- التفاصيل
يحكى أن زعيمي دولتين اجتمعا وخرجا بمؤتمر صحفي قالا فيه: اتفقنا على إبادة مليون شخص وطبيب أسنان، فما كان من الحضور إلا التساؤل باستغراب ولماذا طبيب الأسنان؟!
بهذا الأسلوب استطاع الزعيمان أن يصرفا نظر الحضور عن لبّ الموضوع إلى هامشه، وهو ما يُعرف بالتضليل السياسي، الذي طالما استخدمه الغرب الكافر لننشغل بالقشور عن عظائم الأمور. ولعلّ أبرز مثال الآن هو ثورة الشام؛ إذ بلغ التضليل السياسي بالتزامن مع التآمر العالمي حدّاً غير مسبوق، فصاروا يُراوحون بين من يُريد بقاء طاغية الشام أسد ومن يقبل بفترة انتقالية بوجوده أو يشترط عدم وجوده، ليصوروا لنا أن مشكلتنا ببشار وليست بالنظام، كل ذلك لأنهم استشعروا قرب استيقاظ المارد الإسلامي، فلم يألُ الكفار وأذنابهم جهدا في إلباس ثورة الشام ثوب العلمانية البالي، فهل هي حقاً كذلك؟!!
يطلق مصطلح العلمانية للتعبير عن فصل الدين عن الحياة، وقد أتى هذا الفصل كحل وسط للصراع بين الكنيسة التي تثبت حقها الإلهي أن تحكم باسم الرب، وبين الملاحدة الذين ينكرون وجود الله ويعتبرون الدين أفيون الشعوب، فجاء هذا الحل الرضائي ليثبت الخلق لله والأمر للبشر، فالله خلقنا وكفى، أي ترك لنا أن نعيش كما نريد لا كما يُريد هو!! فأطلقوا العنان للغرائز وانحدروا إلى ما دُون البهيمية فكثر الخبث و الفساد في البر والبحر، وتشهد بذلك إحصائياتهم عن عدد الجرائم والتفاوت الطبقي الشديد والقائمة تطول...
وظهرت النفعية والرابطة المصلحية وبُنيت المجتمعات على أفكار مُدمّرة وهدّامة من مثل (الدين لله و الوطن للجميع) و(الغاية تبرر الوسيلة) و(دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله) فعاشوا في ظلمات بعضها فوق بعض، مكبين على وجوههم يتحقق فيهم قوله تعالى ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾.
هذه هي العلمانية وهذا هو واقعها، ومن رغب بها فليذهب إلى طاغية الشام أسد الذي لطالما افتخر بأنّ سوريا آخر قلاع العلمانية.
أمّا ثورة الشام فقد خطّت مسارها من أول لحظة وأعلنت هويتها بشعاراتٍ مقصودها العيش في ظل أمجاد الإسلام التليدة والموعودة، فصرخت "هي لله" و"قائدنا للأبد سيدنا محمد" مُتخذينه - صلوات ربي وسلامه عليه - أسوة في جميع مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية...
وحتى من انبرى للذود عن حرمات أهل الشام بعد أن أوغل الطاغية بدمائهم، فإنّما خرجوا للجهاد في سبيل الله وشكّلوا جماعات وفصائل سموها بأسماء إسلامية، وهكذا حتى ترسخت ثوابت الثورة فكانت إسقاط النظام بكافة أركانه ورموزه وإقامة حكم الإسلام على أنقاضه، وقدمت في سبيل ذلك الغالي والنفيس، ومن يطلب الحسناء لم يغله المهر، فكان أن اجتمع على أهل الشام القاصي والداني والقريب والبعيد، كلٌّ يؤدي دوره المرسوم له؛ فالرأس واحد؛ أمريكا، والهدف واحد؛ الحفاظ على نظام أسد العميل لها وقطع الطريق على المشروع الإسلامي، والأدوات واحدة؛ ملمس الأفاعي الناعم تركيا و قطر و السعودية و الأردن، والوجه الخشن روسيا و إيران وحزبها في لبنان.
