارسة الإجرام والقتل سرا وعلنا وحصد نتائجه في مؤتمرات يتنازعونها بينهم للاستحواذ على كعكة النفوذ.
إن هذه المؤتمرات خداع لا يرجى منها أي خير للمسلمين، فلا تعلقوا عليها آمالا بل واجهوها برفضها والإعراض عنها ومقاطعتها كلها، واكشفوا جرائم من يقف وراءها وأهدافها وغاياتها ونتائجها التي تصب في مصلحة أعداء الإسلام والمسلمين فقط.
إن مصلحة المسلمين لا تتحقق إلا باتباع أحكام الإسلام في التغيير والتوحد على مشروع الإسلام العظيم، وإقامة الدولة الإسلامية، دولة الخلافة على منهاج النبوة، ورفض مشاريع الدول الاستعمارية وعدم المساهمة والمشاركة في مؤتمراتها وقطع العلاقة معها فقد بان خداعها وانكشف زيفها.
كتبه لجريدة الراية: الأستاذ محمد سعيد الحمود، بتاريخ الأربعاء 31 كانون الثاني/يناير 2018م
المصدر: http://bit.ly/2E3tqt0
- التفاصيل
عندما بدأ النظام السوري يتقدم نحو إدلب بدأ تذمر فصائل الثوار الذين وقعوا في قيود تركيا أردوغان تحت مسمى وقف التصعيد، وإن تمكنوا من صد هجمات للنظام، ولكن النظام شدد هجماته حتى بدأ يطوق مطار "أبو الظهور"، عندئذ أثار أردوغان موضوع عفرين وسيطرة وحدات حماية الشعب الكردية عليها، وبدأ يرغي ويزبد ويولول ويحشد قواته على الحدود مع سوريا مستغلا تصريح العقيد الأمريكي ديلون المتحدث باسم التحالف الدولي يوم 14/1/2018 بأن "واشنطن بصدد تشكيل قوة أمنية حدودية شمال سوريا قوامها 30 ألف مقاتل بالتعاون مع قوات سوريا الديمقراطية (الأمريكية)". علما أن تركيا عضو في هذا التحالف الصليبي بقيادة أمريكا.
وأعلنت أمريكا أنها ليست بصدد تشكيل هذه القوة، فقد ذكر وزير خارجية تركيا جاويش أوغلو يوم 15/1/2018 أنه اجتمع في كندا مع وزير خارجية أمريكا تيلرسون، وكذلك مع وزير الدفاع الأمريكي ماتيس الذي "طلب منا عدم تصديق الأخبار التي تنشر". وشدد على أنه "يتابع الأمر بنفسه وسيبقى على اتصال معنا". وذكر تيلرسون أنه اجتمع مع جاويش أوغلو وأوضح له الأمر وقال: "هذا الموقف برمته أسيء طرحه وتفسيره، كان كلام البعض غير دقيق، نحن لا ننشئ قوة حدودية على الإطلاق". مما يعني أن هناك مسرحية معينة يجري تحضيرها لأغراض معينة، وأن تركيا تنسق مع أمريكا ولا يمكن أن تقدم على أي عمل من دون إذنها.
والجدير بالذكر أن دخول تركيا لإدلب كان بموافقة أمريكية بعد اجتماع أردوغان مع ترامب يوم 21/9/2017 قرابة ساعة في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقال حينها ترامب "إن أردوغان أصبح صديقا لي، أعتقد أننا أقرب الآن كما لم نكن عليه أبدا"، وشارك في اللقاء شخصيات مهمة في النظام التركي نرى أردوغان دائما يصحبهم في مهماته أو يرسلهم في مهمات خاصة ويقرر معهم ما يتخذه من قرارات، منهم رئيس الأركان خلوصي أكار ورئيس المخابرات حقان فيدان بجانب وزير الخارجية جاويش أوغلو. وقد أطلع ترامب على نتائج محادثات أستانة وعملية الدخول إلى إدلب. وقد أعلنت أمريكا تأييدها على لسان المتحدث باسم البنتاغون إريك باهون يوم 7/10/2017 قائلا: "ندعم جهود تركيا حليفتنا في الناتو في مكافحة (الإرهاب)، ومساعيها الرامية لحماية حدودها". وقد أعلن أردوغان عن بدء العملية العسكرية في إدلب يوم 7/10/2017 لتطبيق اتفاق أستانة الذي تم بين تركيا وروسيا وإيران، وأعلن أردوغان يوم 24/10/2017 أن "العملية العسكرية في إدلب حققت نتائجها إلى حد كبير، وأمامنا الآن موضوع مدينة عفرين شمالي سوريا". أي حققت نتائجها في تقييد أيدي الثوار ووضعهم تحت السيطرة.
