press

حملة لا لجريمة الحل السياسي نعم لإسقاط النظام وإقامة الخلافة

banner

arboun110118

 

الحديث:



عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَعْرِضَ نَفْسَهُ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ خَرَجَ - وَأَنَا مَعَهُ وَأَبُو بَكْرٍ - إِلَى مِنًى حَتَّى دَفَعْنَا إِلَى مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الْعَرَبِ ...وجاء في نهاية الحديث أنه حين عرض نفسه على بني شيبان قال له المثنى بن حارث: إن هذا الأمر الذي تدعو إليه مما تكرهه الملوك، وإنما نزلنا على عهد أخذه علينا كسرى، ألا نحدث حدثاً، ولا نؤوي محدثاً، فإن أحببت أن نمنعك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أسأتم بالرد إذ أفصحتم بالصدق، إن دين الله لا ينصره إلا من أحاطه من جميع جوانبه). رواه البيهقي في الدلائل، وحسنه الحافظ ابن حجر.

 

الشرح:



هذا الحديث يتطرق لقضية عرض الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل بعد أن تحجر مجتمع قريش أمام دعوته، فجاء الأمر الإلهي بأن يقصد القبائل الوافدة إلى مكة المكرمة أو يخرج إلى القبائل ذات الشوكة والقوة في محيط مكة بهدف إيجاد من يؤمن به ويناصره من تلك القبائل، فيحتضنوا الدعوة ويساعدوا النبي صلى الله عليه وسلم على بناء الدولة الإسلامية الأولى.

فقوله: (لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَعْرِضَ نَفْسَهُ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ) له دلالة واضحة بكون ترك دعوة قريش والتوجه إلى القبائل الأخرى هو أمر إلهي وفرض رباني، وهو جزء من طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم في إيصال الإسلام إلى الحكم وبناء الدولة، وكان من بين تلك القبائل قبيلة بني شيبان والتي أنصتت للنبي صلى الله عليه وسلم وعلمت عظيم الأمر الذي يدعو إليه ألا وهو هدم النظام الجاهلي وبناء دولة سوف تبتلع باقي الدول على وجه البسيطة لذلك قالوا: (إن هذا الأمر الذي تدعو إليه مما تكرهه الملوك) نعم يكره الملوك الذين يطبقون الشرائع الوضعية ويظلمون الناس ويمتصون دماء الرعية، يكرهون أن ينازعهم أحد ملكهم ليستبدله بنور الإسلام وعدل حكمه الذي هو من رب العباد.

وقد علم بنو شيبان أن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم عابرة للقارات وأنها ستهدد عروش الأكاسرة والأباطرة والقياصرة، فبعد قبولهم لدعوة الرسول الأكرم عليه أفضل الصلاة والسلام بينوا أنهم غير مستعدين لمواجهة الفرس والتي تربطهم بهم معاهدات حسن جوار تمنع النزاع العسكري، مع استعدادهم التام لمواجهة عرب الجزيرة بأسرهم.

فكان جواب النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أسأتم بالرد إذ أفصحتم بالصدق، إن دين الله لا ينصره إلا من أحاطه من جميع جوانبه) فقد ثمن فيهم صدقهم وبيان أمرهم ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم شدد على قضية مهمة أن من يريد أن ينصر الإسلام ودولته فعليه أن يكون مستعداً لمواجهة العالم بأسره، فدين الله وحكمه لا بد أن يعم الأرض كلها وأن ينتشر في البلاد شرقاً وغرباً، محطماً الحواجز المادية ومسقطاً حكم الطواغيت في كل مكان لينشر نور الإسلام في ربوع الأرض، حتى لا يذر الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله في هذا الدين.

نعم من يريد أن ينصر الإسلام والعاملين له والساعين لإعادة أمجاد الخلافة لا بد أن يواجه العالم بأسره أمريكا وروسيا وأوروبا وطواغيت العرب والعجم، فدولة الإسلام ليس دولة وطنية حدودية بل هي دولة توسعية لا حدودية، وهي دولة للمسلمين في العالم جميعاً وليست دولة لقوم دون قوم أو عرق دون عرق.