فالجهود الضخمة من مؤتمرات ومؤامرات تصب الآن في تثبيت النظام بمؤسستيه الأمنية والعسكرية وبحث صياغة دستور وتهجين المعارضة المحسوبة على الثورة مع (المعارضة) التي صنعها النظام مترافقاً ومسبوقاً بتصريحات تحصر العداوة (بالإرهاب) الذي أطلقوه على الإسلام.
فهل بعد كل هذا يأتي من يقول عن ثورة الأمة في الشام إنّها علمانية؟! فهذا أحدُ اثنين؛ إما جاهل مخدوع أو خائن عميل.
فيا أهل الشام، يا من خرجتم من المساجد وأيقنتم أن النصر بيد الله وأنه يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء: لا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، اثبتوا على ثوابتكم وأكملوا طريقكم فإنما النصر صبر ساعة واعلموا ﴿إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾، واحذروا ﴿وَلا يسْتَخِفَّنَّك الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ﴾.
كتبه لجريدة الراية: عامر سالم أبو عبيدة، بتاريخ 27 كانون الأول/ديسمبر 2017م
المصدر: http://bit.ly/2lepgDa
- التفاصيل
منذ أن أسقط الغرب الكافر مظلة المسلمين التي كانوا يستظلون بها عام 1924م، وهو يسعى لمنع أن تقوم لهم قائمة من جديد، فقد عمد من حينها إلى وضع كانتونات سياسية هيأ لها كل أسباب الحكم فوضع نظم عيشها لتكون أسباب تأخر نهضة الأمة الفكرية والثقافية والسياسية، ولم يكتف بذلك فقد كان يسعى دائما لركوب أي حالة نهضوية مشاعرية إسلامية كي لا يحصل ما لا يحمد عقباه، وبقي الحال على ما هو عليه ردحا من الزمن؛ المسلمون في حالة من ضياع الهوية، والخريجون من مدارس وجامعات الأنظمة فاقدون لأرضيتهم الصلبة التي يجب أن يقفوا عليها، كل هذه أسباب بشرية محضة وضعوها لأجل منع يقظة المسلمين من كبوتهم.
بل وزاد حال المسلمين سوءاً كونهم يعيشون تحت مظلة هذه الكانتونات من قمع وترهيب وضياع في غياهب السجون وتضييق عيش إلى غير ذلك، ليس إلا لإيهام من خلفهم بأنه هكذا سيكون مصير الحالمين بالتغيير، ومرت على المسلمين عقود وهم على هذه الحال،فراجت بينهم أمثال تدعوإلى الركون للظالمين والعيش تحت سياط الجلادين من مثل (الحيطان لها آذان، امشي الحيط الحيط وقل يا ربي الستر) حتى ظن الكثيرون أن هذه الأمة لن تنهض أبدا، وأنها ألفت عيش الذل واعتادت على فتات موائد المتصدقين!
بذل الغرب الكافر كل إمكانياته وطاقاته لأجل ذلك ولم يدخر وسعه لتحقق أهدافه كي يضمن أن لا تقوم للأمة قائمة؛ ولكنهم وكعادتهم اعتمدوا أسباباً بشرية وتغافلوا تدبيرخالق الكون والإنسان والحياة، وأن كل ما حدث ليس إلا أسباب لانتفاضة الأمة على جلاديها والمطالبة بحقوقها. فكان ما حدث في تونس و ليبيا و اليمن و مصر... إلا أن الغرب تدارك هذه الثورات واستطاع احتواءها بخداع المسلمين بأن غير وجوه الأنظمة القائمة، فهدأت العاصفة وشعر الغرب المستعمر بالراحة ولكن الله أتاهم من حيث لم يحتسبوا،حيث لم يكن بحسبانهم بعد ما حققوه أن تقوم ثورة بمكان آخر لا يستطيعون احتواءها وتحجيمها.
ففي شهر آذار/مارس من عام 2011 اندلعت ثورة الشام وكانت حالها بداية كحال أخواتها قائمة على الفطرة وعلى مشاعر مفتقدة الهوية،فنادت بما يحتاجه الناس من حرية وكرامة إنسانية وحسن عيش.