ولم يظهر في تصريحات الأمريكيين ما يشير إلى أنهم يسمحون أو لا يسمحون لتركيا بدخول عفرين، وإنما ركزوا على النفي أنهم ليسوا الآن بصدد تشكيل قوة حدودية، بل يفهم من تصريح أردوغان أنه ناقش الموضوع مع ترامب. ففي هذه الحال أرسل أردوغان يوم 18/1/2018 رئيسي الأركان والمخابرات أكار وفيدان إلى روسيا للتشاور في عملية مسرحية وكأنه يتحدى أمريكا. فقد جاء في بيان وزارة الدفاع الروسية حول اجتماع أكار وفيدان بوزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو أنه "كان بنّاء، وتناول آخر المستجدات في الشرق الأوسط والمواضيع الأخرى المتصدرة للأجندة"، وذكر بيان رئاسة الأركان التركية أن "أكار وفيدان تشاورا مع رئيس الأركان الروسي فاليري غيراسيموف في موضوع الأمن الإقليمي وآخر المستجدات على الساحة السورية ومسيرتي أستانة وجنيف". ويظهر أنه يريد أن يطلع الروس على الأهداف من موضوع عفرين.
علما أن تركيا دخلت منطقة جرابلس بإيعاز أمريكي، عندما جاء نائب الرئيس الأمريكي السابق بايدن إلى أنقرة، وأعلن من هناك تأييده الصريح لدخول الجيش التركي يوم 24/8/2016 وطلب من قوات وحدات حماية الشعب الكردية الانسحاب من أمام القوات التركية. وكان الهدف من ذلك إنجاح الخطة الأمريكية التي كانت تركز على حلب من أجل إسقاطها من يد الثوار، وطلبت تركيا من الثوار الذين وقعوا في أحابيلها وتحت تأثيرها الخروج من حلب لقتال تنظيم الدولة، وذلك لإضعاف جبهات القتال الحقيقية في حلب، بل لتسليمها للنظام وخلق جبهات جديدة للاقتتال الداخلي.
والآن يلعب أردوغان اللعبة نفسها، فعندما كبل أيدي الثوار في إدلب وحاصرهم فيها وبدأت حليفته روسيا تضرب بطائراتها إدلب بغطاء جوي للنظام الذي بدأ يهاجم المنطقة ويتقدم إلى أن طوق مطار "أبو الظهور" وصار على وشك السقوط بيده، قام أردوغان ودعا الثوار لمساعدته في عفرين لقتال وحدات حماية الشعب الكردية، وذلك في عملية خبيثة لإبعاد الثوار عن جبهة القتال الحقيقية مع النظام في دمشق والساحل إلى الاشتغال بعفرين التي لا تغني ولا تسمن من جوع، وكذلك للتغطية على ما يجري عليهم من تآمر يحوكه الأمريكان عن طريق أردوغان بالتعاون مع روسيا وإيران لتمكين النظام من جعل إدلب تحت تحكمه وتهديده، لجعل أهل سوريا يفقدون الأمل ويخضعون لما تمليه عليهم أمريكا ومن معها لتثبيت نظام الكفر العلماني بثوب جديد مستندا لدستور كفر علماني جديد.