ولا بد أن يدرك المسلمون أنهم قوة لا يستهان بها إن هي التفّت حول قائد مسلم مخلص، فإنها قادرة على مجابهة العالم المعادي للإسلام والمسلمين، فقوة الكفر لا تساوي شيئاً أمام قوة الله إن هو نصر عباده المؤمنين. قال تعالى: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (آل عمران:160).

 

للمكتب الإعلامي لحزب التحرير - ولاية سوريا
أحمد الصوراني

للاستماع الى التسجيل:

alraiah110118

تعيش ثورة الشام أياماً عصيبة ومتناقضة، فرغم الضعف الذي يظهر عليها في الشمال بأرياف حماة و إدلب، نرى أسود الغوطة وهم يُفقدون النظام توازنه، ويجعلونه يتخبط ويكذب بعد حصار قواته في إدارة المركبات بالغوطة الشرقية، التي تعتبر إحدى قلاعه التي كان يسوم منها أهلنا سوء العذاب بالقصف والتنكيل، في وقتٍ ما زالت الجبهات الأخرى في درعا وحمص تغط في نوم عميق وكأنها ليست من الشام، وكأنها لا علاقة لها بما يجري! هذا التناقض العجيب يفسره ارتباط قادة فصائل الثورة، وتوجيههم وفق الإرادة الخارجية وليس وفق مقتضيات العمل الحقيقي الذي يسقط النظام.

إن التناقض في ثورة الشام ليس هو بين أهلها المتفقين على إسقاط النظام، وإنما بين قادة الفصائل وشرعييهم من جهة وأهل الشام من جهة أخرى، وكل ذلك لغياب القيادة السياسية الواعية المخلصة التي تسير بأهل الشام وثورتهم إلى حيث يحب الله ورسوله والمؤمنون، في ظل تآمر دولي منقطع النظير على أهل الشام وثورتهم وانكشاف حقيقة النظام الدولي وقيمه الكاذبة التي يتاجر بها على حساب الشعوب.

فقد أكدت المجريات الميدانية هذه الأيام أن من استلم زمام قيادة الثورة في الخارج وحتى من قادة الفصائل، أكدت أنهم لا يمتلكون أي رؤية لليوم الآخر، فاتفاقات الذل والعار في جنيف وأستانة التي كانت لها نتائج كارثية على الثورة، أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن هذه القيادة مرتهنة للخارج ولا تنظر إلى معاناة الناس، وآخرها حركة النزوح الكثيف لأهلنا من أرياف إدلب الجنوبية الشرقية وأرياف حماة الشرقية وسط أجواء باردة وعواصف وأمطار، بسبب تقدم مليشيات النظام على حساب هذه الفصائل التي رهنت قرارها للمجتمع الدولي الذي لا يرى إلّا بمنظار مصالحه، وعلى رأسها الحفاظ على نظامه الإجرامي في دمشق.

فهذه الاتفاقات السياسية تُبَيّنُ أن من ادعى تمثيل أهل الشام لا يملك أي حس بالمسؤولية عدا عن قصر النظر، إن لم نقل الخيانة والعمالة، فالثورة التي خرج أهل الشام بها على النظام أدرك أهلها من اليوم الأول حقيقة هذا النظام، الذي يقف بجانبه كل مجرمي الأرض وعلى رأسهم دول الغرب ومنظمتهم الأممية، ورفع منذ البداية شعارها المعروف (يا الله ما لنا غيرك يا الله) بينما من قفز إلى تمثيل الثورة ونصّب نفسه نائباً عنها، لم يكن لديه أي فهم للسياسة وقوانينها ومبادئها، فأصبح ألعوبة بيد أعداء الثورة، يجرونه إلى المؤتمرات (المسرحية) التي يتم بها بيع القضايا والتنازل عن المبادئ، ليس هذا فحسب بل إنه وفي خضم معركة حامية الوطيس على كافة المستويات أعطوا النظام على طاولة المفاوضات ما كان يحلم باستعادته بالقوة، وهذا شاهده الجميع، وأثبتت الأيام العصيبة على الثورة أن الإنجازات العسكرية تتبخر أمام قرار سياسي صغير في مؤتمر الثعالب الماكرة، في ظل عالم متجرد من القيم والأخلاق.