إلا أن مبادئ الثورة الشامية المباركة تبلورت بعد أن زاد وعيها مع السنين، فلم تعد مطالبها كما كانت بل برزت مطالب أخرى من مثل إسقاط النظام بكافة أركانه ورموزه والتخلص من نفوذ دول الغرب الكافر وإنهاء نفوذها في بلاد المسلمين.
هكذا رسم ثوار الشام مبادئ خلاصهم واعتمدوها شكلا للدولة البديلة عن نظام السفاح عميل أمريكا أسد؛ لكن أهل الكفر مجتمعين حاولوا وبكل الوسائل فرض مشروعهم العلماني من خلال أدواتهم التي صنعوها ككتل سرطانية في جسم الثورة من سياسيين وعسكريين، محاولين عن طريقهم حرف هذه الثورة واحتواءها، فبدأ غيظ صدورهم يظهر بمالهم السياسي المسموم ومؤتمراتهم الموبوءة من جنيف ابتداء حتى أستانة و الرياض
و سوتشي وجنيف مرة أخرى التي وصل عدد اجتماعاتها إلى ثمانية، تقود جميعها لنفس الغرض والغاية وهو ضرب التضحيات بعرض الحائط وإفشال الثورة.
فمؤتمر جنيف 8 المعقود الذي عقد بين ممثلي السفاح ومعارضة أمريكا يأتي في ظل حالة الله يعلمها لثوار الشام؛ حيثالمجازر فاقت التصور والخيال وانتهاكات أعراض تقشعر منها الأبدان، وتهجير لمناطق بأكملها وتغيير ديموغرافي وشتات يعيشه أهل كثير من المناطق، ويأتي في ظل فزع مناطق مما قد يحصل لهم في حال دخلت قوات أسد لمناطقهم، يُعقد في ظل معارضة سياسية لم يبقيسترها حتى ورقة التوت، معارضة لا يصح القول فيها أنها مرتمية في حضن أمريكا بل هي مطية لأمريكا تأتمر بأوامرها.
ولعل الناظر بسطحية لواقع ثورة الشام يرى أنه لا مفر مما رسموه لنا إلا السمع والطاعة لهم حتى يأذن الله بالفرج؛ ولكن النظرة للواقع لا تكون دون نظرة إيمانية فهي الأصل؛ فالله سبحانه وعد المؤمنين بالنصر ولو بعد حين، فعنده مقاليد الأمور وهو يغير الحال بين طرفة عين وانتباهتها؛ ولكن لله شروطا لذلك فلا بد أن نكون مع الله ليغير حالنا، ولا بد أن نؤمن أن النصر هو من الله وحده فهو رب الأسباب وموجبها، ولا بد أن نستيقن بنصره وأن كل أمر من عنده هو ليقضي أمراً كان مفعولا.
فيا أهلنا في الشام اقترب موعد مرور سبع سنوات على ثورتنا المباركة ونسأله سبحانه أن تكون ثورة أمة ونسأله سبحانه أن تكون من السبع الشداد وأن يكون ما بعدها عام الغوث والعصر والخيرات، فما المطلوب إلا الثبات على الأمر والعزيمة على الرشد وأن نرفض أي أمر يخالف أمر الله ولو بذل لأجل ذلك الكثير حتى نكون مع الله فيتنزل علينا نصره سبحانه ونكون من الفائزين بدنياه وآخرته.
ونعوذ بالله أن نركن للذين ظلموا فتكون عكس ذلك فندْبر عن الله فيدبر عنا ونعيش في ضنك دنيا وعذاب آخرة. ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [طه: ١٢٤].
كتبه لجريدة الراية: منذر الدلي، عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير - ولاية سوريا، بتاريخ الأربعاء 20 كانون الأول/ديسمبر 2017م
المصدر: http://bit.ly/2kntcBY
- التفاصيل
إن من المُسلّمات عند الحديث عن بناء الدول وسقوطها هو أن للعاصمة الثقل الأكبر والمركز الأساس الذي يحدد ميزان القوى وطبيعة الصراع، ولذلك فمن البدهي أن يُطرح السؤال ويتكرر طرحه "تُرى لماذا لم يصل الثوار إلى دمشق وقد قاربت الثورة أن تُنهي عامها السابع؟ وما الذي يحول بينهم وبين رأس الأفعى؟".