ولهذا فليحذر أهل سوريا من حركات أردوغان، حيث يجعل سيف النظام السوري الإجرامي مسلطا على رقابهم؛ إما الاستسلام للحلول السياسية الأمريكية التي تطبخ في أستانة وفينا وجنيف، وإما الموت والدمار وفرض الحل السلمي(!) بالقوة وتمكين النظام من الاستيلاء على المناطق التي حرروها. وهدفه النهائي هو تثبيت النظام العلماني في سوريا والحيلولة دون عودة حكم الإسلام. ولو كان في أردوغان خير لما تحالف مع روسيا وإيران الحليفتين والحاميتين لبشار أسد ونظامه! ولما تحالف مع أمريكا وفتح لها قاعدة إنجرليك لتضرب أهل سوريا وتقيم القواعد فيها وتسلح وحدات حماية الشعب الكردية! ولما أخرج الثوار من حلب وسلمها للنظام الإجرامي! ولما حارب الساعين لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة في تركيا حيث يعتقل شباب حزب التحرير وغيرهم من المخلصين!...
فتركيا أردوغان في حلف شيطاني مع تلك الدول؛ تسعى لإجهاض ثورة الأمة ومنع سقوط نظام الكفر العلماني الذي يحرص أردوغان على تطبيقه في تركيا وفي البلاد الإسلامية كما أعلن أكثر من مرة، في الوقت الذي ينفذ سياسات أمريكا من أجل تحقيق مصالحه الشخصية للبقاء في الحكم ولتحقيق بعض مصالح تركيا القومية كما هو يعلن وكما هو مقرر في سياسة تركيا الخارجية. فهل من مدكر؟! ﴿وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ﴾.
كتبه لجريدة الراية: أسعد منصور بتاريخ الأربعاء 24 كانون الثاني/يناير 2018م
المصدر: http://bit.ly/2Ga9q6f
- التفاصيل
الحديث:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا). رواه البخاري.
الشرح:
في هذا الحديث الشريف تأكيد من النبي صلى الله عليه وسلم على حقوق أهل الذمة وعلى عصمة دمائهم بعد إعطائهم عهد الذمة فهم في ذمة المسلمين وواجب على الدولة الإسلامية حمايتهم وإكرامهم ومعاملتهم المعاملة الحسنة التي قد تكون دافعاً لهم لدخول دين الإسلام بعد إحساسهم بعدل الإسلام وحسن رعاية دولته العتيدة.
فلأهل الذمة ما للمسلمين من حقوق الرعاية وعليهم ما على المسلمين من واجبات تجاه الدولة من التزام القانون الذي يسنه الخليفة ويجعله سارياً على كل من يحمل التابعية للدولة الإسلامية.
وبالتالي يكون التعدي على حقوق أهل الذمة والمعاهدين من الكفار جريمة كبيرة ولذلك شدد الرسول صلى الله عليه وسلم على التعرض لأهل الذمة أو إراقة دمائهم بغير حق، معتبراً ذلك من كبائر الذنوب.
وقد أكد الإسلام على حقوق غير المسلمين الخاضعين لسلطان الدولة الإسلامية وكفل لهم بقائهم على دينهم وعقيدتهم ومنع إكراههم على الدخول في الإسلام ولم يعتبرهم أقليات لهم حقوق خاصة، ولم ينظر إليهم على أنهم رعايا من الدرجة الثانية بل أمر بإكرامهم والإحسان إليهم ودعوتهم إلى الإسلام بالتي هي أحسن.
ولذلك كانت دولة الإسلام ونظام الحكم الإسلامي الوحيدان اللذان يكفلان الحياة الكريمة والعيش الرغيد لمن يعيش في بلاد المسلمين من غير المسلمين بخلاف الأنظمة الرأسمالية التي تدعي الحريات وهي تضيق الخناق على المسلمين وتمنعهم من ممارسة شعائرهم وتحاول أن تفتنهم عن دينهم بأقذر الوسائل ضاربة بعرض الحائط القوانين التي وضعتها لتكفل حرية التدين والاعتقاد بزعمها.
