- التفاصيل
إن ثورة الشام تعيش مرحلة خطيرة من عمر الثورة، فقد وصلت بها الحال إلى درجة التآمر المفضوح، والكيد المكشوف، فلم يعد النظام التركي يخفي وجهه وراء تصريحات جذابة، ولا كلمات براقة، ولا خطبٍ رنانة، بل أصبح يصف تسليمه حلب للنظام المجرم، بأنه عمل ناجح وصفقة رابحة، وبعد أن أنجبت العلاقة بين النظام التركي والروسي اتفاقاً لوقف إطلاق النار بين النظام والمعارضة، قام النظام كعادته، حيث لا عهد له ولا ذمة، قام بخرق ما عُرف بالهدنة، وهذا الخرق تمثل باستمراره بالمعارك على منطقة وادي بردى، وكذلك حاول أن يشدد حصاره على منطقة محجة في ريف درعا، وكذلك فإن القصف لم يتوقف عن عدة مناطق متفرقة، يُضاف إلى ذلك ما قام به التحالف الدولي من استهداف عدة مقرات لجبهة فتح الشام، وقيامه بمجزرتين في مناطق سيطرة تنظيم الدولة.
كل هذا يؤكد أن ثورة الشام هي الكاشفة الفاضحة، ولم يقتصر كشفها على أعداء الأمة المتربصين بها، الواضحين في عداوتهم، بل كشفت أيضاً من يدعي صداقتها ونصرتها، فها هو النظام التركي يكشف عن وجهه ويسفر عن وقوفه في صفِّ أعداء الأمة، وكذلك فقد كشف الغطاء عن قيادات الفصائل التي غرقت بمالها السياسي، هذه القيادات التي لم ترعوِ عن استمرارها في غي الهدن و المفاوضات فهي تأمن جانب النظام المجرم، بعد تجريبهم له في عدة هدن سابقة، وها هو حتى في الهدنة الأخيرة، لم يلتزم ببنودٍ ولا بشروط، بل ظهر لهم أن ما وقعوا عليه من بنود تختلف عما وقع عليه النظام المجرم، ورغم ذلك لم نشهد تصريحاً بإلغاء الهدنة والرجوع عنها، علاوة على أن القبول بفكرة الهدن والمفاوضات يُعد انتحاراً سياسياً للثورة، ووقوفاً بها في منتصف الطريق، بل الحقيقة أن الهدن هي الخطوة الأولى بالعودة عن ثورة الشام والارتماء فيما بات يُعرف بحضن الوطن الأسدي.
إن المدقق في وقف إطلاق النار الأخير يُدرك أنه أحد خطوات الحل السياسي الأمريكي، والتي سعت له أمريكا منذ انطلاقة ثورة الشام، وذلك بهدف الحفاظ على نظام أسد العميل لها، ولم يكن دخول روسيا إلى سوريا، لتخريب خطط أمريكا أو إفشالها بل جاء تدخل روسيا المجرمة لإتمام عملية الحل السياسي؛ فقد صرح بوتين أكثر من مرة منذ دخوله سوريا وأكد أن الهدف هو الوصول لحل سياسي، وهذه الأيام جاء إعلان روسيا البدء بسحب قواتها من سوريا فقد أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يوم الجمعة، بصفته القائد العام الأعلى للقوات المسلحة الروسية، ببدء عملية تقليص قوات بلاده في سوريا، وأعلنت رئاسة الأركان العامة الروسية سحب حاملة الطائرات "الأميرال كوزنيتسوف"، وطراد "بطرس الأكبر"، ومجموعة السفن المرافقة لهما من منطقة تمركزهما قبالة الساحل السوري. وهذا يؤكد أن حربهم على (الإرهاب) يقصدون بها ثورة الشام، وما إن وُضعت اللمسات الأولى للحل السياسي حتى بدأت روسيا بسحب قواتها، أو الإعلان عن سحب قواتها.