لقد تحدثنا وعلى أكثر من منبر أن المكتسبات التي حققتها الثورة لم تكن بالمكتسبات الصلبة التي يمكن الاعتماد عليها قبل الذهاب إلى مؤتمرات التنازل، وأثبتت الأيام صوابية رأينا وأن الأعمال العسكرية الجبارة والتضحيات العظيمة لم يُحَافَظ عليها لوجود فراغ كبير في رأس هرم الثورة، ألا وهو قيادتها السياسية، هذا الجانب المهم جداً في الحياة، فالنظام ورغم خسرانه للأرض وخسائره الفادحة على كافة المستويات، إلا أن وجود القيادة السياسية حافظ على وجوده، فكانت المرجعية التي يرجع إليها جميع أركان النظام في كل شأن، وفي ظل الدعم اللامتناهي لهذه العصابة الحاكمة، تمكنت من استرجاع الكثير من المناطق، واستعادة الزخم على حساب الثورة، والمقولة تقول إن هزيمة قضيتنا لا تعني بطلانها بل يجب تغيير رجالها، وفي حالتنا فإن رجال قضيتنا هم قادة فصائلها الذين لم يعوا حقيقة الثورة وموقف الدول منها عن طريق فرض الشروط والإملاءات، ونظراً لضعف هؤلاء القادة وجبنهم وخوفهم قبلوا ما يُملى عليهم ففرطوا بقضية الثورة وأهلها وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، فكان حرياً بأهلنا في الشام تغيير هذه القيادة.

وفي الجانب الآخر فإن الثورة مع كل ما ظهر عليها من ضعف في الشمال وتقدم مليشيات النظام، ظهرت قوتها في قلب النظام وعاصمته، فثوار حرستا على قلتهم أثبتوا ضعف النظام وتهلهل قواته، أمام القلة الصابرة المحتسبة، وهذا التقدم يمكن أن يبنى عليه وأن يكون خطوة نحو سحق النظام والقضاء عليه، إذا توفرت الإرادة لذلك، وهذا غير موجود على المدى المنظور خصوصاً على الجانب العسكري لافتقاد قيادات الفصائل للرؤية الاستراتيجية للثورة وأهدافها التي يجب أن تتحقق وكيفية تحقيقها، هذه الكيفية التي يجب أن تكون مرتبطة بوجهة النظر عن الحياة، ونحن المسلمين وجهة نظرنا في الحياة تأتي من زاوية العقيدة الإسلامية، وهي أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، أي أن كل شأن في حياتنا مهما صغر مرهون بأوامر الله سبحانه وتعالى، وأن طريقة تنفيذه تكون بالسير على نهج الحبيب عليه الصلاة والسلام، فالصراع في ثورتنا أصبح واضحاً جلياً بين الإسلام الذي تمثله الثلة الثائرة على النظام، والكفر الذي يمثله النظام ومن خلفه منظومة الكفر العالمي بأنظمته ومنظماته ومؤسساته، وحتى ننتصر علينا أن نأخذ بأسباب النصر، وذلك بالتقيد بأوامر الله جل في علاه، في كل شأن وعلى رأسها الشأن السياسي.

وعليه فإن بقاءنا على ما نحن عليه لن يؤدي بنا إلّا إلى الهاوية، وسنبقى ندور في حلقة مفرغة، ولن نحصد إلّا الخيبات المرتبطة بالمعاناة الإنسانية لأهلنا وشعبنا، ويجب علينا أن نتدارك ذلك بالخروج من الصندوق، وأحب أن أعطي مثالاً للعسكريين في ذلك، فالنظام الذي يتقدم تحت وابل من الغارات الروسية الكثيفة لطيرانه المجرم على بقعة صغيرة يريد التقدم إليها، نستطيع إحباطها من جانبين: الأول بفتح معارك أخرى، وجبهاتنا مع النظام كثيرة من حلب إلى الغاب إلى حمص و درعا وغيرها، والثانية بفتح جبهة الساحل للوصول إلى حميميم القاعدة الروسية وإبطال مفعولها، ونحن بإذن الله قادرون، إن تحرر قرارنا الذي ألزَمَنا به غباءُ قادة الفصائل، في أستانة وجنيف وملحقاته، التي يراد لها أن تكون جداراً يقف أمام طموحنا في إسقاط النظام وتحكيم الإسلام.

