- التفاصيل
قامت الحضارة الرأسمالية بمنظومتها الدولية على مبدأ لا يقنع العقل ولا يوافق الفطرة، بل يلبي شهوات القائمين عليه وأهواء الفاعلين فيه، ويزيد في الشعوب المحكومة به الفقير فقراً والغني غنى، ولا يقدم معالجات لمشاكل الإنسان سوى مساحة واسعة من الحريات تجعله في غابة مليئة بالوحوش الضواري يأكل القوي فيها الضعيف.
نعم هذه حقيقة الحضارة الرأسمالية بنظامها الديمقراطي ومبدئها فصل الدين عن الحياة، وإن ما يبدو للناظر بسطحية من تطور تكنولوجي وتقدم علمي وصل إليه البشر في ظل هذه الحضارة لا يعبر عن مكنونها ومضمونها، بل لا يعدو عن كونه ستاراً تغطي به سوءتها، ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب.
وإن تشبيهها بعصر الجاهلية القديمة فيه ظلم لذلك العصر؛ فجاهلية القدم اتخذت المعاصي عادات وأعرافاً وقد لا يعاقَب مخالفها، أما جاهلية الديمقراطية فتشريعات وقوانين ويعتبر مخالفها مجرماً أو إرهابياً أو رجعياً..
جاهلية القدم كان فيها شيء من استقلالية التفكير واتخاذ القرار، فأهل جزيرة العرب بأغلبيتهم وقريش خاصة لم يكونوا عملاء لإمبراطورية الروم أو فارس. أما جاهلية الديمقراطية فلا تنجو بلد فيها من العمالة والتبعية الغبية لأمريكا أو بريطانيا أو للمنظومة الدولية!
وعليه نجد أنفسنا في عصر هو الأقبح، ومعصية هي الأوقح، ومصيبة هي الأشد، وجور هو الآكد؛ ثرواتنا منهوبة، وأرضنا مغصوبة، وفقر ينتشر، وقرار ينكسر، وحكام العمالة يعيثون بأمر أسيادهم في الأرض الفساد!
ولكن فساد الديمقراطية الملموس المحسوس لم يعد يحتاج إلى شرح أو بيان وتوضيح؛ فها هي شعوب العالم الإسلامي والعربي، بل والغربي، تنتفض واحدة تلو الأخرى؛ فمن تونس إلى مصر إلى اليمن إلى ليبيا إلى سوريا إلى إيران إلى فرنسا وغيرهم... وفي كل ثورة أو انتفاضة يحاولون ترقيع خروق مستجدة في حضارتهم ونظامهم.
حتى إذا قامت ثورة المسلمين في الشام عملوا كما عملوا في غيرها ولكن لم تنجح مساعيهم وطار صوابهم، وكنا نرى طائرات سفرائهم ومبعوثيهم تكاد لا تهدأ تنقلهم من مؤتمر إلى مثيله؛ أنطاليا وجنيف وفينّا وأستانة والرياض وأنقرة وطهران وسوتشي، هذه ليست مسميات بلاد في عرف أهل الشام بل هي رموز مؤتمرات ومحطات اتفاق زائف أتعبت الساسة الغربيين، حرصوا في كل مساعيهم تلك أن يرسخوا جاهليتهم ويستروا عورة مبدئهم ويرقعوا خرق حضارتهم، ولكن... اتسع الخرق على الراتق.
نعم، اتسع الخرق على الراتق...
فأهل الشام باتوا واعين تماماً أن أمريكا أوعزت لرجالها أن ينقذوا عميلها وصاحبهم طاغية الشام.
وأهل الشام باتوا واعين أن أدوار المنقذين لطاغية الشام تختلف بين متظاهر بالعداوة له وبين منافح عنه.
وأهل الشام أدركوا كذلك أنهم لم يحققوا هدفهم بعد، فبقاؤهم في ثورة لا يعني أنهم وصلوا لهدف التغيير.
وأهل الشام رأوا من التنظيمات المسلحة والفصائل المقاتلة ما يؤكد لهم أن الديمقراطية بجاهليتها النتنة لا زالت تسري في عقول من يحكمهم، فلم ولن يقبلوا بهذه الأشكال ولو لبست لبوس الدين.
وأهل الشام عرفوا أبعاد الشعارات الكاذبة من أردوغان وأبطال المقاومة وغيره، فلم تعد تنطلي عليهم غدرة (لن نسمح بحماة ثانية، وحلب خط أحمر، وإدلب ليست كغيرها)...
أهل الشام لمسوا بأيديهم حقيقة العداء السافر من الغرب الكافر المستعمر على أمة الإسلام فلم يعودوا يأبهون لتحليلات وأخبار تدعي صداقة الشعب السوري...
"اتسع الخرق على الراتق" هو مثل يضرب في الأمر الذي لا يستطاع تداركه لتفاقمه، ولن تستطيع أمريكا ولا أحلافها وجنودها وإعلامها ودجالوها أن يتداركوا حركة التغيير والصحوة في الأمة، وما يدعيه لافروف في إحدى مقابلاته بقوله: (لولا تدخلنا في سوريا لأصبحت دمشق عاصمة الخلافة الإسلامية) قاصدا بقوله إنه تدارك الأمر، ما هو إلا كذب محض وزعم باطل ووهم مريح...
والثوب الممزق لا ينفع معه رتق بل يحتاج صاحبه إلى تبديله، والبناء المصدّع لا ينفع معه ترقيع بل يحتاج أهله إلى تغييره، وهذا تماماً ما بشرنا به حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ فبعد الملك الجبري خلافة على منهاج النبوة بإذن الله.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أحمد حاج محمد
المصدر: https://bit.ly/2I7oHd0
- التفاصيل
إنّ التعامل مع الخُطط الدولية ينبغي أنْ يكون هو الشغل الشاغل للقيادات السياسية الحقيقية التي تتولّى شؤون الأمّة، فلا قيمة لأعمال السياسيين إنْ لمْ تُعنَ بكشف الخطط التي تضعها الدُول المُعادية لهم، ولا مُستقبل للدول إنْ لمْ تُعطِ لهذا الكشف الأهمّية اللازمة.
والإسلام فرض على المُسلمين القيام بالأعمال السياسية المُتعلّقة بهذا الموضوع، قال تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وإلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً﴾، ومواضيع الأمن والخوف تتعلق بالصراع مع الأعداء، وبضرورة الظفر عليهم، وتجنب الفشل والهزيمة، وهذا يحتاج إلى استنباط وتفكير وتحليل، أي يحتاج إلى قُدرات خاصة يتمّ توظيفها لخدمة الدولة والأمّة، يقول الطبري رحمه الله في تفسيره لآية ﴿لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ﴾: "الَّذِينَ يُنَقِّرُونَ عَنْ الْأَخْبَار"، ويصفهم بــ: "أُولِي الْفِقْه فِي الدِّين وَالْعَقْل".
والإسلام حدّد الزاوية الخاصة التي يُنظر من خلالها إلى العالم، وهذه الزاوية هي العقيدة الإسلامية، كما حدّد زوايا العمل المُتعلقّة بتحديد الأعداء الرئيسيين، وكيفية مُواجهتهم، والانتصار عليهم.
فالزاوية عندنا هي العقيدة والمبدأ ونشر الإسلام، وأي زاوية أخرى غير ذلك كالقومية أو الوطنية لا تعني إلا الانحطاط السياسي، ولا تؤدي إلا إلى الاستسلام للقوى الكبرى المُستعمرة، كما هو حال الدول القائمة في العالم الإسلامي اليوم.
وبما أنّ النظرة المبدئية هي نظرة عالمية مُنْطلقة من قاعدة إسلامية فكرية سياسية صلبة، فإنّ تتبع الخطط الدولية، وكشفها، أمرٌ لا بُدّ منه لمن يحمل هذه العقيدة، ولمن يرنو إلى حمل دعوة الإسلام إلى العالم، وإنّ ما لا يتمّ الواجب إلا به فهو واجب.
والرسول صلى الله عليه وسلم قدّم لنا أروع الأمثلة السياسية في كشف الخطط والمؤامرات الدولية، وصدّها وإحباطها، فمثلاً عندما جاءته أخبار عن خطة قريش للتحالف مع يهود خيبر لمهاجمة المدينة والقضاء على الإسلام، بادر من فوره إلى اتخاذ إجراءات سياسية عاجلة، فقام أولاً بالتأكد من تلك الأخبار عن طريق العيون والعسس (الاستخبارات العسكرية)، ثمّ رسم في المُقابل خطةً سياسيةً مُحكمة في مُواجهة خطة قريش، وإفشالها، فاتخذ من سياسة السلم والتفاوض مع قريش هدفاً سياسياً مؤقتاً له، وقبل بشروط قريش بالرغم من أنّها مُجحفة، وبالرغم من مُخالفة كبار الصحابة لها، ووقّع معها صلح الحديبية، فكان فتحاً مُبيناً، وحقّق أهدافه المرجوة والمُتمثلة بكسر حلف قريش/خيبر، وفض الشراكة بينهما، وذلك بفصل القوتين الكبيرتين لهما عن بعضهما، ومن ثمّ الاستفراد أولاً بخيبر وسحقها، وإضعاف قريش وعزلها، تمهيداً للقضاء عليها.
والدول الكبرى في هذه الأيام - كما هي حال شبيهاتها في كل زمان - لا تتوقف عن وضع الخطط التي من شأنها إضعاف خصومها، والحفاظ على مصالحها، وبسط نفوذها، وتمرير أجندتها عبر حلفائها وعملائها ووكلائها، فمثلاً انسحاب أمريكا المُفاجئ من سوريا، هو خُطّة سياسية ترمي إلى تحقيق عدة أهداف منها:
1- تثبيت أركان نظام بشار الأسد وتسليمه فيما بعد مناطق النفط والغاز شرق الفرات ليتمكّن من الحصول على التمويل اللازم لتقف دولته على قدميها، وتقوم بأداء الحد الأدنى من الإنفاق على حاجاتها الضرورية، وكأنّ أمريكا التي سيطرت على مناطق شرق الفرات الغنية، وطردت القوى المُعارضة منها، احتفظت بها مُدةً من الزمان ريثما يقوى النظام، ثمّ تقوم بإعادة تسليمها إليه.
2- وضع المناطق الشمالية من سوريا تحت سيطرة تركيا للاستمرار في قيامها بدور الضابط والمُتحكم بفصائل المُعارضة، ومنعهم من القيام بمهاجمة قوات النظام، وإبقائهم في سجن كبير تحت السيطرة التركية، وتهديدهم بين الفينة والأخرى بالقوة الروسية، وإجبارهم على الالتزام بالاتفاقات التي أبرمت بين الدول (الضامنة) وهي روسيا وتركيا وإيران، وتخويفهم من مغبة الخروج عليها.
3- استخدام الورقة الكردية وورقة تنظيم الدولة كتكتيكات سياسية لاستخدامها عند الحاجة في تثبيت رؤيتها، والتلاعب بعملائها، وتنصيب نفسها حكماً على اللاعبين المحليين والدوليين في سوريا.
4 – إضعاف الأدوار التي تقوم بها فرنسا وبريطانيا بعد انسحابها.
5- استخدام ورقة المُعارضة السورية المُرتمية في أحضان تركيا في مُفاوضات مُستقبلية للمُطالبة بإخراج روسيا من سوريا، وإخراج مُعظم قواعدها.
6- تمكين إيران ومليشياتها من الاستمرار بتقديم المُساعدات اللازمة لنظام بشار، وتقليص دور كيان يهود في سوريا إلى الحد الأدنى.
هذه هي أهم أهداف أمريكا في سوريا اعتماداً على قرار ترامب سحب الجنود الأمريكيين من سوريا خلال الأشهر القادمة، وما كانت هذه الأهداف لتتحقق لولا تعاون روسيا وإيران وتركيا والسعودية مع أمريكا، فلا قوة لأمريكا خارج حدودها إلا من قوة عملائها وحلفائها.
فهذه الدول قد تآمرت على الثورة، واشترت الكثير من قياداتها الخونة الذين بدورهم قاموا بتسليم المناطق المحررة للنظام على طبق من ذهب، والحقيقة أنّه لم يصمد النظام، ولم يتمكن داعموه من الروس والإيرانيين من بسط نفوذ المجرم بشار الأسد على الأراضي المُحررة إلا من خلال تعاون قادة الفصائل الذين باعوا نضالات الثوار بثمنٍ بخس، فالذي قام بمُساعدة النظام بالدرجة الأولى ليست روسيا ولا إيران ولا مليشياتها، وإنّما هم قادة الفصائل الذين قبلوا بأنْ يكونوا أدوات رخيصة بأيدي السعودية وتركيا والأردن وغيرها.
لذلك كان لا بُدّ لمريدي التغيير من تبني مشروع الإسلام العظيم بشكلٍ واضح، كما لا بُدّ من قطع جميع علاقات الثوار مع تركيا والسعودية ودول الجوار المُتآمرة ضد الثورة مع نظام الطاغية بشار، وعليهم أنْ لا يتراجعوا عن ثوابت التغيير الحقيقي مُطلقاً، وأهمّها تصميم الثوار على إسقاط النظام بكل أركانه ومؤسساته ورموزه، وإقامة دولة الإسلام على أنقاضه.
كتبه: أبو حمزة الخطواني
جريدة الراية: https://bit.ly/2BpAU7f
- التفاصيل
بعد السماح لهيئة #تحرير_الشام بالسيطرة على أغلب #الشمال الغربي المحرر، وإخراج أبرز قادة وجنود الفصائل المناوئة إلى #عفرين، وتبعية مناطقهم تباعًا لمجلس الجباية المركزي في إدلب والمسمى زورًا #حكومة_الإنقاذ، أصبح من الضروري الحديث ولو باقتضاب عن مستقبل المنطقة، وبالتالي الثورة، والإشارة إلى ما يُرسم لهما في دوائر التخطيط والمكر العالميين، وذلك لإفشال مخططات الأعداء، وعكس مجريات الأمور، والعودة بالثورة خضراء مزهرة بعد شتاء طويل أسقط الأوراق وكشف المعادن.
بدايةً يجب ألا يختلف اثنان على أن جميع ما حدث كان بموافقة من الأتراك، إن لم نقل إنه كان بأمر منهم، بحكم أنهم الآن باتوا يمسكون بمعظم خيوط اللعبة في المنطقة، ويحركونها على هوى مصالحهم ومصالح أسيادهم الأمريكان. فما مصلحة الأتراك والأمريكان في سيطرة الهيئة على الشمال الغربي المحرر، إذا علمنا أن هدف #أمريكا النهائي هو إعادة سيطرة #النظام على كل شبر من الأرض السورية التي ثارت عليه؟!
أظن أن الإجابة ستتضح نوعًا ما إذا تذكرنا كيف تم السماح لتنظيم الدولة يومًا بالتمدد في المنطقة الشرقية بعد أن أتت الأوامر من #تركيا إلى قادة الكتائب والألوية العاملة وقتها في تلك المنطقة بالانسحاب من أمام التنظيم، ومُنع الباقون في الشمال الغربي من ملاحقته شرقًا بعد أن وصل إلى الباب، ثم أُعطي التنظيم مهلة من الوقت ظهرت فيها عوراته، وقضى على نَفَس #الثورة في منطقته، ورتبت أمريكا خلالها أمر الفصائل التي ستحلّ محلّه، ثم جاءت تركيا بفصائلها لتحلّ محلّ الفصائل الأمريكية، وغدًا وبقرار واحد من الأمم المتحدة تخرج تركيا ليعود النظام إلى جميع هذه المناطق التي كانت شعلة الثورة فيها متقدة يومًا قبل سيطرة تنظيم الدولة عليها.
أعلم يقينًا أن القياس خاطئ، وأن التعميم مرفوض، خصوصًا وأن #الهيئة تختلف عن #الدولة، فهي لم تعلن #خلافة، ولا حتى #إمارة، بل إن سقف طموحاتها قد لا يتعدى إقامة (#كيان_سنّي) كما اعتادوا على القول، في المنطقة التي يسمح لها المجتمع الدولي بإقامة هذا الكيان فيه. ولكن يجب أن يعلم الجميع أن الأتراك لم يسمحوا للهيئة بالسيطرة على المنطقة لوجه الله تعالى، أو لكي تقيم حكمًا إسلاميًا راشدًا، ولا حتى كيانًا سنّيًا مِسخًا، بل لم يسمحوا لها بذلك إلا ليجعلوا من سيطرتها على المنطقة درجةً يصعدون عليها هم وأسيادهم الأمريكان للوصول إلى هدفهم النهائي، ألا وهو إعادة المنطقة كاملة إلى سيطرة النظام.
ولأننا أثبتنا لأعدائنا كشعب خلال السنين الثمانية الفائتة أننا نقع في الحفرة عشرين مرة، ونلدغ من ذات الجحر مائة مرة ومرة، ثم لا نتعلم شيئاً من أخطائنا، فإنّ أخشى ما أخشاه في هذه المرحلة ألا تعرف #هيئة_تحرير_الشام استغلال ما وصلت إليه، وألا تسير في الطريق الصحيح الذي يجب أن تسير فيه، ألا وهو مداواة الجراح، وتطييب النفوس والخواطر، وإلغاء الرسوم و #الضرائب و#المكوس التي باتت تثقل الكواهل المتعبة أصلًا، ثم الاتجاه فورًا إلى فتح المعارك في #الجبهاتالمنتجة لإسقاط النظام المتهالك المجرم، دون أن نعطي أعداءنا فرصة التفكير والتخطيط والتنفيذ، دون #هدن ولا مفاوضات، دون #جنيف ولا #آستانة، دون #رياض ولا #سوتشي.. عندها لن ترى الهيئةُ الناسَ إلا وهم مقبلون عليها أرسالًا بأموالهم وأبنائهم: خذوها وأسقطوا بها النظام وأقيموا #دولة_الإسلام.. حقيقةً إن أخشى ما أخشاه هو ألا تسير هيئة تحرير الشام في هذا الطريق.
للمكتب الإعلامي لحزب التحرير ولاية سوريا
عبد الحميد عبد الحميد
رئيس لجنة الاتصالات المركزية لحزب التحرير ولاية سوريا
- التفاصيل
نشر موقع (بي بي سي عربية، الخميس، 27 ربيع الأول 1440هـ، 03/01/2019م) خبرا جاء فيه: "قال الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إن سوريا "ضاعت منذ زمن"، ولم يبق فيها إلا "الرمال والموت".
وأضاف في حديثه خلال اجتماع حكومي: "لا نتحدث عن ثروة طائلة، نحن نتحدث عن الرمال والموت، ولا أريد البقاء في سوريا إلى الأبد".
وبعد تصريحاته بانسحاب القوات الأمريكية من سوريا فورا، وباندحار تنظيم الدولة الإسلامية، قال إنه لم "يقرر عودة القوات بين ليلة وضحاها"، مضيفا: "نعم، سننسحب ولكن ذلك سيتم خلال فترة من الزمن"."
الراية: إنّ هذه الصراحة بل قل الوقاحة التي يتحدث بها ترامب تفضح أمريكا الصليبية والغرب الكافر المستعمر وتكشف إجرامهم وتعري سوءاتهم، فكلامه يعني بكل تأكيد أن أمريكا لم تنظر إلى سوريا إلا كمستعمرة لها، ولم يكن هناك كما يدعون قيم أو مبادئ تقف وراء تدخل أمريكا المباشر وغير المباشر من خلال العملاء والأتباع، فها هو يبرر انسحاب قواته بأنّه لم يعد هناك مقام أمن لجنوده أو ثروة طائلة ليحافظ عليها، ونزيد على ذلك بأنّ ترامب وأمريكا وجدت من يقاتل لتحقيق مصالحها نيابة عنها كروسيا وإيران وحزب إيران وتركيا، فلماذا لا تنسحب وتكسب الرأي العام لا سيما أن الحديث يدور عن ألفي مقاتل، وهو عدد تافه إذا ما قورن بحجم القوات التي تقاتل إلى جانب الأسد في سوريا!
جريدة الراية: https://bit.ly/2QBcSuY
- التفاصيل
أسقطت الخلافة العثمانية في عام 1924م بعد أن امتدت لقرون طويلة عرف فيها المسلمون أن سلطانهم بيدهم، وضح ذلك من خلال أعمال بيّنها خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته كأبي بكر وعمر وعبد الرحمن ابن عوف بجملة سلوكيات تدل دلالة واضحة على ذلك، فأبو بكر خاطب الناس قائلا: "أطيعوني ما أطعت الله فيكم"، وعمر بن الخطاب قال: "إذا رأيتم في اعوجاجا فقوموني"، وعبد الرحمن بن عوف شاور الناس فيمن يختارونه خليفة لعمر، خطوات وإشارات لا لبس فيها ولا ريبة تدل أن السلطان للأمة.
وبعد أن أسقط سلطان المسلمين تسلط عليهم حكام جبريون عملاء للغرب الكافر المستعمر فسلبوهم سلطانهم ومارسوا عليهم شتى صنوف العذاب خدمة لأعداء الإسلام، لضمان عدم عودة حكم الإسلام، استمر المسلمون على هذه الحال عشرات السنين وهم لا يعلمون حقوقهم ولا ينفذ عليهم شرع ربهم.
ذكريات تروى عن أحوال المسلمين منذ تاريخ إسقاط حكم الإسلام حتى هذا اليوم يندى لها جبين الإنسانية، ممارسات جل غايتها منع استعادة الأمة لسلطانها ومعرفتها لحقوقها. حتى كان عام 2011 حيث دبت الحركة في الأمة، وهبت تطالب بحقوقها وسلطانها المسلوب.
بدأت هذه الحركة من تونس مروراً بمصر معطية نفحاتها لليبيا ثم لليمن وصولاً لأرض الشام المبارك، أدرك حينها أعداء الإسلام خطورة الحدث وباتوا يفكرون كيف عليهم التعامل معه.
الجميع أصبحوا يدركون ما حصل في بلاد المسلمين وكيف سرقت ثوراتهم بوضع من يلبي مطالب الناس بحكومات شعارها الإسلام وباطنها العلمانية، فسلب سلطان الأمة من جديد ولكن هذه المرة من خلال العزف على مطالب الناس بأن أعطوا السلطان لمن ينادي بمصالحهم، ترافق مع حالة صمت من الأمة، والحال لا يختلف عن باقي بلاد الثورات حتى الوصول للشام، فبنيتها المعقدة من الثورة كانت كفيلة بأن تجعل الحيرة صفة أساسية لكل حل يقترح، والضياع ميزة لكل من أراد التدخل في الحل؛ فأسد الأب برع خلال سنوات بطشه بتفكيك بنية المجتمع وبنية الدولة في سعي منه لمنع وجود وسط سياسي معارض ينافسه بأخذ سلطان الناس لصالحه، استمر الحال على ما هو عليه حتى انفجار الثورة في آذار من عام 2011.
فخروج الشعب لينادي بإسقاط حكم أسد وهتافه بأن يستعيد ما سلب من سلطانه مع ما ذكر من غياب الوسط السياسي مقارنة مع باقي بلاد الربيع العربي، جعل أن لا حل في الأفق بائناً ولا معارضة يلقى لها السلطان فتتلقفه، وينكمش الأمر وينحسر ولا يخرج عن حده المرسوم له سابقاً في أروقة الكفر ودهاليز المكر والخداع.
رغم ما ذكر عن واقع سوريا إلا أن محاولات سلب السلطان من الناس مرة أخرى بقي الشغل الشاغل لملة الكفر وبقيت تسعى له حتى صار لها الأمر من خلال فصائل ربطتها بها إما عن طريق مندوبين دائمين لها في دول الكفر أو عن طريق غرف عمليات، كان ركيزتهم وسندهم في ذلك ما قدموه من أموال لأجل جذب ضعاف النفوس لها فكان لهم ما كان، كل ذلك في ظل تغافل الحاضنة الشعبية، فسلطانها الذي خرجت تطالب فيه بدأ يتقلص أمام توسع الفصائل وامتداد بقع نفوذها، حتى وصل الحال أن أصبح سلطان الناس مسلوباً مرة أخرى كما كان، ولكن الذي سلبه اليوم هو من خرج لحمايته بادئ الأمر ومن دافع عنه في تشابه حال بين الدول التي مرت بها رياح التغيير، فأصبح المشهد أن الثائر قد سلم نتائج ثورته المتمثل بسلطانه لشخص من صلب ثورته قام وقدم وضحى وبذل فكان سالب سلطان بحق لم يأت على آلام الناس ومعاناتهم فكان سلبه شرعياً.
سرعان ما بدأت نتائج ذلك السلب تظهر بممارسات الفصائل القمعية وفرض نظم حياة تختلف عما خرج الناس لأجله ومطالبين به.
وكان من أوضح الدلالات على سلب هذا السلطان ما تقوم به الفصائل اليوم من سوق أبناء المسلمين ليموتوا لغايات وأهداف لا تعنيهم، والزج بهم في اقتتال لا ناقة لهم فيه ولا جمل، وتقديمهم قربات لأجل غايات خاصة لا تخدم سوى أعداء الإسلام، يقابله جمود عند الناس تجاه ما يحصل، في دلالة على أن سلطانهم قد تسلط عليه متسلط وسلبهم إياه.
فأصبح حال المسلمين اليوم في الشام بعد أن كان سلطانهم مسلوبا من قبل نظام أسد الوظيفي، صار مسلوباً لصالح فصائل وظيفية موجودة لأجل معين ووقت محدد ستنتهي بإنهاء مهمتها ودورها المرسوم لها وبعد أن تؤدي مهمتها بكسر إرادة الأمة لصالح ملة الكفر.
فاليوم تشابه للأحوال لما قبل آذار من عام 2011، لذلك فالحل للخروج من هذه الحال هو ما بدأ العمل به في تلكم الفترة بأن خرج الناس عن سكوتهم ورفعوا من أصواتهم ونزلوا للشوارع مطالبين بأن يعود إليهم حقهم بالسلطان.
هذا من أوجب الواجبات اليوم وبه يستطيعون أن يرجعوا حقهم المسلوب وسلطانهم المغصوب وأن لا يخشوا في الله لومة لائم ولا تمنعهم رهبة الناس أن يقولوا بما لهم من حق، وليكن مسندهم أن قول الحق لا يقرب من أجل ولا يعسر من حال، فما يحصل اليوم من المتسلط الجديد لا يمكن السكوت عنه وبخاصة أنها ستذهب بالثورة وأهلها لغياهب الظلام وستكون عنصرا أساسيا بالقضاء عليها.
ولمنع ما قد يتكرر من محاولات سلب هذا السلطان يجب أن يضعوا لهم ولسيرهم شواخص تحميهم وتحمي سلطانهم من أن يسرق؛ بتحديد ما يصبون له من هدف وخطوات عمله، يقبلون بكل من ينزل تحتها ويلفظون خارجها كل متآمر يحاول سرقتها والتسلط عليها، فما صار الحال اليوم على ما هو عليه إلا نتيجة لسكوت الناس عن حقوقهم ووقوفهم موقف المتفرج من الذين يسرقون تضحياتهم، وليحذروا أن يقعوا في دائرة المدبرين عن هذا الحق فيكون فيهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: «لَتَأْمُرُنَّ بالْمَعْرُوفِ، ولَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّه أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلا يُسْتَجابُ لَكُمْ».
الموقف اليوم في أضيق ساعاته ونهاية الطريق، فيا أهل الشام عموماً وأهل المحرر خصوصاً! ها قد شاهدتم تسليم المناطق السابقة للنظام بأم أعينكم وترون كيف وقف أهلها موقف المتفرج من المتسلط، واليوم وفي حال لم تتحركوا لتسترجعوا ملككم وسلطانكم فمصير ما تبقى لن يكون أفضل حالاً مما مضى، فعليكم أن ترفعوا أصواتكم وأن تتكتلوا وتنزلوا مثل نزولكم الأول، فالأمر عظيم لا يحتاج لمزيد من الصمت وإلا فالقادم أدهى وأمر.
بقلم: الأستاذ عبدو الدلي
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
جريدة الراية: https://bit.ly/2B5ANh0