للمكتب الإعلامي لحزب التحرير - ولاية سوريا
أحمد الصوراني
للاستماع إلى التسجيل:
- التفاصيل
لقد عاش المسلمون في الفترة التي أعقبت هدم الخلافة العثمانية مطلع القرن الماضي تحت حكم الدول المستعمرة مباشرة، ثم تحت حكم أنظمة استبدادية ودساتير وضعها الكافر المستعمر قبل مغادرته صورياً، كان من أهم مهامها السهر على عدم عودة الإسلام إلى حياة المسلمين كنظام حياة، إضافة إلى ضمان مصالح الكافر المستعمر على حساب مصالح الأمة.
ومع دخول العقد الثاني من هذا القرن انتفضت الأمة، على شكل ثورات اندلعت في البلاد الإسلامية، قامت على أنظمة الحكم القائمة فيها، التي أذاقت الأمة الويلات وتآمرت ضدها في كل قضاياها، كقضية فلسطين التي فيها بيت المقدس حيث المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وقضية أفغانستان والعراق التي شاركت فيها جيوش المسلمين الحرب ضد أبناء الأمة خدمة للكافر المستعمر، الأمر الذي برهن بما لا يدع مجالاً للشك بأن بلاد المسلمين لم تتخلص من الاستعمار إلا شكلاً، وأن خيانة الحكام وتآمرهم ضد أمتهم واضح وضوح الشمس في رابعة النهار، فقد سخروا مقدرات الأمة وثرواتها خدمة لأعداء هذه الأمة من الدول المستعمرة، وقد كانوا رأس حربة في محاربة الإسلام وحملة دعوته.
أما المحرك الأساس لهذه الأمة في انتفاضتها في وجه حكامها فقد كان العقيدة الإسلامية، التي جيشت الناس وجعلتهم يواجهون الدبابات بصدور عارية في منظر لن تراه إلا في هذه الأمة، وقد كان ذلك واضحاً في ثورة الشام المباركة، التي صدحت حناجر المسلمين فيها "قائدنا للأبد سيدنا محمد"، فقد التف الناس حول مشروع الأمة، مشروع الإسلام العظيم الذي تعتز الأمة به وحده.
لكن الرعب والهلع انتاب دول الكفر عندما رأوا هذه الثورات تنتقل من بلد إلى آخر، فقد أدركوا تمام الإدراك بأن انتصار هذه الثورات وخلع حكامها، هو قضية حياة أو موت بالنسبة للكافر المستعمر، وبنجاحها سيتم اجتثاث نفوذ دول الكفر تماماً، لهذا شددوا القبضة على أهل القوة والمنعة من الأمة "قادة الجيوش"، لأنهم حماة الحكام والأنظمة، وهكذا حصل في تونس ومصر وغيرهما من بلاد المسلمين.
بينما في الشام "حيث تدور رحى يوم بعاث مرة أخرى فقد أصبح جيش النظام متهالكاً" سارعت دول الكفر لاحتواء قادة الفصائل المقاتلة عبر تشكيل غرفتي "الموك والموم" بأوامر أمريكية وإدارة مخابرات الأنظمة العميلة، حيث تم تقييد قادة الفصائل بالمال السياسي القذر بل القاتل الذي كان سبباً أساسياً في حرف بوصلة الفصائل، ثم تم سوق البعض منهم إلى جنيف و أستانة و الرياض وغيرها وتوقيعهم على بيع التضحيات الجسام التي ضحى بها أهل الشام على مدى سبع سنوات خدمة لمصالح دول الكفر، فجُمِّدت الجبهات مع النظام للمحافظة على ما تبقى من قواته، واشتعلت نار الفتنة بين الفصائل وحدث الاقتتال الحرام بينها، وسُلمت مناطق بمعارك شكلية للنظام كما حدث في حلب ومناطق حوض الفرات وأرياف درعا ودمشق وحمص ومؤخراً في ريفي حماة وإدلب!
فإن ما حدث ويحدث في ريف إدلب مؤخراً لهو دليل واضح على انقياد قادة الفصائل لأوامر دول الكفر وأتباعهم من حكام المسلمين المجرمين، كما هو تنفيذ لما فُرض عليهم في مؤامرات جنيف وأستانة وغيرهما، فقد بدت قوات النظام تسير وتحتل القرى والبلدات وتشرد أهلها بدون مقاومة، وعندما تنادى بعض المخلصين لصد قوات النظام المتهالكة، رأينا كيف تم دحر قوات النظام ورأينا العشرات من أسرى النظام يساقون كالنعاج!