ولنقفَ على معالم هذا الطريق ونتلمسَ خطاه لا بد أن ندرك بداية أهمية الإجابة على هذا السؤال، وأهميته تكمن في طبيعة أي حراك سياسي، فلا بد للحراك السياسي من هدف واضح وغاية مبلورة يسعى للوصول إليها، والثورة في الشام قد حددت هذا الهدف بكل وضوح منذ بداياتها فكان شعار "الشعب يريد إسقاط النظام" هو الهدف الذي يسعى له كل ثائر صدحت حنجرته بقول "لا" لنظام أسد المجرم؛ وإنه من الطبيعي أن يكون طريق الوصول للهدف واضحاً مبلوراً، وهذا ما افتقده البعض خلال الثورة، ألا وهو الطريق إلى دمشق بهدف إسقاط النظام المجرم.
إن هذا الطريق لا يبدأ بخطة عسكرية ولا بامتلاك عتاد وأسلحة، وإن كان هذا مما سيحتاجه السائر في هذا الطريق، ولكن لا بد أن ندرك أولاً نقطة البداية التي ننطلق منها، فهذا الطريق يبدأ بتصوّر البديل الذي سيحلّ مكان النظام بعد إسقاطه، فلا يُتصور أن تهدم بيتاً دون أن تمتلك تصوّراً عما ستبنيه بدلاً عنه، وكذلك فإن وجود هذا التصور لدى السائرين في هذا الطريق سيُحدد لهم كثيراً من معالم هذا الطريق، وكذلك فإنه سيُبين لهم المخاطر والعقبات التي ربما ستعترضهم في طريقهم، فلذلك كان اعتبار "إسقاط النظام" هدفاً ليس كافياً بل لا بد أن يقترن بالتصور عن النظام البديل.
وعندما افتقد كثير من الثائرين هذا التصوّر تقاذفتهم أمواج التآمر المحيطة بالثورة، ورست بمركبهم على برّ الغرب، وربما قذفت بهم فأغرقتهم فاستصرخوا ولا من مُجيب، هذا حال من افتقد التصوّر، أما من أخذ تصوّره ورؤيته من أعدائه فذاك قد أوحلت قدماه في قاع الأرض فلن يستطيع أن يسير في طريقه وبقي يُردد كلام أسياده ظانّاً أنهم سيُنقذونه يوماً ما فقط لأنه خُدع بشعاراتهم البراقة التي تدّعي زوراً حفاظها على حقوق الإنسان.
لهذا كلّه كان لا بد للثائرين في الشام أن يمتلكوا تصوّراً عن النظام البديل حتى يحفظوا أنفسهم وثورتهم من الضياع في متاهات السياسة الدولية، ويقوا أمتهم شرّ ما يُحاك لها في دهاليز السياسة، فيتلمسوا خطاهم نحو الهدف بكل ثبات وإرادة، وهذا ما سعى حزب التحرير في سوريا ومنذ انطلاقة الثورة ليُوضحه للثوار، فهو قدّم مشروعاً سياسياً مستنبطاً من كتاب الله وسنة نبيه ﷺ، هذا المشروع هو تصوّرٌ كامل عن نظام بديل عن كل أنظمة العالم اليوم، وبتبنّي هذا المشروع والعمل على إيجاده واقعاً واستئناف الحياة الإسلامية به، بذلك تتضح معالم الطريق، وتبرز مراحله ومحطاته، ويحمل في طياته التحذير من كل العقبات التي ربما تعترض هذا الطريق.
فإن الناظر إلى واقع ما وصلت إليه الثورة اليوم يجد أن لكل انحراف عن الطريق سبباً يعود إلى غياب هذه الرؤية الواضحة أو تبني رؤية أخرى مُستقاة من مشكاة الغرب الكافر، فمثلاً لم يكن للثوار أن يقبلوا مالاً سياسياً - أدى إلى ما أدى إليه من انحراف البوصلة وتغيير وجهة الصراع، فحصل الاقتتال وبِيعت البلاد وحوصرت المناطق جراء التسمم بهذا المال - لم يكن لهم أن يقبلوا هذا المال لو أنهم تبنّوا مشروع الإسلام ففي طياته تحذير من الوقوع في هذه المصيدة الخطيرة.