يا أهلنا في الشام، إن من لم يستطع أن يحافظ على الثورة ويكملها وهي في قوتها، لن يكون بمقدوره الحفاظ عليها واستمرارها وهي في ضعفها، وهذا شأن كبير لا يتصدى له إلّا الراسخون في العلم أصحاب الفكر المستنير الذين يرون ما خلف الجدار، فأعداؤنا ينتصرون علينا بالمكر والخداع ونقع صرعى بين أيديهم بالمؤامرات، وحتى نحفظ تضحياتنا ودماء شهدائنا، علينا أن نعطي أمر قيادة الثورة إلى القادر على إدارتها والقبطان الماهر الذي يجتاز بها العواصف والأمواج العاتية، الذي يمتلك الرؤية المستقبلية، وعنده الخطط السياسية التي يفشل بها مؤامرات الأعداء، وهذا يتطلب التحرك على كافة المستويات الشعبية والعسكرية والاجتماعية، لإزاحة الفاشلين والمتخاذلين والمرتبطين عن قيادة دفة الثورة، واتخاذ قيادة حزب التحرير قيادة سياسية تسير بالثورة إلى النصر والتمكين، بإسقاط النظام وإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾.


 كتبه لجريدة الراية: الأستاذ أحمد معاز، بتاريخ الأربعاء 10 كانون الثاني/يناير 2018م
المصدر: http://bit.ly/2mcvapa

alraiah040118

أحياناً لا بدّ للعامل في حقل التغيير السياسي من أن يرتفع عن تفاصيل الأحداث اليومية قليلاً، وينظر إلى المشهد الكلي للأحداث بإطاره العام، حتى يستطيع فهم كل حدث مستجد، ويتخذ تجاهه الموقف الصحيح، بناءً على نظرته الشاملة للأحداث.

وحتى نقرأ ثورة الشام القراءة الصحيحة، ونتخذ الموقف الصحيح تجاه أحداثها المختلفة، فيجب علينا الارتفاع قليلاً عن تفاصيلها اليومية، والنظر إليها من عَلٍ، في إطار الوظيفة التي أوكل الله إلى المسلمين القيام بها في هذه الحياة الدنيا، وسيحاسبهم عليها يوم القيامة.

فلقد خلق الله ما في هذا الكون من أجرام ونجوم وكواكب ومخلوقات، ووضع لها أنظمتها وقوانينها، وأجبرها على السير عليها، ما عدا الإنسان فقد ميزه الله، وبعث له عبر أنبيائه ورسله بالقوانين التي تصلح له وتصلحه، وأمره بالسير عليها، وربط انصياعه لهذه القوانين بالفوز والفلاح في الدنيا والآخرة، وربط حيده عنها بالشقاء والخسران في الدارين.

وكان خاتم الأنبياء محمداً ﷺ. فقد ختمت رسالته الرسالات، ونسخت شريعته جميع الشرائع السابقة. والبشر جميعهم اليوم ملزمون باتباع دينه، والانتظام بما جاء به من أنظمة وقوانين، حتى لا يبقوا نشازاً في هذا الكون، ويسيروا بانسجام مع بقية خلق الله، خاضعين جميعاً في سيرهم لأحكام الله.

ورغم أن الله تعالى منع إكراه الناس على اعتناق عقيدة الإسلام، إلا أنه أمر المسلمين أن يَحكُموا غيرهم من أصحاب الديانات الأخرى بأحكام الإسلام. فالواجب الشرعي على المسلمين في كل زمان هو أن يُخضعوا جميع من عداهم من البشر إلى أحكام الشريعة الربانية، بعد خضوعهم هم لها أصلاً، دون أن يكرهوهم على اعتناق دين الإسلام.