كما إن ما حدث في حرستا ليس بعيداً عن مركز دمشق حيث استطاعت مجموعة غير كبيرة من المجاهدين دحر قوات النظام والاستيلاء على إحدى قلاعه المهمة التي "عجزت" عن تحقيق أي تقدم فيها كبرى الفصائل في المنطقة سابقاً، لهو دليل آخر على ما نقول من اصطفاف قادة الفصائل الكبرى في الطرف المقابل للأمة ومصالحها!
فمتى سيعلم هؤلاء القادة أن ارتباطهم بأجهزة مخابرات الأنظمة الحاكمة في البلاد الإسلامية ومن خلفها الكافر المستعمر، هو المهلكة بعينها في الدنيا، والحسرة والندامة والخسران في الآخرة؟!
ومتى سيعلم هؤلاء بأن هذه الدول وعلى رأسها أمريكا لن تقبل من أتباعها ولن ترضى عنهم ولو سلموها البلاد والخيرات وأمضوا أعمارهم في خدمتها؟ فها هو قائد الجيش الباكستاني قمر جاويد باجوا يقول بأن باكستان تشعر بالغدر إزاء اتهام الرئيس الأمريكي لباكستان بالكذب والخداع بالرغم من أن النظام والجيش الباكستاني أنفق المليارات لإرضاء العم سام في محاربته للإرهاب!! فهل سيكون قادة الفصائل أحسن حالاً؟؟ والله سبحانه يقول: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾.
فإلى متى سيبقى هؤلاء القادة مُصطفِّين إلى جانب أعداء أمتهم؟؟ ألم يقرؤوا قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ﴾؟؟
أليس فيهم من يعيد أمجاد السعدين "سعد بن معاذ وسعد بن عبادة رضي الله عنهما" فينصروا مشروع الإسلام العظيم ويعيدوا سيرة الأنصار رضي الله عنهم؟؟
ومن الجدير ذكره أن سعد بن معاذ رضي الله عنه لم يهتز لوفاته عرش الرحمن لكثرة عبادة أو صوم أو صلاة، بل لمواقفه الحاسمة في نصرة الإسلام والمسلمين وهو قائد قومه وزعيمهم!!
ونريد أن نذكرهم ﴿فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ﴾ نذكرهم بحقيقة بات أصغر من في الشام يعرفها، بأنهم لو رجعوا إلى صف أمتهم وعملوا على نصرتها، متوكلين على الله ومخلصين له النية، طالبين نصره، مكتفين بما بين أيديهم من عدة وعتاد، فاتحين جبهات دمشق وحوران والجولان وحماة وإدلب والساحل وحلب فإن النظام لن يتحمل المواجهة إلا ساعات وينتهي في عقر داره في دمشق، فيريحوا البلاد والعباد من هذا النظام وظلمه، ويعملوا على نصرة حملة مشروع الإسلام العظيم، كما فعل ذلك الأنصار في المدينة المنورة، عندما نصروا المشروع الذي جاء به النبي ﷺ وكان لهم شرف إقامة أول دولة حكمت بالإسلام وعاش في ظلالها الناس كل الناس بأمنٍ وأمانٍ وعدلِ شريعة الرحمن، وانطلقوا حاملين هذه الرسالة إلى العالم فنالوا السعادة في الدارين.
ونذكرهم كذلك بأن الله لا بد ناصر دينه، فقد وعدنا سبحانه ووعده الحق، وعدنا بالاستخلاف والتمكين والأمن حيث قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.
وبشرنا رسولنا الكريم ﷺ بعد الحكم الجبري «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ» وقد آن أوانها، وما يحدث في الأمة من حركة واعية على المشروع الإسلامي لهي دلالة واضحة على دنو عهدها إن شاء الله، فمتى سينحاز أهل القوة والمنعة من هذه الأمة إلى صف أمتهم وينصرون مشروع دينهم العظيم فينالوا بذلك رضا رب العالمين وإلا ستجري عليهم سنة الله سبحانه ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾.