وكذلك فإن انجرار البعض خلف إرضاء الغرب لم يكن ليحصل لو تفهّم أولئك الساعون لمرضاة الغرب، قوله تعالى: ﴿وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾، فمشروع الإسلام فوق أنه يرسم شكل نظام الحكم في الإسلام فإنه كذلك يحذر حاملي المشروع من كل خطر مُحدق بهم فالإسلام حذر من مُجرد الركون للظالمين فكيف بما هو فوق الركون؟! قال تعالى: ﴿وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ﴾.
وعوداً على بدء، فإن الطريق إلى إسقاط النظام يبدأ بتبني مشروع الإسلام وهذه الخطوة تُحدِّد ما يليها، فالإجراءات العملية التي ستُتبع في هذا الطريق تُحدَّد تباعاً فور السير في الطريق، فإن عُرض مالٌ سياسي رُفِض لأن المشروع حدّد ذلك، وإن دُعي الثائرون للمشاركة في حلٍّ رسمت معالمه دول الغرب، فكذلك يُرفض المشاركة فيه، وتكون كل الخطوات مقيّدة بالحكم الشرعي فقط، دون النظر لمرضاة أحد من الناس، فيسعى الثائرون لجمع كلمتهم حول هذا المشروع، ويُوجهون بندقيتهم بخطة تُسقط النظام في عقر داره في دمشق.
فالذي يحول بين الثوار في الشام وبين دمشق العاصمة عقر دار النظام ليس خطة عسكرية حاذقة فحسب، بل هو تبني المشروع الإسلامي المُستنبط من الكتاب والسنة والذي سيُحدد لهم كل خطوة سيخطونها وكل حركة يسيرون بها، فبتبني هذا المشروع يكون الطريق إلى دمشق سالكاً، وهذا التبني يتطلب قراراً ذاتياً من الثائرين في الشام، والقرار لا بد له من إرادة صلبة وثقة بنصر الله وإيمان راسخ بأنه هو الناصر لعباده والمُعزّ دينه ولو كره الكافرون.
كتبه لجريدة الراية: أ. منير ناصر، عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير - ولاية سوريا، بتاريخ الأربعاء 6 كانون الأول/ديسمبر 2017م
المصدر: http://bit.ly/2kp5N5Y
- التفاصيل
منذ باكورة ثورة أهل الشام وطليعة مظاهراتهم ضد طاغيتهم لم يستشعر أهل الشام حاجتهم لقيادة سياسية تهديهم السبيل وتدلهم على خطوات الطريق وترشدهم إلى الحلول الناجعة للمشكلات التي يمكن أن تواجههم أثناء سيرهم، والسبب في ذلك أن المرحلة الأولى للثورة عاينها أهل الشام بتفاصيلها، فقد عاش أهل الشام أحداث مظاهرات تونس و مصر خطوة بخطوة ويوما بيوم وصار مؤكدا لهم أنه إذا خرج الناس في مظاهرات وحافظوا على سلميتها واستمراريتها ودفعوا بها لتثبت في مواجهة قمع النظام فإن ذلك سيدفع رأس النظام حتما لمغادرة البلاد أو التنحي، وهذه النتيجة في حينها كانت مقبولة لدى أهل الشام يومئذ. ولذلك لم يلمسوا أهمية للقيادة السياسية ولم يدركوا ضرورتها، وكان من يقود المظاهرات في الشام ليس شخصا محددا بل لم تكن تتأثر المظاهرات بتغير من يقودها ويسير في مقدمتها...
وفي المرحلة الثانية من الثورة ونتيجة لبطش النظام وإجرامه اندفع الشباب المسلم في ثورة الشام لحمل السلاح دفاعا عن حرماتهم وحماية لأنفسهم وأهلهم وأعراضهم، فاتجهت الثورة كردة فعل على بطشه إلى التسلح فصارت الفصائل وكثرت المعارك وما لبثت أن تحررت القرى والمدن والمناطق...