ولأن تحاكم المسلمين إلى الشريعة بدايةً، وحُكم جميع الناس بها في مرحلة تالية، لا يمكن أن يتِمّا إلا بدولة تتبنى العقيدة الإسلامية أساساً لها، وتطبق أحكام الإسلام على من يخضع لسلطانها، وتعمل على حكم العالم بالإسلام عبر الدعوة والجهاد، وهي عين دولة الخلافة، فالواجب الأول على المسلمين في حال غيابها هو العمل الجادّ لإيجاد نواة هذه الدولة في أول بلد تتوفر فيه شروط إقامتها، ثم العمل على توسيع رقعتها لتضم العالم الإسلامي بدايةً، ولتشمل في النهاية جميع أرجاء المعمورة.

ولأن أهل الثورة السورية قد انكشفت على أيديهم وفي بلادهم حقيقة الصراع الدائر بين أبناء الأمة من جهة وبين مستعمريها من دول الغرب وأذنابهم حكام المسلمين من جهة أخرى، بعد أن رفع الثائرون راية الإسلام، وطالبوا بتحكيم شريعته، وقدّموا في هذا السبيل ما قدّموا من تضحيات، فهم الأقرب إذا تابعوا المشوار لأن تقام الخلافة على أيديهم، وهم الأَوْلى بأن يحظوا بشرف إقامة نواتها في بلادهم.

والشروط الثلاثة الواجب تحقيقها في أي بلد حتى يصبح جاهزاً ليكون نواة للدولة الإسلامية، بعد امتلاكه الحدّ الأدنى من المقومات المادية المطلوبة لقيام هذه النواة، هي أولاً: وجود الحزب السياسي المبدئي المؤهل لقيادة الأمة بما يحمله من فكر سياسي صحيح، وما يطرحه من المشروع السياسي الإسلامي الواضح المتكامل للدولة الإسلامية. وثانياً: توافر الحاضنة الشعبية في البلد لهذا المشروع السياسي وحَمَلته، وارتقاء الناس ليس إلى مستوى قبول قيام هذه الدولة على رقعة بلادهم فحسب، بل إلى مستوى الاستعداد للدفاع عنها والتضحية في سبيلها بعد قيامها. وثالثاً: توافر القوى العسكرية التي تتبنى هذا المشروع وتتوحد على أساسه، وتنصر حَمَلَته وتسلمهم قيادتها السياسية، وتسير بانسجام مع قيادتها السياسية وحاضنتها الشعبية لإقامته على الأرض.

وفي سوريا نرى أن الشرطين الأولين، وهما الحزب المبدئي صاحب المشروع، والحاضنة الشعبية لفكرة دولة الخلافة قد وُجدا، ولم يبق إلا الشرط الثالث، المتمثل باتخاذ قادة الفصائل العاملة قرارهم بقطع ارتباطاتهم بالخارج من أعداء الثورة، والتوحّد جميعاً على مشروع الخلافة الذي يقدمه حزب التحرير، والمضي قدماً معه وبقيادته السياسية ومع الحاضنة الشعبية نحو إسقاط النظام وإقامة دولة الإسلام.

أما عن المقومات المادية التي يجب أن تكون متوافرة أصلاً بالحد الأدنى في البلد الذي ستقوم فيه الدولة النواة، فنعتقد أن سوريا بما تمتلكه من موقع جغرافي متميز، ومساحة تفي بالغرض، وما حباها الله به من موارد طبيعية مختلفة ونفطٍ وثروات معدنية، وزراعة توفر لها الأمن الغذائي، وشعب نشيط مبدع خلّاق بخبراته المتنوعة، نعتقد أن سوريا بمقوماتها تلك صالحة بحق لأن تكون نواة لدولة الخلافة القادمة.

