- التفاصيل
ولدت بعد طول انتظار، كان الجميع على موعد معها وينتظر قدومها، لم يدّخر أحد جهدًا ولا مالًا في سبيل رعايتها والحفاظ عليها حتى بُذلت في سبيل الحفاظ عليها الأنفس والدماء، عاشت أيامها الأولى في بيئة صحراوية حيث صعوبة العيش ووعورة الأرض، تحملت كل ذلك مع أنها لاتزال غضة طرية؛ ولكن بفضل الرعاية الممنوحة لها من أهلها استمرت حتى ذاع صيتها، مما سبب الهلع لأعدائها فمكروا وخططوا وجيشوا، ولكن عناية الله لها وصدق أهلها جعلها ترسخ في الأرض. انتقلت من صحراء الجزيرة العربية والرمال والبادية إلى الحواضر والمدن، وصلت إلى الشام وبغداد، حطت رحالها في بلاد ما وراء النهر، سكنت اليمن والمغرب، توغلت شرقًا حتى وصلت إلى تخوم الصين، وشمالًا حتى حدود روسيا، وغربًا حتى وصلت لإسبانيا.
هي العفيفة الشريفة التي تصون الدماء والأعراض وتغدق الأموال وتعطي العطايا، هي الأم الحنون التي إذا ما تعرض أحد أبنائها لسوء حرّكت له كل قواها حتى تعيد له حقه وتقتص ممن اعتدى عليه، حافظة لكتاب الله قولًا وعملًا، وصلت لأوج قوتها حتى أصبحت محط أنظار كل من سمع بها، كانت ملاذ الخائفين والمظلومين ومقصد كل طالب علم. عندها التجارة والصناعة، منها علوم الطب والفلك والرياضيات والنحو. بنَت المساجد والجامعات، شيّدت الجسور واستجرّت المياه للبيوت والحقول، حدِّث عنها ولاحرج.
لم يحتمل أعداؤها أن يروها تزداد قوة وجمالًا يومًا بعد يوم رغم كل ما مرّت به من أزمات، فقرروا أنه إذا لم نستطع قتلها بأيدينا فيجب أن نجعل أبناءها يقتلونها بأيديهم وعلينا أن نتحين الفرص لذلك. حصل لهم ما أرادوا فقد مرت بوعكة صحية ولم يفطن الأطباء لعلاجها مع أنهم كُثُر، ضجر منها في مرضها بعض العاقين من أبنائها فكانوا الثغرة التي تسلل منها الأعداء فأغروهم بالمال والمناصب والامتيازات، لكنهم رغم كل ذلك لم يمتلكوا القوة للإجهاز عليها فأرسل الأعداء أحدَ رجالهم حتى وصل إليها فأجهز عليها وسط أبنائها! فصفق له الذين باعوا ذممهم وبكى عليها من علِم من أبنائها عِظم المصاب. رثاها الأدباء والشعراء بعد فراقها، حيث قال أحمد شوقي في رثائها:
عادت أَغاني العُرسِ رَجعَ نُواحٍ
ونُعيتِ بين مَعالِمِ الأَفراحِ
كُفِّنتِ في لَيلِ الزِّفافِ بثوبِهِ
ودُفِنتِ عند تبلّجِ الإصباحِ
شُيِّعتِ من هَلَعٍ بِعبرَةِ ضاحِكٍ
في كُلِّ ناحيةٍ وسكرةِ صاحِ
ضَجَّت عليكِ مآذِنٌ ومَنابِرٌ
وبكت عليكِ ممالكٌ ونَواحٍ
الهِندُ والِهةٌ ومِصرُ حزينةٌ
تَبكي عليكِ بمدمعِ سحاحِ
والشَّامُ تَسأَلُ والعِراقُ وفارسٌ
أَمَحى من الأَرضِ الخِلافةَ ماحِ
وأتت لكِ الجُمعُ الجلائلُ مَأتَمًا
فقعدنَ فيه مقاعدَ الأَنواحِ
إنها دولة الخلافة الإسلامية التي أقامها النبي عليه الصلاة والسلام في المدينة المنورة بقدومه إليها؛ التي أُخرج الناس فيها من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، وقد أعلن نهايتَها اللعينُ مصطفى كمال بتاريخ الثالث من آذار عام 1924 حيث تم إعلان سقوط الخلافة العثمانية وإعلان الجمهورية التركية على أنقاضها. وإنني إذ أخط حروفي هذه في الذكرى الـ95 لسقوطها فإن القلب يعتصر ألمًا على فقدها ولكن الثقة بوعد الله بعودتها يجعل الطمأنينة تسري في عروقي، اللهم عجل بها يارب العالمين فإنك ولي ذلك والقادر عليه.
للمكتب الإعلامي لحزب التحرير- ولاية سوريا
أحمد عبد الجواد
- التفاصيل
عندما كانت الأمةُ الإسلامية أمةً حية تعرف واجبها كانت خيريّتها حقيقةً مترجمة على الواقع ومدركة بالحس كما أخبر بها الله عز وجل: (كنتم خير أمة أخرجت للناس). فالخيرية هي أن تقود الأممَ والشعوب من الظلمات إلى النور، ومن القهر والذل إلى العزة والرفعة، وهذا حال من تمسك بسنة الله التي لا تتخلف ولا تتبدل. ولكن عندما أتى الكافر المستعمر اليوم -وهو من قديم الزمان في تصارع مع الحق- استطاع أن يحوّل هذه الأمة من أمة رائدة بين الأمم إلى أمة ممزقة إذ صنع هو مستقبلها بعد أن قام بهدم دولتها وتقسيم أطرافها ووضع أنظمة لها ليست من جنسها. يؤكد "وينستون تشرشل" رئيس الوزراء البريطاني السابق هذه الحقيقة: "لا أنسى وأنا في هذا الجو البارد وأنا أشرب القهوة على الشرفة أنني صنعت دولة أسميتها الأردن"؛ وأيضًا تحدث المؤرخ "كارل إي ماير" صاحب كتاب "صنّاع الملوك " بأن صناعة الشرق الأوسط تمت بأعمال من قِبل 20 دبلوماسيًا.
ولعظيم الأسف فإن أمة عريقة في فكرها وتاريخها وحضارتها يتحكم بها اليوم ويصوغ مستقبلها كافر مستعمر! وكل ذلك سببه التردي الفكري الذي تعيشه الأمة وحالة الضياع الحاصل نتيجة فقدانها بوصلتها وهويتها. ولكن -والحق يقال- بالرغم من هذا الانقسام الحاصل والتردي الفكري الملموس فإن هناك حركات تقوم بها الأمة تسعى من خلالها لأن تستعيد دورها الحضاري، فقد بدأت تدرك أن هذه الأنظمة ما هي إلا أداة وضعت لمنع الأمة من الوصول لساعة نهضتها! والتحرك الذي تشهده الأمة اليوم هو خطوة من سلسلة خطوات صحية وصحيحة باتجاه نصرها ورفعتها.
ولكن حتى تبلغ الأمة هدفها وجب عليها أن تتسلح بأفكار وأدوات لتحقق ما تصبو له؛فالقيادة السياسية هي أهم معين للأمة وأهم ركيزة لتحركها؛ وانحياز الأمة "الطبيعي" لهذه القيادة يدفع القوة التنفيذية "العسكرية" للاصطفاف في خندق الأمة مما يمهد الطريق للإطاحة بالأنظمة الكرتونية. عندئذ يكون النصر حليفًا لأمة الإسلام، وبه تتسلم قيادة العالم الذي سينعم -إن شاء الله- في ظلها بعدل الإسلام وأفكاره ومفاهيمه؛ وما ذلك على الله بعزيز. (وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا).
للمكتب الإعلامي لحزب التحرير ولاية سوريا
محمد أبو حمزة
- التفاصيل
لم يكن يوم 15 أذار من عام 2011 يوماً اعتيادياً يعيشه أهل سوريا عموماً وأهل حوران خصوصاً في ظل حكم أسد الابن، الذي استلم سوريا التي دمغت باسمهم من أبيه حافظ، ففي تفاصيل هذا اليوم كان الأمر مختلفا لم تعهده سوريا المخابرات عموماً ففي مدرسة الأربعين للبنين في درعا البلد كانت بداية دوران الرحى وتجسد قاعدة "لو دامت لغيرك ما وصلتك"، أطفال من هذه المدرسة إن صح القول فيهم لا يعلم ما الدافع الواضح للفعل الذي قاموا فيه، زينوا جدران المدرسة بعبارات أحق أن يقال فيها أنها خاطبت كل سوري يعيش بين جدران سجن أسد العسكري الكبير الذي يسمى "الوطن".
حدثٌ لم يكن يدرك أهله أنه سيكون منعطفاً كبيراً في سير حياتهم بل وأكثر من ذلك، سيكون بداية خروج الناس من رحم المعاناة التي كانوا يعيشونها كملاحقات وسجون وتسلط واستبداد، لتشمل كل بقعة من سوريا وستكون ثورة ضد النظام الدولي وتسلطه وأنظمته الوظيفية، وأنه سيكون حدث مفصلي في تاريخ البشرية يقلب موازين القوة ويعيد المركزية للمنطقة كما كانت في ماضي القرون.
انطلقت الثورة كردة فعل على ممارسات الأنظمة القمعية على الأطفال -وهذه عادتها وعلى هذا تربت- مطالبة بإخراج أبنائها من ظلمات الأقبية الأمنية في ظن من قبل الظلمة أن التحرك لن يخرج عن حدود المطالبة فقط ليس أكثر، ولكن قوة الحدث كانت أقوى من إرادة الطرفين، ولله أمرٌ قد قدّره وعلى هذا بُني هذا التحرك و سار.
انطلقت الثورة، التي سرعان ما انتشرت وتوسعت دائرتها، حتى شملت كل البلاد التي ذاقت من نفس الكأس في حركة متسارعة، يتغشاها حالة من الوعي السريع، مرت به الثورة بمراحلها، كاشفة عن حقائق كثيرة للناس كان من أبرزها أن نظام أسد الذي يحكمها هو جزء من حلقة أنظمة وظيفية، وُضعت من قبل المتنفذين في العالم، لذلك كان من أبرز سمات هذه الثورة أنها كانت خروج على المنظومة الدولية، فالشيء الطبيعي أن يكون المُدبّر لإنهائها هذه المنظومة من خلال السعي الحثيث للإجهاز عليها وإرجاع الأمور لخط سيرها الطبيعي، فلم تدّخر الجهد ولم تعدم الوسائل وتغاضت عن أعمال تخدم عميلها، فالأمر جد ليس بالهزل؛ شعب تحرك وخرج عن صمته وهدفه هو سلطانه المسلوب من قبل كاراكوزات سياسية مرتبطة.
نتحدث هنا عن حوران التي لم تعد كما كانت في سابق زمان الثورة بشعارات "الموت ولا المذلة" بل حالها اليوم كما كان لما قبل ال2011 وكما يُظهر أعلام هُبل أنها باتت مع القائد الملهم المُفدى، هذا ما يتم العمل على إظهاره في البلدان الثائرة وعلى رأسهم درعا؛ فما هي حقيقة هذه النظرة وما مدى مصداقية هذه الصورة؛ هل رجعت حوران كما كانت؟ أم أن الثورة التي مرت على أرضها تركت أثراً لا يمحى ولا يندثر وأن ظهوره هو مسألة وقت يستعيد فيها المحارب قوته بعد استراحته؟
إن المتتبع لحوران بعد تسليمها -من قبل القادة العملاء والمنظمات المرتبطة والهيئات القذرة- ليرى أن عبارة الثورة فكرة ما زالت متجسدة في ثنايا مدنها وبلداتها وأن هذه الفكرة وُجدت ولن تموت أبداً وأن التغيير أصبح ديدن الناس ولا خنوع ولا ركوع بعد ما مضى، فالعمليات بكافة أنواعها ما تزال قائمة من كتابات تزين جدران المرافق العامة للمدن والقرى والبلدات تتكلم بعبارات تؤكد ما سردنا كـ " يسقط الأسد - الثورة مستمرة - سنعيدها سيرتها الأولى - يلعن روحك يا حافظ" في إشارة واضحة أن روح الثورة ما زال في الجنبات يلفح نسيمه جباه أهل الدم والتضحيات يضاف لذلك عمليات نوعية هنا وهناك تستهدف نقاط أسد الأمنية ومراكز تفتيشه، وتشكيلات يُعلن عنها بين الحين والآخر تشير أن الثورة في حوران لم تنتهِ، بل هي مقبلة على مرحلة جدية تنتقل فيه من جمر تحت الرماد إلى نار تلظى لن تبقي من أسد ونظامه شيء وستتركهم أثراً بعد عين.
وإن أكبر ما يؤكد أن حوران ومن معها من مدن الشام الأبي ستلفظ عن أكتافها غبار السقوط وتعود كما كانت، أن أولياء الدم ما زالوا أحياء يتنفسون هواء الحقد والكره لأسد الذي قتل أبنائهم ويتّم بناتهم فهيهات أن يسكت أولياء الدم عن الضيم.
ويضاف لذلك أن ما ارتكبه نظام أسد من انتهاكات بحق الأعراض لأكبر من أن ينسى أو يُسكت عنه ناهيك عن أن ينتهي، معطيات واضحة أن الثورة لن تنتهي تغفو نعم، تكبو نعم، يستريح المحارب المتعب برهة، ولكن لن يموت ففكرة التغيير تحولت لمفهوم وتجسدت في سلوك ورويت بوقود مهما حاولت نسيانه فلن تقدر عليه.
وأما ما حصل من انتكاسة فهي شيء طبيعي جداً، فمن المحال أن يصل كل غث وسمين للهدف، وبخاصة أن هذا الهدف قد بُذل له وقود أكبر بكثير ممن سقط، ولن يصمد إلا من تتجسد فيه صفات ترضي الله، فلا يغرنكم الزبد فمصيره إلى زوال وسيبقى ما ينفع الناس وهو الذي على يديه النصر والتمكين والفتح والخلاص.
ولتجد مختصر الحال في قوله سبحانه: ﴿أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا ۚ وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ۚ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ﴾.
عبدو الدلي أبو المنذر
- التفاصيل
إن السياسة هي رعاية الشؤون، وهذه الرعاية تكون دائمًا وفق وجهة نظر معينة. وعلى من يريد أن يتصدى لهذا الشأن العظيم أن يقوم أولًا بتحديد وجهة النظر التي سيرعى بها شؤون الناس. وبسبب غياب الإسلام عن الحكم والرعاية لعقود طويلة لم يعد السياسيون المسلمون العاملون في هذا الحقل يدركون حقيقة وجوهر العمل السياسي في الإسلام، بل جُلُّ من يقوم بذلك يتبنون العمل السياسي وفق مفاهيم الغرب ووفق مقاييسه وتصوراته عن الحياة. فالغرب يحكم العالم حاليًا بمبدئه الرأسمالي ونظامه الديمقراطي، وهذا النظام له طريقة خاصة في ممارسة السياسة وفهم خاص للشأن السياسي.
ولتبسيط الأمر، والاستفادة منه لأكبر قدر من الناس سنجري مقارنة بسيطة بين الفهم السياسي الإسلامي والفهم السياسي الرأسمالي. فأهل الشام الذين قاموا بثورة عارمة لإسقاط نظام الإجرام النصيري العلماني وتغييره وإقامة نظام عادل يحكم بما أنزل الله؛ رأى الجميع النظرةَ الإسلامية الداعمة من قبل جميع المسلمين لهذه الثورة جماعات وأفرادًا كونهم يعلمون أن هذا النظام ليس من صميم عقيدتهم الإسلامية ومحاربٌ فعلي للإسلام. وغاب عن أذهان الغالبية العظمى من المسلمين كيفية تحقيق ذلك، وما الطريقة الناجعة لانتصار الثورة وإسقاط النظام وإقامة حكم الإسلام. وفي الجانب الآخر رأى الجميع النظرة الرأسمالية الديمقراطية المعادية لهذه الثورة دولًا ومنظمات، وكيف استعملت الدول كل الأساليب القذرة لإجهاض هذه الثورة ومنعها من الوصول لهدفها في إسقاط النظام العلماني في سوريا والذي هو من جنس النظام الدولي. وهنا علينا أن نفهم السبب الذي دفع المسلمين لتأييد الثورة ودفع جميع الدول القائمة في العالم لمعاداتها؟ لقد كانت ثورةُ الشام بادئ الأمر ثورةً على ظلم استفحل ولم يعد بالإمكان السكوت عنه، ومع طول أمد الثورة واستمرارها وتبلور أفكارها وأهدافها، ومن أهمها أن علينا إسقاط هذا النظام واستبدال نظام الإسلام به، أدركت المنظومة الدولية أن هذه الثورة خطر على مبدأها ومنظومتها الفكرية والسياسية بالكامل وفي كل العالم، وذلك لإدراكها الفعلي لحقيقة مبدأ الإسلام. ولا علاقة للجماعات المسلحة التي تشكلت وخرجت من رحم الثورة بهذا العداء، بل إن بعض هذه الجماعات كان لهذه الدول اليد الطولى في إنشائها ودعمها ولاحقًا وصمها بالإرهاب ومحاربتها، لأن فكرة أن يحكم الإسلام تعتبر خطًا أحمر عند أصحاب القرار الغربي لا يمكن تجاوزه، وهم الذين يعلمون جيدًا كم كلفهم هدم دولة الإسلام (الخلافة العثمانية) من جهود عشرات ومئات السنوات، ودماء عظيمة وأموال كثيرة.
إن الغرب الكافر يعرف جيدًا أن الثورة التي خرج بها المسلمون في الشام وغيرها في بداية هذا العقد هي لتغيير المنظومة القائمة في العالم وإحلال نظام الإسلام محلها، ولذلك رأينا هذا التآمر من جميع الدول القريبة والبعيدة، وحتى من ظن الناس بها خيرًا كتركيا بدأ مسؤولوها مؤخرًا يصرحون تصريحات توحي بأن علاقتهم مع نظام أسد لن تمكث وقتًا كبيرًا حتى تخرج للعلن، وأن المهمة التي أناطها المجتمع الدولي المحارب للثورة السورية بتركيا قد اقتربت من نهايتها، وأن النظام التركي قد نجح نجاحًا باهرًا في تضليل المسلمين وإجهاض تحركهم لقلع النظام العلماني الطاغوتي في سوريا.
إن النظرة السياسية الإسلامية تأمرنا كمسلمين بالخروج على كافة الأنظمة التي صنعها الاستعمار في كافة بلاد المسلمين وإسقاطها وتحطيمها وتكسير أضلاعها، وقطع يد الغرب عن التحكم بذرّة من قرار المسلمين وبلادهم لأنهم أعداء محاربون، هم من نصّبوا المجرمين حكامًا، وهم من حاربوا الله ودينه وعقيدته ونظامه في الأرض. لذلك كانت الزاوية التي يجب أن ينظر منها المسلمون في الشام وغيرها هي أن إقامة دين الله بإقامة دولة الخلافة الراشدة هي فرض وفرض عظيم بل تاج الفروض؛ وأن على المسلمين أن يخلعوا ثوب الذل الذي ألبسهم إياه أعداؤهم، فالحرب كانت وما زالت على الإسلام والمسلمين وهذه الحرب لا حلول وسطًا فيها! ولئن قبِل المسلمون بالحل الوسط فإن أعداء الإسلام لا يقبلون: (وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ). وأن علينا أن نخوض هذه الحرب على كافة المستويات، الفكرية والسياسية والعسكرية، مستعينين فقط بالله ومعتمدين على أنفسنا حتى يرضى عنا الله فينزل علينا نصره وتمكينه.
لكن الإشكالية التي ما زالت تمنع المسلمين من خوض هذا المعترك في الحقيقة نابعةٌ من عدم فهم الإسلام فهمًا دقيقًا يدفعهم لذلك، ومن أساسات هذا هذا الفهم أن نظام الحكم في الإسلام ليس له شبيه بكل الأنظمة الحالية، وهذا يتطلب من حملة الدعوة لإقامة الدولة الإسلامية أن يبذلوا مزيدًا من الوسع لشرح حقيقة وطبيعة نظام الحكم في الإسلام للمسلمين، وتبيان الفرق بين عقيدة ونظام المبدأ الرأسمالي المطبق على المسلمين في كل بلادهم، وعقيدة ونظام الإسلام الذي يجب عليهم تطبيقه لنيل السعادة في الدارين (وسنفرد لذلك مقالات أخرى تبين الفرق بين كلا النظامين وطريقة تطبيقهم في الحياة بإذن الله)، كما أن عليهم -أي حملة الدعوة- شرح وتبيان حقيقة النظرة السياسية الإسلامية والزاوية التي يجب أن ينظروا منها إلى العالم وهي حمل الإسلام وتبليغه إلى الناس كافة، ولا يكون ذلك إلا في ظل دولة إسلامية، خلافة راشدة على منهاج النبوة، وعد الله سبحانه وتعالى وبشرى رسوله ﷺ: (ثُمَّ تَكُوُنُ خِلَافَةٌ عَلَىْ مِنْهَاجِ النُبُوَة).
للمكتب الإعلامي لحزب التحرير ولاية سوريا
أحمد معاز
- التفاصيل
بينما كانت السماء تنضح ماؤها وسيارتي تسير ببطء لثقل حملها ووعورة الطريق أشار إليَّ لأتوقف! كان شابًا في العقد الثاني من العمر، أخفى معظم وجهه ولكن من نبرة صوته تستطيع أن تُقدّر عمره، أثّر فيه البرد وطول الوقوف على الحاجز، فالشاب من ملاك الشرطة المدنية في جنديرس، ألقى عليّ التحية وطالبني بمهمة للسيارة (إذن تحرُّك). فأجبته بأني لا أملك ما يطلب وأبديت له استغرابي، فلم يُطالبني أحد بمهمة وأنا أقطن هذه المنطقة منذ عدة شهور! فقال لي: إنها أوامر المجلس المحلي في جنديرس. حاولت التعرف على الشاب فلهجته قريبة من لهجتي، من أين أنت يا ابن أخي؟ سكت لبرهة ثم قال: من الحسكة، من قبيلة الجبور. هل هذا ما قطعت كل هذه المسافة لأجله يا ابن أخي؟ تقف على الحاجز لتطالب المارة بالمهمة؟! هزّ رأسه، إنّه المجلس المحلي الذي يصدر مثل هكذا أوامر من أجل أن يُغطي مصاريف موظفيه ومن أجل السرقة، ونحن نقف هنا ويعطونا الفُتات. ثم قال: تفضل يا عم "عوجا".
وصلت إلى بيتي وقد أنهكني التعب، فما كنت أقطعه في نصف ساعة أصبحت اليوم أقطعه بثلاث ساعات بسبب قطع الطريق بين أطمة ودير بلوط. فالمسافة بين القريتين لا تتجاوز ثلاثة كيلو مترات وأنا أسكن بجانب قرية دير بلوط، فيكون زمن رحلتي من وإلى دير بلوط - أطمة نصف ساعة على الأكثر، ولكن أجبرتنا الفصائل اليوم على قطع ما يقارب الستين كيلو مترًا ومواجهة ما بها من عقبات.
تذكرت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه البخاري عن خبَّابِ بن الأرتِّ قال: "شكَوْنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسِّدٌ بردةً له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصرُ لنا، ألا تدعو الله لنا، قال: «كان الرجلُ في من قبلكم يُحفَرُ له في الأرض، فيُجعل فيه، فيُجاء بالمنشار، فيُوضَع على رأسِه، فيُشقُّ باثنتين، وما يصدُّه ذلك عن دينِه، ويُمشَط بأمشاطِ الحديد ما دون لحمِه من عَظْم أو عصَب، وما يصدُّه ذلك عن دينِه، والله ليُتمنَّ هذا الأمرَ حتى يسيرَ الراكبُ من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا اللهَ أو الذئبَ على غنمِه، ولكنكم تستعجلون». نلاحظ كيف بشر النبي أصحابه رضوان الله عليهم بأن الله سيفرج عنهم كل ما هم فيه من ضيق، وسيكونون أعزةً من بعد ذل، وأغنياء من بعد فقر، ويأمنون من بعد خوف، وتتمثل هذه البشرى بالطريق الواصل بين صنعاء وحضرموت والذي يبلغ طوله (775) كم. وكان هذا الطريق من أخطر الطرق لانتشار اللصوص وقطاع الطرق والوحوش الضارية، علاوة على ما انتشر عنها من الأساطير مثل أن الجان تسكن على جوانبها! فكان قطع هذه الطريق يكاد يكون مستحيلًا. فقول النبي عليه الصلاة والسلام لخباب: "حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه" هو بمنزلة المستحيل الذي صوّره النبي بأنه سيكون ممكنًا.
تذكرت حديث رسول الله المذكور أعلاه، وتفكرت في الحالة التي أوصلتنا إليها الفصائل المرتبطة المأجورة من جعْل الممكن مستحيلًا! فمنذ مدة قصيرة فقط كانت منظمة آفاد AFAD التركية الداعم الرئيس لما يُسمّى جهاز الشرطة المدنية والمسؤولة عن تخديم مخيمَي دير باللوط والمحمدية لنازحي الغوطة تقوم بإصلاحات على الطريق الواصل بين دير بلوط وأطمة، ويستطيع المارَّة مشاهدة ما كانت تحضره آفاد على الطريق. فبعد زيادة عرض الطريق إلى الضعف وتغيير مساره بحيث يمر من الجهة الشرقية لقرية دير بلوط دون المرور بداخلها، وتجهيز ساحات على جانبي الطريق من الشرق والغرب تدل على تجهيز نقاط تفتيش أو ما شابه، لم يكن أحد يظن أن هذه الطريق سيقطع، ولكن وبعد الحراك الشعبي الرافض لاتفاق سوتشي وبند فتح الطرقات الدولية جاءت هذه الإجراءات من أجل الضغط على القاعدة الشعبية لتمرير هذا الاتفاق المشؤوم.
فأيّ عمالة وأي خيانة هذه التي جعلت من ثلاثة كيلو مترات تكون مستحيلة العبور كاستحالة السفر من صنعاء إلى حضرموت في الجاهلية؟! فبينما كان يسير الراكب في عام 2014 من القامشلي شرقًا إلى درعا غربًا، وبعد أن كانت سيطرة الثورة على ما يقارب 80% من أرض سورية أصبح الحال اليوم -بسبب الذمم الرخيصة والمال السياسي القذر وعدم وجود قيادة سياسية مخلصة تقود الثورة إلى إسقاط النظام وإقامة حكم الإسلام- أن تقلصت مناطق سيطرة الثوار إلى 20% من أرض سوريا وعليها تدور الصراعات الفصائلية المقيتة التي تزيد من معاناة الناس وتبعدهم عن عدوهم الحقيقي نظام أسد وأعوانه.
وبعد أن كان الراكب يسير في كل المناطق المحررة آمنًا مطمئنًا كما سار المسلمون من صنعاء إلى حضرموت بعد تحقيق بشرى النبي صلى الله عليه وسلم، وضعت الفصائل كل أنواع المخاطر على الطرقات! فمن الحواجز الأمنية إلى مراكز الجباية وسرقة الأموال إلى وعورة الطريق، وكل ذلك للتضييق على الناس وكسر إرادتهم. ولك أن تتخيل ما على الطريق من عقبات عندما تعلم أنك تحتاج ثلاث ساعات لتجتاز مسافة 60 كم!
أحمد عبد الجواد