وفي هذه المرحلة كان أهل الشام لديهم تصورهم عنها، فبالرغم من سعيهم وحرصهم على سلمية الثورة وعدم تسلحها إلا أنهم أدركوا متطلبات الجهاد لما وقع عليهم فرضه وتهيأوا له، فتراهم يومها لا يشعرون بحاجتهم لقيادة سياسية لهذه المرحلة بل ولا يشعرون بأهميتها، فالعمل المطلوب هو الجهاد وصوت السلاح يعلو فوق كل صوت، والجهاد لا صعوبة في فهم معادلته، فخروج المجاهدين لقتال عدوهم المحدد والوحيد وهو النظام وقتها واستمرار قتالهم له للوصول إلى دمشق كفيل بإسقاط النظام واقتلاعه من جذوره، وكل هذا معلوم ومعروف لدى أهل الشام فلا يستدعي بنظرهم وجود قيادة سياسية لتدلهم عليه، لذلك لم يتفاعلوا مع دعواتهم لاتخاذ قيادة سياسية!
لكن الغرب أدرك خطورة ثورة الشام على مصالحه فاستنفر جهوده وصبها في منع إقامة أي عمل عسكري تتوحد الفصائل عليه ويسير بالمجاهدين الصادقين إلى دمشق عاصمة النظام لإسقاطه.
ولاحتواء الموقف لجأ الغرب إلى تقديم الدعم والمال عن طريق بعض أنظمة العرب والمسلمين، ولما ركن المقاتلون لدعم الغرب حينها انخدع الكثير من القادة به وصدقوا نفاقه. ثم شيئا فشيئا صار الداعمون يختارون القادة الذين يتعاملون معهم ويحددون لهم المعارك والخطط والذخيرة وما يعرف بفاتورة المعركة ونفقاتها، ثم ما لبثوا أن وقعت الفصائل في مطبات مطالب الداعمين التي كانت على استحياء في البداية ثم صارت بلا حياء جهارا نهارا أوامر تفشيل المعارك، وأوامر تسليم المناطق، وأوامر مقاتلة الفصائل، وأوامر الهدن والمفاوضات ووقف إطلاق النار والتوجه للمؤتمرات...
في هذه المرحلة اختلطت الأمور على الفصائل وتكبلت بالهدن وارتهن قرارها للداعمين وانكشفت ارتباطات القادة مع دول الدعم فتعثرت الثورة وتعقدت الأمور عليها...
وهنا أدرك أهل الشام حاجتهم لقيادة سياسية واعية مخلصة خبيرة ترشدهم إلى الطريق وتدلهم على الخير وتسهل عليهم وعورة المسير وتحذرهم من مكائد الغرب ومؤامراته وتفضح عملاءه وتكشف خططهم...
ولكن من هي الجهة التي تمتلك هذه المواصفات والتي يمكن أن تقبل بها ثورة الشام لتكون قيادة سياسية لها؟
قبل الإجابة على هذا التساؤل لنلقي نظرة على مسيرة الغرب في سعيه لإيجاد قيادة سياسية للثورة موالية له تساعده على إرساء حله السياسي الذي يبقي على عميله ويحافظ على نفوذ أمريكا في الشام ويحمي مصالحها.
في بداية الثورة أظهر الغرب على وسائل إعلامه بعض الشخصيات السياسية ولمّع بعضها من خلال إظهارهم واستعراض مواقفهم، ثم دفع الغرب بعضهم لتشكيل الائتلاف لكي يجعل منهم لاحقاً قيادة سياسية، ولما لم يُثِرْ كل ذلك اهتمام أهل الشام أرادت أمريكا جمع الشخصيات السياسية كلها في هيئة فقام روبرت فورد السفير الأمريكي السابق في سوريا بجمعهم في قطر مع شخصيات أخرى بلغ تعدادها ما يقارب 400 شخصية، وإمعانا في تضليل الناس ولأن الغرب يدرك توجه الثورة نحو الإسلام عمد فورد لأن يكون في رئاسة الائتلاف شيخ مشهور وهو الشيخ معاذ الخطيب. لكن الثورة لم تكترث لهذا التجمع ولم تعتبره أنه منها ولم تأبه لهذه التوسعة للائتلاف وهي مدركة أن الغرب هو من يقف وراءهم...
لاحقا دفع الغرب ليكون للائتلاف وجود على الأراضي المحررة فصارت له مراكز تعليمية ومراكز لتوزيع بعض الإعانات ومراكز فيها بعض الموظفين، ثم تطورت المسألة لحكومة مؤقتة ولها بعض المراكز وبعض ما يطلق عليه وزارات وهيئات، وكل ذلك أيضا لم يجعل للائتلاف قبولا عند أهل الشام رغم مشاركة الإخوان المسلمين فيه وفي الحكومة المؤقتة...
وفي المرحلة التالية عمد الغرب إلى إبراز قيادات عسكرية مختارة أخذت صبغات سياسية وتم توجيهها للمشاركة في المؤتمرات الخارجية لإبرازها... ناهيك عن هيئات ومجالس تكونت لتكون قيادة سياسية وممثلة عن الشارع الثوري لكنها أخطأت التمثيل وأخطأت التوجه إذ فتحت سبلا مع الدول الخارجية...
وفي مؤتمر الرياض الأخير تم إعداد لائحة تشمل معارضة الداخل والخارج لتمثل الثورة لتكون من يوقع على الحل السياسي لكن بوادر فشلها بانت منذ البداية.
وزيادة في الربط بين القيادات العسكرية والسياسيين ولكي تلمع القيادة السياسية صنيعتها قد تعمد أمريكا بعد أن قررت وقف دعم الفصائل عبر غرف الدعم، قد تعمد إلى تحويل هذا الدعم ليكون من خلال هذه الهيئات السياسية فيكون لهم يد على العسكريين وبذلك تبرز قيادتهم السياسية.
وحتى لا يتكرر مع أهل الشام ما حصل لإخوانهم في فلسطين، ولكي تصل ثورة الشام إلى هدفها بأقصر الطرق، عليها أن تسارع إلى:
1-أن تتخذ من حزب التحرير قيادة سياسية لها.
2-أن تتبنى مشروع الدستور الذي أعده حزب التحرير .
3-أن تبعد كل القادة المرتبطين مع الدول وترفضهم وتلفظهم وتختار لها قيادة عسكرية مخلصة توحد المجاهدين الصادقين وتسير بهم من أقصر الطرق إلى دمشق.
4-أن توطن نفسها للاعتماد على قدراتنا وإمكانياتنا ومن قبل صدقنا مع الله، فعلى ذلك يتنزل علينا نصر الله.
فحثوا الخطا يا أهل الشام والله من ورائكم، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعملون.
كتبه لجريدة الراية: المهندس كامل الحوراني، بتاريخ الأربعاء 13 كانون الأول/ديسمبر 2017م
المصدر: http://bit.ly/2iZp1uZ
- التفاصيل
(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [سورة الروم 41].
بعد سقوط الخلافة العثمانية وتراجع المبدأ الإسلامي عن صدارة المشهد كقيادة عالمية للبشرية أجمع والتي كانت البشرية تعيش في ظل قيادتها وفي كنفها كدولة جاءت لتخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.
لكن هذه الدولة قد تراجعت عن القيادة ومن ثم تم القضاء عليها من قبل أعدائها وبمساعدة أبنائها، بسبب الضعف الكبير الذي طرأ على فهم الأمة لإسلامها، مما أدى لفقدان الأمة لهويتها ولبعدها عن دينها الذي جعل الله فيه عزتها وكرامتها كما قال عمر رضي الله عنه (نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله).
وقد عمدت دول الغرب إلى محاولة طمس هوية الأمة وإضعاف شخصيتها ما أدى إلى أن تفقد الأمة ثقتها بنفسها أمام حملات التغريب والانضباع بالثقافة الغربية، الأمر الذي دفع أبناء الأمة للمساهمة في هدم كيانها المتمثل بدولتها.
وكل ذلك قد ساهم في صعود المبدأ الرأسمالي الذي تصدر لقيادة العالم والذي حملته دول الغرب، وهيأت لاستمراره كل الظروف، وسعت لتثبيته فوق رقاب الأمم، ولاستعبادها ونهب ثرواتها باسم تحرير الشعوب. وقد سخرت لذلك كل الإمكانيات ليبقى حفنة من تجار البشر هم المتحكمون بمصير الشعوب التي تعيش تحت سيطرتهم وتسلطهم.