وأما عن الفارق القائم بين قوانا العسكرية وقوى أعدائنا فيجب أن نذكر أنه لم يكن نصرنا نحن المسلمين يوماً على أعدائنا بكثرة عدد ولا عتاد، وإنما كان إيماننا على الدوام هو عدتنا وعتادنا. وعندما أعجبتنا كثرتنا لم تغن عنا من الله شيئاً. فإذا أخذنا بقوله تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾ حق الأخذ، وأفرغنا وسعنا في السعي بكافة السبل المشروعة للحصول على السلاح شراءً وتصنيعاً، وتوكلنا على الله واستنصرناه، فإن الله ناصرنا على جميع من عادانا. علماً أن ما بين أيدينا من سلاح حالياً كافٍ لتحقيق النصر إن نحن نصرْنا الله.

لكن الغرب وهو يعي جيداً هذه المعادلة، قد عمل جاهداً على وضع العقبات والعراقيل أمام قيام هذه النواة في الشام، وركّز جهده على إعاقة تحقيق الشرط الثالث، واستطاع إلى الآن منع قادة فصائل الثورة من التوحد حول المشروع السياسي الذي يقدمه حزب التحرير. لقد استطاع الغرب ذلك عبر ربطهم بدوله مباشرة أو بالأنظمة العميلة التابعة له عبر المال السياسي القذر، وأنساهم فكرة إسقاط النظام، بل وجعلهم يضفون الشرعية عليه، عبر إدخالهم في دوامة الهدن ومتاهة المفاوضات، وجرّهم إلى المؤتمر تلو المؤتمر، بدءاً من الرياض ومروراً بالأستانة وانتهاءً بجنيف و سوتشي.

إن هذا أخطر ما فعله الغرب لمنع الثورة من الوصول إلى هدفها، وهو مصادرة قرارات قادة فصائل الثورة ومنعهم من اتخاذ القرار الصحيح بتسليم قيادتهم السياسية إلى حزب التحرير، حيث استطاع الغرب بذلك جرّ الثورة من مأزق إلى مأزق وهو يقودها في طريق القضاء عليها... فأين أهل الثورة من واقعها الحالي؟! وهل هم راضون عن تلاعب قادة فصائلها بها؟! وكيف ينامون مطمئنين وأولئك يسيرون بهم وبثورتهم إلى مصير مظلم؟! ثم هل خرج أهل الثورة فيها وقدموا مئات آلاف الشهداء من فلذات أكبادهم كي يعتلي صهوتها التافهون من أذناب أعدائها ويقودوها إلى حتفها المؤلم في قبضة النظام من جديد؟!

إن الحقيقة المُرّة تقول: إذا تخلى أهل الثورة في الشام عن الهدف الذي خرجوا لتحقيقه، وهو إسقاط النظام وإقامة نواة دولة الإسلام، ولم يقوموا بواجبهم في توجيه قادة الفصائل المخطئين ومحاسبتهم وأطرهم على الحق أطراً، فإنهم يعرّضون أنفسهم إلى خطر عظيم لن ينتهي بقتل الرجال وانتهاك الأعراض في الدنيا، بل سيمتد عقابهم إلى الخزي والندامة والعذاب العظيم في الآخرة، وستجري عليهم سنة الله في الاستبدال، وسيأتي الله بقوم آخرين يتمسكون بحبله المتين، وينصرون الله فينصرهم الله، وما ذلك على الله بعزيز.

ورغم أن أهل الشام اليوم على حافة خطر عظيم، لكنهم في الوقت ذاته أمام فرصة تاريخية عظيمة، وهي أن تقام على أيديهم وفي بلادهم نواة دولة الإسلام التي ستقرر مصير الأرض، وتخلص البشرية المنهكة من ظلم الرأسمالية المتوحشة... والكرة اليوم لا تزال في ملعب أهل الشام، وزمام المبادرة لا يزال في أيديهم... فهل يفعلها أهل الشام؟ أم أنها سنة الاستبدال؟!


 كتبه لجريدة الراية: أ. عبدالحميد عبدالحميد، رئيس لجنة الاتصالات المركزية لحزب التحرير - ولاية سوريا، بتاريخ الأربعاء 3 كانون الثاني/يناير 2018م
المصدر: http://bit.ly/2EHe9Mf

arboun090118

الحديث:



عن أبي موسى الأنصاري قال: انطلقَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ معَهُ العبَّاسُ عمُّهُ إلى السَّبعينَ منَ الأنصارِ عندَ العقبةِ، فقالَ لَهُ أبو أمامةَ يعني أسعدُ بنُ زُرارةَ: سل يا محمَّدُ لربِّكَ ولنفسِكَ ما شئتَ، ثمَّ أخبِرنا ما لَنا منَ الثَّوابِ؟ قالَ: (أسألُكُم لربِّي أن تعبدوهُ ولا تشرِكوا بِهِ شيئًا، وأسألكم لنَفسي ولأصحابي أن تُؤوونا وتنصُرونا وتمنَعونا مِمَّا تمنعونَ منهُ أنفسَكُم)، قالوا: فما لَنا؟ قالَ: (الجنَّةُ). قالوا: ذلِكَ لَكَ. رواه أحمد والطبراني بسند صحيح.

 

الشرح:



هذا الحديث الشريف يتناول حدثاً جللاً في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم والذي غيّر مجرى الدعوة بحيث انتقلت من طور الاستضعاف إلى طور القوة والتمكين، هذا الحدث هو بيعة العقبة الثانية حيث بايع نفر من مسلمي المدينة المنورة النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة وعلى أن يؤوه هو وأصحابه وينصروه ويمنعوه.

وندب الأنصار سيدنا أبا أمامة أسعد بن زرارة رضي الله عنه كمتحدث باسمهم فقال: (سل يا محمَّدُ لربِّكَ ولنفسِكَ ما شئتَ، ثمَّ أخبِرنا ما لَنا منَ الثَّوابِ؟) وهنا يجب أن نقف وقفة تأمل حيث لم تكن البيعة مشروطة بأي شرط من قبل الأنصار كما كان حال بني عامر بن صعصعة، والذين اشترطوا أن تكون الخلافة لهم من بعد النبي صلى الله عليه وسلم، بل سلموا للرسول الأكرم بلا شروط فقال أبو أمامة: (سل يا محمَّدُ لربِّكَ ولنفسِكَ ما شئتَ) وفي رواية: (يا رسول الله اشترط لربك ولنفسك ما شئت) رُوي مرسلاً عن عبد الله بن رواحة رضي الله عنه.

فبدل أن يشترط الأنصار على الرسول صلى الله عليه وسلم أي شيء طلبوا أن يشترط هو عليهم، وكان طمعهم برضوان الله وثوابه فقال أبو أمامة: (ثمَّ أخبِرنا ما لَنا منَ الثَّوابِ؟).

فاشترط الرسول صلى الله عليه وسلم عليهم أن يوحدوا الله عز وجل وأن ينبذوا الشرك وأن ينصروه ويحتضنوه هو وأصحابه في المدينة المنورة ويدافعوا عنه كما يدافعون عن أهاليهم وذراريهم. ثم (قالوا: فما لَنا؟) أي ما لنا عند الله من ثواب إن فعلنا ذلك (قالَ: الجنَّةُ.) أي لكم الجنة لا غير، وليس لكم شيء من متاع الدنيا أو مناصب الحكم. (قالوا: ذلِكَ لَكَ) وفي رواية (قال: ربح البيع. قال: لا نقيل ولا نستقيل فنزلت: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) .. الآية.

ومن فوائد هذا الحديث أن أنصار الدعوة الإسلامية والقوة التي ستوصل الإسلام إلى الحكم لا يجوز لها أن تشترط أي شرط على القيادة السياسية صاحبة المشروع السياسي الإسلامي وإلا كانت نصرة ينقصها الإخلاص ويشوبها حب الدنيا والمناصب وهو ما يجعل الدعوة عرضة للمساومات والتنازلات وهو بلا شك لن يمكن للإسلام أن يصل إلى الحكم كما يرضي الله وستبقى القيادة السياسية مهددة من قبل أهل القوة في حال لم ترضخ لشروطها وحتى تكون الدولة الإسلامية متماسكة لا بد أن يخضع أهل القوة للحاكم خضوعاً تاماً وفق أحكام الشرع مع وجوب محاسبته إن حاد عن شروط البيعة ولم يطبق الإسلام.

 

للمكتب الإعلامي لحزب التحرير - ولاية سوريا
أحمد الصوراني

للاستماع إلى التسجيل: 

art291217

- سرَت في الآونة الأخيرة عدوى الإعلان عن رفض مؤتمر سوتشي المُقبل وتجريم الذهاب إليه من قبل كثير من الجهات والمجالس والشخصيات والهيئات السياسية، وهذا بحدّ ذاته أمرٌ جيد، يدل على اهتمام متعاظم بالشأن العام، وإدراك خطر قبول دعوة لمؤتمر يوجهها من يقتل بيده أهلنا في الشام ويمنع النظام من السقوط، ثم يريد أن يحصل على غطاء شعبي لما قام به من إجرام، بأخذ التفويض عليه من أبناء الأمة في الشام.

- أما غير الجيد في الموضوع، بل والكارثي، فهو أن أغلب هذه الجهات والمجالس والشخصيات والهيئات السياسية قد قرنت رفضها لمؤتمر سوتشي بتمسّكها بمؤتمرات جنيف وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، معلنة الاتفاق على ما خرج به المؤتمرون في الرياض، وغاضّة الطرف قليلاً عن مؤتمرات آستانة.. فهل رفض سوتشي يستقيم مع قبول الرياض والآستانة وجنيف؟!

- أليس الداعون إلى سوتشي، وهم المجرمون الروس، هم أنفسهم الداعون إلى الآستانة؟! وهم الضامن لما أسموه خفض التصعيد، ثم يطيرون هم والنظام لهدم المنازل فوق رؤوس أصحابها صبيحة كل يوم؟!

- بماذا يختلف المجرمون الروس عن المجرمين الأمريكان الذي دعوا إلى مؤتمرات جنيف، وهم الذين يقفون خلف النظام منذ سبع سنين، وقد استقدموا كل زنادقة الأرض - ومنهم الروس والإيرانيون - ليمنعوا النظام من السقوط؟! أقول: بماذا يختلف الروس عن الأمريكان حتى ترفض دعوة هؤلاء وتقبل دعوة أولئك؟!

- إذا كانت مشكلتكم مع سوتشي أنه سيبقي على شخص المجرم بشار في الرئاسة، فهل أصبحت قضيتكم كلها هي شخص الرئيس، ونسيتم النظام المجرم نفسه بجيشه وأجهزة أمنه، التي أقرّ المؤتمرون في جنيف بالحفاظ عليها؟!

- أيها السادة الذين يتكلمون في السياسة.. لو كانت قضية شعبكم هي فقط تغيير رئيس الدولة لما كانت تستحق كل تلك التضحيات التي قدمها في هذا السبيل، لكن طالما أن هذا الشعب الثائر قد قدم كل هذه التضحيات عبر السنين السبع الماضية، فاعلموا أن قضيته أكبر من تغيير عميل والإتيان بأي عميل آخر، وهي أكبر حتى من تغيير نظام والإتيان بأي نظام آخر..

- إن قضيته إن لم تعلموا، وهي التي ينتقم منه المجرمون لأجلها منذ سبع سنين، لهي قطع أيادي ونفوذ جميع الدول المستعمرة عن بلادنا وأعراضنا وخيراتنا، وإقامة نواة الدولة التي ستحرر بلاد المسلمين بدايةً من رجس الرأسمالية العفنة بقيادة أمريكا، ثم تنتقل لحكم العالم، جميع العالم، بالإسلام.

- هذه هي القضية العظيمة لشعبكم العظيم، فاعلموها واحترموها، ولا تبخسوها حقّها.. وإذا أردتم تمثيلها فمثّلوها بصدق، وإذا أردتم الدفاع عنها فدافعوا عنها باستماتة.. لكن أن تحفظوها من مكر الروس في سوتشي، ثم تلقوا بها وجميع منجزاتها ومكتسباتها وتضحياتها في حضن الأمريكان في الرياض والآستانة و جنيف، فإن هذا لهو البلاء العظيم..

 

كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير ولاية سوريا
أ. عبد الحميد عبد الحميد
رئيس لجنة الإتصالات المركزية لحزب التحرير - ولاية سوريا