كتبه لجريدة الراية: د. محمد الحوراني، عضو لجنة الاتصالات المركزية لحزب التحرير - ولاية سوريا، بتاريخ الأربعاء 17 كانون الثاني/يناير 2018م
المصدر: http://bit.ly/2D7EKAH
- التفاصيل
الحديث:
عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَلْبَثُ الْجَوْرُ بَعْدِي إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى يَطْلُعَ، فَكُلَّمَا طَلَعَ مِنَ الْجَوْرِ شَيْءٌ ذَهَبَ مِنَ الْعَدْلِ مِثْلُهُ، حَتَّى يُولَدَ فِي الْجَوْرِ مَنْ لَا يَعْرِفُ غَيْرَهُ، ثُمَّ يَأْتِي اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِالْعَدْلِ، فَكُلَّمَا جَاءَ مِنَ الْعَدْلِ شَيْءٌ ذَهَبَ مِنَ الْجَوْرِ مِثْلُهُ، حَتَّى يُولَدَ فِي الْعَدْلِ مَنْ لَا يَعْرِفُ غَيْرَهُ). رواه أحمد وحسنه العراقي.
الشرح:
إن هذا الحديث يتكلم عما أصاب الأمة الإسلامية من ضعف ووهن تدريجي نتيجة تكالب أمم الأرض عليها وقضائها على الدولة الإسلامية ونظام الحكم الذي حافظ على تطبيق الإسلام وعمل على نشر العدل في ربوع الأرض، حيث دب الضعف بشكل تدريجي في جسد الأمة حتى عمل الاستعمار الغربي على اقتطاع بلاد المسلمين شيئاً فشيئاً وانتشر الجور وانحسر العدل المتمثل بدولة الإسلام حتى تمكن الكافر المستعمر البريطاني وعميله مصطفى كمال في النهاية من هدم صرح الخلافة وتم إلغاء الخلافة الإسلامية في الثامن والعشرين من رجب لعام 1342 ﻫ الموافق للثالث من آذار لعام 1924م.
وأصبحت ديار المسلمين كلها ديار كفر لا يُحكم فيها بالإسلام ونشأ جيل من المسلمين لا يعرف عدل الإسلام لأنه لم يعش في ظل دولة الخلافة والحكم الإسلامي الراشد، وهذا معنى قوله عليه الصلاة والسلام (حَتَّى يُولَدَ فِي الْجَوْرِ مَنْ لَا يَعْرِفُ غَيْرَهُ) ثم تأتي البشارة فدولة الإسلام عائدة إن شاء الله، حيث يقول النبي الأكرم (ثُمَّ يَأْتِي اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِالْعَدْلِ) أي تعود الخلافة الإسلامية الراشدة فيعود معها العدل والرخاء الذي تنعم به الرعية، ثم تتوسع رقعة الدولة وهي تنشر نور الإسلام وعدله في كافة أصقاع الأرض وهذا مصداق قوله صلى الله عليه وسلم (فَكُلَّمَا جَاءَ مِنَ الْعَدْلِ شَيْءٌ ذَهَبَ مِنَ الْجَوْرِ مِثْلُهُ) حتى يعم عدل الإسلام وحكمه كافة الأرض ويدخل الناس في دين الله أفواجاً و(حَتَّى يُولَدَ فِي الْعَدْلِ مَنْ لَا يَعْرِفُ غَيْرَهُ) أي حتى يصبح حكم الإسلام هو الظاهر ولم تعد الأمة تذكر من حكم الكفر شيئاً بل أصبحت تنكره ولا تعترف به رافضة أن يطبق عليها بأي حال من الأحوال، حالها كحال الرعيل الأول من الصحابة والتابعين لهم بإحسان رضي الله عنهم وأرضاهم وجمعنا به في جنات النعيم.
للمكتب الإعلامي لحزب التحرير - ولاية سوريا
أحمد الصوراني
للاستماع للتسجيل: