- التفاصيل
إن من الحقائق التي لا خلاف عليها والتي اتفق عليها جميع الناس بمختلف أعراقهم ولغاتهم وطبائعهم وأصبحت من المسلّمات أنه لا يمكن أن يكون هناك دولة أو جيش أو كيان أو جماعة إلا بقيادة وهذه القيادة هي التي تسيّر أمورها. ومهما علت وارتقت فهي لا تخرج عن أحد أمرين؛ إما قيادة تقود مَن خلفها إلى النجاح وبرّ الأمان، وإما أن تقودهم إلى الفشل والهلاك.
ونضرب مثالين من سيرة نبينا عليه ﷺ على ذلك:
وصل خبر لأبي جهل وهو زعيم قريش وقائدها من أبي سفيان قائد القافلة أن رسول الله وجيشه خرجوا يترصدون قافلتهم التي فيها أموالهم وتجارتهم وهي قادمة من الشام، فجمعوا جيشا قوامه ألفاً أو يزيد وأرادوا الخروج لحماية القافلة. وبعد وقت قصير أرسل أبو سفيان أنه ذهب بالقافلة تجاه طريق الساحل وأصبح في مأمن، ومع ذلك أصر أبو جهل على خروجه لملاقاة جيش المسلمين فجاء إليه عتبة بن ربيعة وهو من القادة في قريش فقال له ولقومه: دعوا محمدا وما يدعو فإن ساد فملكه ملككم وعزه عزكم، وإن يخلص إليه العرب فهو ما تريدونه، وهذه قافلتنا وأموالنا عادت إلينا، اعصبوها برأسي وقولوا جبن عتبة، فرفض أبو جهل وتعنت ولم يأخذ بنصيحته. وكان ظنه أن يقضي على النبي ﷺ ودعوته.
تحرك جيش مكة بقيادة أبي جهل وخرج معه عتبة الذي كان منذ قليل يقدّم النصيحة لأبي جهل بعدم الخروج، ولكن حال هؤلاء القادة كحال حكام المسلمين اليوم فهم فاشلون؛ همُّهم سمعتهم ومكانتهم وما يملأ بطونهم، فحربهم لدعوة النبي ﷺ في أساسها ودوافعها لأنها تضر بمصالحهم وتجارتهم، فهم أول المستفيدين من بقاء النظام كما هو ولا يريدون أن تذهب القيادة لغيرهم. وسار الجيش حيث أرض المعركة ولأبي جهل دعوة مشهورة تدل على الفشل والحمق وقمة التهور والاستهتار حيث قال: "إن كنا نقاتل محمدا فنحن الغالبون وإن كنا نقاتل الله فليس لأحد بالله طاقة... اللهم من كان على الباطل فاحنه الغداة"، يريد أن يسمع قومه بهذا الدعاء ليضللهم ويبعدهم عن الحق ويذهب بمشاعرهم تجاه ما يريد. وهو يعلم أنه على الباطل وأن محمدا على الحق، وكانت النتيجة نصرا ساحقا للمسلمين، وهزيمة منكرة لقريش وكان مقتل قادة قريش في هذه المعركة عدا القتلى في صفوف جيشهم نتيجة غباء القيادة واستهتارها وعدم حرصها وتحملها للمسؤولية وتكبرها ومعاندتها للحق.
هذا مثال على القيادة الفاشلة.
وأما القيادة الناجحة والتي تفكر باستنارة ووعي وتحرص على من معها ومن خلفها من الأرواح والأعراض والممتلكات، فهي قيادة النبي ﷺ لفتح مكة. فقد أغلق المدينة على كل خارج منها لكتم خروجه وحشد المقاتلين وأعدّهم وكتم خبر وجهته التي يريدها. وسار في طريق يخالف طريق مكة والتف بجيشه وغير وجهته حتى حار الصحابة بأمر المكان الذي يقصده ﷺ. حتى مكة لم تعلم بجيش المسلمين إلا وهو على أعتابها ولم يعد ينفعها شيء أو يسعها الوقت للإعداد فقد فات الأوان.
ودخل جيش المسلمين مكة فاتحا بأقصر جهد ووقت وبأقل التكاليف، ولم يحدث أي قتال أو مقاومة من أهل مكة تذكر، فقد أسقط في أيديهم. فهذه هي القيادة الناجحة والتي تمثلت بقيادة النبي ﷺ فقد أدت تكتيكات القيادة إلى فتح مكة وإسلام أهلها.
هذه القيادة بشقيها تسمى في المصطلحات العصرية القيادة السياسية فهي التي تحرك العسكريين وهي التي تسوس شؤون من خلفها وترعى أحوالهم وتدير مصالحهم وهي التي تخطط وتتكتك لصلاح من خلفها ومن اتخذها قيادة. ونحن الآن في ثورة الشام بل وفي كل مكان أحوج ما نكون لقيادة سياسية ناجحة تتقي الله وتقود العسكريين والمدنيين وتقود الثورة إلى بر الأمان. ولسنا بحاجة لقيادة سياسية مصنّعة على أيدي الغرب كالائتلاف العلماني وهيئة التفاوض وما تفرع عنهما من حكومة مؤقتة وإنقاذ تسير بأمر الداعم وتحقق مصالحه وتقودنا لهلاكنا والقضاء على ثورتنا.
يا أهلنا في الشام: إن الخصال التي يجب أن تحملها القيادة السياسية والتي لا بد لكم أن تجلبوها وتضعوها محل قيادتكم الحالية التي أوردتكم المهالك وفرطت بالثوابت، ولا يهمها عذابكم ولا شدة الظلم المطبق عليكم، إنما هي خصال ثلاث:
أولا: أن تكون صاحبة مشروع واضح وصريح منبثق من عقيدة الأمة تقدمه لها وتدعو جميع شرائح المجتمع لحمل هذا المشروع والعمل لإنجازه، ولا يخفي أفرادها وجوههم أو أفكارهم أو مطالبهم، أو يتلونون لخداعكم وتضليلكم وحرفكم عن هدف ثورتكم، وأن يسيروا معكم في حلكم وترحالكم ويجري عليهم ما يجري عليكم.
ثانيا: أن تكون هذه القيادة من أبنائكم الذين تعرفونهم وتعلمون مواقفهم وصدقهم وقد جربتموهم طوال أيام هذه الثورة، فلم يُفتنوا بمال أو بسلطان أو يطيعوا داعما أو يُزيفوا حقيقة أو يَسفكوا دما أو يبيعوا تضحياتكم. أصحاب وعي وفهم وإلمام بالسياسة الدولية وما يتخللها من أحداث في الداخل والخارج، وأن يكونوا أصحاب مبدأ ملتزمين بأحكام الإسلام لا يحيدون عنها مهما كلف ذلك.
ثالثا: أن لا تكون لهم صلات بأي دولة صديقة أو عدوة داعمة أو محاربة ولا يقبلوا أي دعم أو إعانة من أحد إلا منكم ومن أهلهم دون قيد أو شرط وأن يسيّروا أمورهم وأموركم بحسب أحكام الإسلام فلا يقبلوا أو يرفضوا أي أمر أو يتنازلوا عن أي أمر أو يعقدوا هدنة أو صفقة أو أي قضية إلا ضمن ما يقرّه الشرع، وما دون ذلك فالواقع معلوم والمآل معروف.
وما خاب ولا خسر من تعلق بحبل الله فهو حبل النجاة وهو الفرج بعد الكرب والضيق وهو البوصلة في التيه والضياع والعاقبة للمتقين.
بقلم: الأستاذ نور الدين الحوراني
جريدة الراية: https://bit.ly/3A6mqVM
- التفاصيل
نظمت مظاهرات واعتصامات أمام النقاط التركية في بلدات معترم وتفتناز والمسطومة طالبت بفتح الجبهات وانتقدت صمت النظام التركي على المجازر، وكان محتجون مدنيون قطعوا الطرقات الرئيسية في بلدات وقرى جبل الزاوية من خلال حرق الإطارات، الخميس، مطالبين الضامن التركي والفصائل بوقف قصف النظام وروسيا على مدنهم وبلداتهم. هذا واستهجن رئيس لجنة الاتصالات المركزية لحزب التحرير/ ولاية سوريا الأستاذ عبد الحميد عبد الحميد، خروج بعض أهل الشام مطالبين تركيا بالقيام بدورها كاملاً. وكتب على حسابه الرسمي في موقع فيسبوك متسائلا: هل يعقل أنهم فعلاً لا يعلمون ما هو دور هذا (الضامن)، وما إذا كان يقوم بدوره كاملاً أم لا؟! ولفت عبد الحميد إلى أن اتفاقات أستانة نصت على ضرورة وقف إطلاق النار بين النظام المجرم من جهة والثائرين عليه من جهة أخرى، فقد نصت تلك الاتفاقيات على أن يضمن الروس التزام النظام بوقف إطلاق النار على المناطق المحررة، وأن يضمن الأتراك التزام الثوار بوقف إطلاق النار على النظام. ومن ذلك الوقت سمي الطرفان الروسي والتركي بـ(الضامن)، لأن كلاً منهما يضمن التزام الطرف الحليف له بوقف إطلاق النار على الطرف الآخر وعدم الهجوم على مناطقه. وأشار عبد الحميد إلى: أنه من وقتها وإلى الآن و(الضامن) الروسي لا يقوم بدوره الذي تعهد بالقيام به، بل يقوم بنفسه مع النظام بقصف مناطق الثائرين وقضمها بالتدريج، بينما يقوم (الضامن) التركي بدوره كاملاً، ويمنع الفصائل العسكرية التي سيطر على قرارها بمنع إطلاق النار على النظام، إلا ما ندر. وختم عبد الحميد موضحا: أن هذا سبب تسمية التركي بـ(الضامن)، أي الذي يضمن أمام النظام وروسيا وأمريكا ألا تطلق الفصائل العسكرية النار على النظام. وهذا ما هو حاصل فعلاً، حيث إن (الضامن) التركي يقوم بدوره على أكمل وجه، وقد نجح فيه أيما نجاح.. ثم بعد ذلك كله يخرج علينا من يطالبه بالقيام بدوره كاملاً!
جريدة الراية: https://bit.ly/2UZN0AS
- التفاصيل
نظم شباب حزب التحرير في ولاية سوريا وقفة بعنوان: "إلى أهلنا في درعا؛ سلاحكم عرضكم فحذار أن تسلموه"، وذلك في مدينة الأتارب بريف حلب الغربي عقب صلاة الجمعة، وحمل المشاركون في الوقفة لافتات، حذروا فيها أهل درعا، من تسليم السلاح للنظام المجرم، مؤكدين أن معركتنا مع النظام هي معركة حياة أو موت، بالتزامن نظموا وقفة احتجاجية، في قرية السحارة بريف حلب الغربي، بعنوان: "اعتقال المخلصين وتجريد الناس من السلاح من خطوات إنهاء الثورة"، وحمل المشاركون في الوقفة لافتات أكدوا فيها، على أن اعتقال حملة الدعوة، هو ظلم وإجرام، كما طالبوا أهل حوران بعدم تسليم السلاح للنظام المجرم، وفي السياق، أصدر ثلة من أهالي المحرر بيانا رفضوا فيه ظلم النظام، وظلم هيئة تحرير الشام.
جريدة الراية: https://bit.ly/3wOavdn
- التفاصيل
انتهت الحرب؟ انتهت الثورة؟ انتصر أهل الشام أم النظام المجرم ومجتمعه الدولي؟ ألم يخفت هدير البراميل المتفجرة؟ ألم تعلن مجنزرات العسكر المجرمة هدنتها؟
إذاً نحن في مرحلة جديدة ننفض فيها عن رؤوسنا غبار الردم ونتطلع لإعمار سوريا المستقبل ونبحث فيها عن بقايا حياة كريمة لم يتركوها لنا!!
تمهل رويداً! فالحرب في أوج قوتها اليوم على أهل الشام. ليست حرب صواريخ ومدفعيات أو تقدم عسكر ومليشيات، بل هي حرب سياسية نفسية لجأ إليها أعداء الأمة عندما ثبت فشلهم وتأكدت هزيمتهم في الحرب العسكرية مع أبطال الشام ومجاهديها برغم ضعف عتادهم وقلة عددهم إلا أنهم أرعبوا ملة الكفر بإقدامهم وعزمهم في الغوطة وحمص واللطامنة وحلب ومعرة النعمان ودرعا، ولا زالت الأخيرة مصدر قلق يقض مضاجعهم إلى هذه الساعة.
علموا أن قوة الشام ليست إلا بمضاء أفئدتهم بالإيمان، فعملوا على إكسابهم العجز وتعليمهم الوهن، وأعلنوا عليهم حرباً خفية تقتل بلا صوت وتذبح بلا دم وتُميت أرواح الناس وقلوبهم مع سلامة أجسادهم.
لا يعي على هذه الحرب إلا من تبصر بحقائق الإيمان وعمل بها ولا يواجهها المؤمن ابتداءً بسيف أو بندقية بل بعقيدة راسخة أولاً ومبادرة لإعلاء كلمة الله ثانياً، ثم هو في طريقه اتخذ بوصلة الحكم الشرعي الذي يرشده إلى مرضاة الله تعالى.
أرادوا في حربهم هذه أن يطبقوا على أهل الشام نظرية مارتن سيلجمان أو ما تسمى بنظرية العجز المتعلَّم والمكتسب.
اكتشف هذه الظاهرة عالم النفس الأمريكي مارتن سليجمان (ولد عام 1942) في ستينات القرن الماضي عن طريق الصدفة، إذ أحضر بضعة كلاب ربطها كي لا تهرب ووضع أمامها مصباحا كلما استنار صعقهم تيار كهربائي مؤلم، وذلك بقصد تعليم الكلاب الهرب كلما استنار أمامهم المصباح لاحقا. بعد ذلك وضع الكلاب بدون رباط في ما يشبه القفص به جانبان أحدهما به تيار كهربائي والآخر بدون تيار فكان ينير المصباح معلما الكلب أن الصعقة قادمة بقصد الهرب للجهة الأخرى الآمنة، ولكن هذا لم يحدث إذ إن الكلب كان ينبطح أرضا في استسلام تام كلما رأى المصباح يستنير ويبدأ بالأنين من آلام الصعقة الكهربائية منتظرا زوالها. استغرب سليجمان واستنتج حينها أن الكلاب لم تحاول أبدا الهرب رغم أن الحل موجود أمامها وما عليها إلا الخطو خطوة واحدة للتخلص من الآلام، إذاً فالكلاب تعلمت العجز!
جرب سيلجمان نظريته على مجموعة من البشر بأسلوب الألغاز والضجيج والاستنتاج ذاته.
نعم هذا ما يريدون تجربته وتطبيقه علينا؛ نظرية سيلجمان وإكساب العجز وتعليم الوهن، وأدوات تجربتهم هي الفصائل والضامنون والمال السياسي القذر والمنظمات غير الإنسانية والإعلام ومسخ الحكومات (المؤقتة والإنقاذ) وأسد المجرم ومشايخ اليأس والتحبيط، كل ذلك وأكثر ليكسروا عزيمة أهل الشام، ولكن بالمقابل فإن حقائق الإيمان تدحض هذه النظرية وأدواتها ونتائجها، فقد قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً﴾
وكما يقول الحافظ المفسر عكرمة فإنها نزلت لما كان قتال أُحد، وأصابَ المسلمين ما أصاب، صعد النبيّ ﷺ الجبل، فجاء أبو سفيان فقال: "يا محمد، ألا تخرج؟ ألا تخرج؟ الحرب سِجَال، يوم لنا ويوم لكم". فقال رسول الله ﷺ لأصحابه: أجيبوه. فقالوا: "لا سواء، لا سواء، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار". فقال أبو سفيان: "عُزَّى لنا ولا عُزَّى لكم"، فقال رسول الله ﷺ: قولوا له: "الله مولانا ولا مولى لكم". قال أبو سفيان: "أُعْلُ هُبَل، أُعْل هبل"! فقال رسول الله ﷺ: قولوا له: "الله أعلى وأجل".
هل لاحظت كيف أن أبا سفيان يريد ضرب الروح المعنوية عند الصحابة بمثل نظرية سيلجمان وكيف أن الرسول ﷺ يضرب كلامه ويرد عليه بحقائق الإيمان؟
فاثبتوا يا أهل الشام وأغيظوا العدا بالتزامكم بالإيمان واستأسدوا بجهاد الظالمين ولا يقعدنكم عن نصرة الحق اتفاقيات سياسية ولا هدن خبيثة، لا تتنازلوا عن هدفكم بإسقاط النظام المجرم بكافة رموزه وأركانه حتى تكللوا نصركم بالتمكين لدين رب العالمين.
﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾
بقلم: الأستاذ أحمد حاج محمد
جريدة الراية: https://bit.ly/3iAOIkh
- التفاصيل
ما زالت ثورة الشام تتلقى الضربات العنيفة من (الصديق) قبل العدو، وما زال النظام السوري المجرم ربيب أمريكا يتفنن في إجرامه بحق شعب أبيّ خرج يطلب العزة والكرامة، وما زالت روسيا تقصف المناطق المحررة وترتكب المجازر بحق من شردتهم من أهل الشام، وما زالت إيران الطائفية تمارس حقدها وكراهيتها على شعب مسلم مسالم شهد له القاصي والداني بطيبته، فجاءت بمليشياتها الطائفية المعبأة بالحقد لتُسكنهم مكان هذا الشعب، بينما لا زالت تركيا تمارس أقذر الأدوار في ثورة الشام، هذا الدور الذي سيبقى بقعة سوداء في وجه أردوغان، الذي كلفته أمريكا باحتواء الثورة وحرفها عن أهدافها، ففعل بالثورة ما لم يفعله أعداؤها، وهو مستمر في تطويع الثوار لقرارات المجتمع الدولي والأمم المتحدة.
ورغم أن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الذي صاغته أمريكا لحفظ نفوذها ومصالحها في سوريا، وتعمل مع الجميع من دول ومنظمات دولية على تطبيقه وفرضه على أهل الشام بغرض إجهاض ثورتهم، إلا أنهم لا يطبقون قرارهم هذا رغم إجحافه بحق الثوار وأهلهم، بل يكشف يوماً بعد يوم أنه أحد الألهيات التي يلهون بها البسطاء ودراويش السياسة بينما يصدرونها للرأي العام بذريعة حماية الأمن والسلم الدوليين.
إن قرار مجلس الأمن رقم 2254 الذي تبناه المجلس بالإجماع بتاريخ 18 كانون الأول/ديسمبر 2015 والذي تطالب إحدى فقراته بأن تتخذ جميع الأطراف كل الخطوات الملائمة لحماية المدنيين، بمن فيهم أفراد الجماعات العرقية والدينية والمذهبية، إلا أن هذا القرار لم ينفذه النظام وحلفاؤه روسيا وإيران رغم موافقة المعارضة عليه والتزامها به، ورغم التزام الفصائل وآخرهم هيئة تحرير الشام بمضمون القرار وعدم فتحهم للمعارك على النظام، إلا أن النظام وحلفاءه ما زالوا مستمرين في عدوانهم ومجازرهم بحق أهل الشام، وآخرها مجزرة جبل الزاوية ومجزرة عفرين، إلا إن كان المقصود بالقرار جزءاً من الشعب وليس كله! كحاضنة النظام مثلاً، التي لم يعتدِ عليها أحد، ما يفسر أن القرار وضع كي تلتزم به الدول في تعاملها مع النظام وليس لحماية المدنيين.
كما أن القرار 2254 يتضمن دفع المعارضة والنظام إلى الانصهار في بوتقة واحدة وإنشاء هيئة حكم انتقالية جامعة تخوَّل سلطات تنفيذية كاملة، وتعتمد في تشكيلها على الموافقة المتبادلة، مع كفالة استمرارية المؤسسات الحكومية، ومع أن المعارضة وافقت ونفذت كل ما هو مطلوب منها رغم تحفظ الثورة على ذلك، إلا أن المجتمع الدولي لم يقدم للمعارضة أي شيء بل يريد منها أن تكون مجرد ديكور لإعادة إنتاج النظام، بل ويتم التعامل مع الثورة على أنها إرهاب وتطرف، وهذا لن يضير الثورة وثوارها لأن أهدافهم مشروعة في إسقاط النظام المجرم الذي لم يتعرض له القرار ولو بشبه إدانة صغيرة رغم جرائمه التي وثقتها الدول والمنظمات وأجهزة الإعلام، بل لم يتم التطرق إلى المليشيات الطائفية التي شكلها النظام واستوردها من إيران وأفغانستان وباكستان تحت نظر المجتمع الدولي إن لم يكن بدفع منه.
القرار الدولي 2254 يدعو ممثلي الحكومة السورية والمعارضة إلى الدخول على وجه السرعة في مفاوضات رسمية بشأن عملية انتقال سياسي، مستهدفا أوائل كانون الثاني/يناير 2016 كموعد لبدء المحادثات، عملا ببيان جنيف وتماشياً مع بيان الفريق الدولي المؤرخ 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2015، بهدف التوصل إلى تسوية سياسية دائمة للأزمة، ومع ذلك وفي السنة نفسها تتم مهاجمة مدينة حلب وقصفها وتدميرها وتشريد أهلها والتآمر عليها مع من يدّعون صداقة الثورة لإعادتها لأحضان النظام المجرم، بل كان المبعوث الأممي دي ميستورا مشاركاً فاعلاً في عملية استعادة حلب من الثوار وتبرّع يومها بمرافقة المشردين للخروج من المدينة، فأين التزم مجلس الأمن ومن خلفه الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بقراراتهم المجحفة؟!
إن العالم أصبح يعلم حقيقة الأمم المتحدة ومجلس أمنها وأنها أدوات تنفذ مخططات أمريكا وقراراتها التي تقف حائلا أمام إسقاط النظام، فهي من تتهم الثورة بالإرهاب لأنها ترفض الانصياع لمصالحها، وهي من استجلبت جيوش الدول الإقليمية والكبرى لمواجهة الثورة بذريعة محاربة الإرهاب، وهي من جندت المليشيات الطائفية لمحاربة الشعب السوري الرافض لنظامها المجرم والمطالب بإسقاطه، وهي من كلفت قطر والسعودية وتركيا بأخذ دور صديق الثورة لاحتواء ثوارها وحرفهم عن طريق ثورتهم، بل وشحن مقاتلي الثورة خارج البلاد لخدمة مصالح أمريكا في ليبيا وأذربيجان.
من يطالب بتنفيذ القرار الدولي هو أحد اثنين: إما أنه يحسن النية بالأمم المتحدة ومجلس ضباع المجتمع الدولي، ولم يقرأ مضمون القرار وإذا قرأه لم يفهمه، وإما أنه عميل رخيص ينفذ أجندات الدول على حساب تضحيات الملايين من أهل الشام، فالقرار 2254 يعترف بالنظام وشرعيته كما يعترف بالمعارضة ويتهم الثورة وفصائلها بالإرهاب والتطرف دون التطرق للمليشيات الطائفية الإيرانية المستوردة من شتى بقاع الأرض للدفاع عن نظام ساقط شعبياً، لكن أمريكا تتمسك به وترفض الاعتراف بالثورة وحقها في تقرير مصير البلاد، بل تشكل التحالفات الدولية لمحاربة الثورة.
لقد كانت الاتفاقيات والقرارات الدولية سبباً في تراجع الثورة وانحسارها على الأرض لعدم وعي الثوار على حقيقة العصابة الدولية وحقيقة أهدافها، فوقعوا في الفخاخ التي نصبها لهم الغرب الكافر عبر منظماته الدولية وشعاراتها الإنسانية، والدول الإقليمية وعلى رأسها تركيا التي خذلت أهل الشام وخدعتهم وتبين أنها مكلفة من العصابة الدولية باحتواء الثوار الذين كانوا يظنون أن تركيا حليفهم فإذا بها تسلم ما حرروه بدماء شهدائهم لألد أعدائهم.
القرار 2254 ستنفذه أمريكا بعد القضاء على الأنفاس الثورية وليس فقط القضاء على الثورة، هذا ما تمكره وتعمل له عبر أدواتها، ولكن أهل الشام سيكون لهم رأي آخر قريباً، عندما ينهضون مجدداً لاستكمال ما بدؤوه، فيزيلوا كل الآثار الخارجية والدخيلة على الثورة ويطيحوا بكل عميل ومرتزق تسلق إلى قيادة ثورة عظيمة كثورة الشام؛ ليبدأ بعدها العمل الجاد لإسقاط النظام رغماً عن أمريكا وأدواتها.
ثورة الشام المباركة كشفت حقيقة النظام الدولي الإجرامي وأنه يقف مع الطغاة المجرمين ويساندهم، خلافاً لكل شعاراته عن حقوق الإنسان والحرية، والحضارة والديمقراطية، والتمدن والتنوير، الذي ما هو إلا ظلام وظلمات يريدون للمسلمين أن يغرقوا فيها، ولكننا نحن المسلمين نهضنا للتغيير ولن نقبل بأن نعود للخلف فالثورة مستمرة ماضية في طريقها، تتعثر نعم لكن سرعان ما تستوعب الدروس لتنهض من جديد لتبدد الظلام فتكون مشعل نور يضيء للبشرية وليس للمسلمين فقط طريقها نحو التحرير الذي ينهي عصور الانحطاط والظلمات، فنعود كما كنا خير أمة أخرجت للناس ولتعود الأمة الإسلامية كسابق عهدها تحمل رسالة الإسلام رحمة للعالمين فتخرج الناس من الظلمات إلى النور قريباً بإذن الله.
=====
كتبه: الأستاذ أحمد معاز
جريدة الراية: https://bit.ly/3i4TbLO