ولكي تبقى هذه الدول مسيطرة على الأمة الإسلامية من خلال الحفاظ عليها مجزأة إلى أقاليم لها حدود، كان لابد من إبقائها تحت سيطرة الحكام الذين وضعهم الغرب نواطير على تلك الحدود الوهمية، وحراسا على الأمة ينهبون خيراتها ويمنحونها للغرب، ويمنعون أي محاولة لنهضة الأمة، أو لتحطيم تلك الحواجز والحدود فيما بينها. فعمدوا إلى تغيير طريقة التفكير عندها على أساس يخالف الإسلام، وتم دفعها لتقديس تلك الحدود التي أسموها الأوطان، وإيجاد علماء وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم دعاة على أبواب جهنم, وهؤلاء كان لهم الدور الكبير في تخدير الأمة عن النهوض كلما أرادت ذلك متذرعين بذرائع واهية يسوقون لها أدلة من الكتاب والسنة يسقطونها على غير الوجهة التي جاءت بها؛ تارة باسم المصلحة وتارة باسم درء المفاسد التي قد تترتب على حراك الأمة من تضحيات ودماء. متناسين أن من أعظم المفاسد هو غياب الحكم بما أنزل الله وشتات المسلمين وتفرقهم وغياب الراعي الذي يُقاتل من ورائه ويُتقى به.
وقد سخّروا كذلك إعلاما مشوها، يظهر الاسلام بموضع الاتهام والنقص - وحاشا لدين الله ذلك - فتارة يدّعون أن الإسلام دين لا يصلح أن يحكم بحجة النماذج الفاشلة التي سوقت لصورة مشوهة لتطبيق الإسلام، وتارة تدّعي أن الإسلام لم يأت بشكل لنظام الحكم وأن الخلافة هي حقبة تاريخية ذهبت ولن تعود, وتارة يدّعون أن الشريعة الإسلامية هي فقط عبادات فردية لا علاقة لها بالحياة العامة منكرين أنها أنظمة انبثقت عن العقيدة الاسلامية جاءت بمعالجات وحلول لتخلص البشرية من عنائها وظلمها لبعضها. قال تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ) (طه 124).
وقد وصلت الأمة إلى هذا المستوى من الذل والهوان والضياع وأصبحت طريقة تفكيرها من وجهة نظر رأسمالية تقوم على أساس المصلحة ودرء المفسدة واختيار أقل الضررين، مما دفع أبناءها للتعامل مع أعدائها مخافة أن تصيبهم دائرة، وتعاملوا مع الأنظمة العميلة نتيجة خداعها لهم, وزادت جرعات التخدير عندها من قبل علماء مضللين يدعونها للصبر على ظلم الحكام وإجرامهم لكونهم ابتلاء قد كتبه الله عليها بدل الدعوة للإنكار عليهم وتغييرهم.
فكان لا بد من العمل لتغيير هذا الواقع الفاسد على أساس العقيدة الإسلامية، وإعادة حمل الإسلام للأمة حملا صحيحا لتغيير مفاهيمها وطريقة تفكيرها لقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) (الرعد 11).
وقد بدأت ملامح الصحوة في الظهور وأخذت إرادة التغيير والعمل له تتجسد بين أبناء الأمة، حتى وصلت الأمة اليوم لحال خرجت فيها على هذه الأنظمة المجرمة لتغييرها وأقبلت على إسلامها لتعيش في ظل عدله لكنها في الوقت ذاته تحتاج لمن يأخذ بيدها للوصول إلى هدفها ولذا كان لابد للأمة أن تسير خلف قيادة مخلصة من أبنائها، قيادة تمتلك مشروع خلاصها وعزها، (مشروع الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة) حتى تكمل مسيرتها في الوصول إلى أهدافها بتحكيم شرع ربها وإقامة حكم الله في الأرض ليعز الاسلام وأهله ويذل الكفر وأهله، ولتعود للوجود الدولة التي تحمل الإسلام رسالة هدى للبشرية لتنقذ العالم من ظلم الرأسمالية وجشعها.
(وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖوَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) [الروم 4-5].
كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير - ولاية سوريا
عمر الشامي