فإذا كانت أمريكا هي من يسعى للحل السياسي في سوريا، وهي التي استخدمت حلفاءها وأدواتها لتحقيق هذا الحل، فالسؤال الذي يُطرح الآن، هل حقاً تمكنت أمريكا من ثورة الشام؟، وهل أهل الشام اليوم ينتظرون ما سيؤول إليه مؤتمر الأستانة؟ للإجابة على هذا السؤال يجب أن نعلم أولاً أن صراع أمريكا مع أهل الشام مرّ في خطوات كثيرة أثبت فيها أهل الشام أنهم لن يُمكنوا أمريكا من بلادهم من جديد، وأثبتت كذلك أن أمريكا اضطرت لفضح أدواتها وعملائها أمام ثبات أهل الشام، وقد تمكنت فعلاً من شراء ذمم كثير من قادة الفصائل، إلا أن ثورة الشام اليوم تقف أمام تحدٍّ عظيم وعليها أن تُثبت أنها ثورة أمة لا ثورة فصائل متناثرة، والواجب اليوم يقع على عاتق أهل الشام بأن يستعيدوا سلطانهم المسلوب من هذه الفصائل، ويتخذوا قرارهم بعيداً عن إملاءات الداعمين، وتوجيهات الممولين، فأهل الشام يدركون أن الذي يفاوض عنهم وباسمهم لا يمثلهم، ولم يأخذ رأيهم ولا يهمه أن يأخذ رأيهم، لأنه يفاوض ويُهادن لتحقيق مصالحه ومصالح داعميه ومموليه.
هذا التحدي الذي يواجه الثورة اليوم يجب أخذه بقوة والعمل عليه بشكل جاد لقطع الطريق على كل من يعبث بهذه الثورة، أو يحاول النيل منها أو حتى المستفيد من استمرار هذه الثورة كتجار الدماء والأزمات، وهذا يكون بأن يقوم أهل الشام بتحديد ممثليهم لإسكات كل من يدعي تمثيل هذه الثورة، وقد رأينا كيف أن المجلس الوطني وبعده الائتلاف بعد أن تشكلا، كيف أنهما حاولا أن يؤكدا أنهما يمثلان الثورة، واليوم هيئة المفاوضات وقادة الفصائل التي ستفاوض في الأستانة، هل يمثلون أهل الشام؟ هل هناك من فوضهم؟ هل من أحد وكلهم أو أوكل إليهم التفاوض باسم أهل الشام؟، هذه الأسئلة جوابها واحد وهو أنه لا أحد من المفاوضين يمثل أهل الشام حقيقة، فهؤلاء لا يمثلون حتى أنفسهم، بل يمثلون إرادة داعميهم، فلم نر منهم يوماً موقفاً يخالف ما أرادته أمريكا، فكانوا أول المهرولين إلى مؤتمر الرياض، وكانوا المسارعين لعقد الهدن، والمصفقين للمفاوضات، فكيف يُؤتمن هؤلاء على ثورةٍ كثورة الشام؟!
إن المرحلة التي تمر بها الثورة اليوم تتطلب رجالاً لا يخشون في الله لومة لائم، ولا تغرهم دولارات أمريكا، ولا وعودها الزائفة، رجالاً يعيدون بوصلة الثورة نحو هدفها، فتسقط النظام وتقيم حكم الإسلام خلافة راشدة على منهاج النبوة، وبهذا تقطع يد الغرب الكافر وكل العابثين عن بلاد المسلمين.
كتبه لجريدة الراية: منير ناصر، عضو لمكتب الإعلامي لحزب التحرير - ولاية سوريا، بتاريخ الأربعاء 11 كاون الثاني\يناير 2017م
المصدر: http://bit.ly/2idvPCu
- التفاصيل
كان سقوط حلب المهين الخطوة الأولى للنظام التركي بعد أن أسفر عن وجهه القبيح الذي كان يغطيه بقناع من التصريحات الجميلة؛ واستكمالاً للدور الذي يلعبه لإجهاض ثورة الشام؛ سعى لإلزام قيادات الفصائل بالجلوس مع الروس الذين حصدت طائراتهم أرواح عشرات الآلاف؛ ودمرت البيوت وهجرت المسلمين من مدينتهم في ظروف قاسية، وانبثق عن هذا الاجتماع استدعاء النظام التركي لبعض قيادات الفصائل للتوقيع على مشروع قرار وقف إطلاق النار الذي جرى الاتفاق عليه بين تركيا و روسيا بتاريخ 29/12/2016م؛ تمهيداً لإجراء مفاوضات سياسية بين النظام السوري و المعارضة في "أستانة" عاصمة كازاخستان برعاية روسية تركية. ويتضمن هذا الاتفاق نقاطاً عدة بضمانة تركيا وروسيا في خطوة غريبة عجيبة، إذ كيف يكون القاتل ضامناً وكيف يكون الخصم حكماً، بل كيف يلتزم من لا عهد له بعهده؟!! وكيف يؤتمن من لا أمان له؟! والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ﴾. نعم لقد أرضوهم بأفواههم ولكن أبت قلوبهم، فبعد يوم واحد فقط من توقيع الاتفاق أكد طاغية الشام على التزامه بالقصف والتدمير ونقض العهد مثل كل مرة، فقصف وقتل المسلمين في الريف الغربي لمدينة دمشق وفي غوطتها وهذه عادة أعداء الله؛ وهذه حقيقتهم التي غفل أو تغافل عنها قادة الفصائل، والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ﴾، كما أكد قادة الفصائل من جانبهم على الالتزام بوقف القتال؛ واكتفوا بتعداد الخروقات التي لن يكون آخرها قصف مدينة الأتارب في ريف حلب الغربي صباح 1/1/2017م بالصواريخ الفراغية. وبعد التوقيع على الاتفاق خرجت علينا تصريحات متضاربة منها ما تقول بأن وقف إطلاق النار يشمل كل الفصائل وكل المناطق؛ وأخرى تستثني فتح الشام و الغوطة الشرقية من الاتفاق، وثالثة تؤكد أن نسخة الاتفاق التي وقعت عليها الفصائل مختلفة عن النسخة التي وقعها النظام، وما ذلك إلا لتسليط الضوء على تفاصيل الاتفاق وإشغال الناس بها؛ وصرف أنظارهم عن أصل الاتفاق الذي يعتبر استسلاماً وهزيمة؛ والذي قال عنه وزير خارجية النظام وليد المعلم "الاتفاق يعكس ثقة الدولة السورية والجيش والقوات المسلحة بالنصر على المعارضة"، فإن كانت قيادات الفصائل لا تعلم أن الغرب الكافر سيستثني فتح الشام فتلك مصيبة وإن كانت تعلم فالمصيبة أعظم لأنها ستضع المنطقة أمام اقتتال يدفع ثمنه أهل الشام مزيداً من الدماء ومزيداً من الأسى.
وبعد تقديم نسخة الاتفاق إلى مجلس الأمن انتهى المطاف بدعم مجلس الأمن لنسخة معدلة ليخرج بقرار يحمل الرقم 2336 الذي لم يتطرق لوجود استثناء فتح الشام من الاتفاق أو عدم استثنائها ويمهد لمحادثات تجري بين طاغية الشام وقيادات الفصائل في أستانة عاصمة كازاخستان في وقت لاحق ويؤكد القرار أن "الحل المستدام الوحيد للأزمة الحالية في سوريا، هو من خلال عملية سياسية شاملة وبقيادة سورية، استناداً إلى بيان جنيف في 30 حزيران/يونيو 2012م"، وقرارات مجلس الأمن والبيانات ذات الصلة الصادرة عن المجموعة الدولية لدعم سوريا وبتسهيل من الأمم المتحدة، ويتبين من القرار المدعوم من قبل مجلس الأمن أن ما ينفذ من اتفاقات بين طاغية الشام وقيادات الفصائل هو عين ما تريده أمريكا مهما حاولت هذه القيادات ادعاء التحفظ أو المراوغة سعياً منها لإيهام أهل الشام باستقلال سيادتها وامتلاك قراراتها، وهنا لا بد من الإشارة إلى أس المشكلة في المشروع الأمريكي وحلها السياسي، إذ يعتمد هذا الحل ويؤكد على علمانية الدولة التي تفصل الدين عن الحياة ضارباً عرض الحائط بعقيدة المسلمين التي توجب عليهم أن يكون نظام حياتهم منبثقاً عنها وتجعل نظام حكمهم نظاماً فريداً لا يشبه أي نظام ولا يشبهه أي نظام، قال تعالى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾، كما يؤكد الحل الأمريكي على المحافظة على أدوات الإجرام العسكرية والأمنية، كيف لا وهي الأداة الضامن لتحقيق مشروعها!
نعم إن أمريكا تحاول أن تخدع أهل الشام منذ بداية الثورة عن طريق تسليط الضوء على شخص طاغية الشام؛ فمرة تصرح بأنه يجب عليه أن يرحل ومرة تقول بأن لا حل في سوريا بدونه، لتوجد تصوراً عند أهل الشام أن ثورتهم انتصرت وذلك بعد أن تقوم بإزالته، والحقيقة أن المشكلة الأساسية ليست في شخص بشار فحسب، وإنما المشكلة الأساسية في النظام المطبق على المسلمين؛ فأي نظام لا تكون العقيدة الإسلامية مصدره الوحيد هو نظام شيطاني يؤدي إلى الشقاء وضنك العيش بغض النظر عن القائم عليه، فالله سبحانه وتعالى يقول: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾، هذا هو أس المشكلة وهذا أساسها فقضية أهل الشام ليست استبدال زيد بعمرو! وإنما القضية هي استبدال نظام رباني فيه السعادة والهناء بنظام جاهلي شيطاني مجرم فيه الضلال والشقاء قال تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾.
نعم لا شك أن الغرب يدرك هذه النقطة جيداً وسوف يقوم بإزالة شخص طاغية الشام ويعتبر إزالته نصراً للثورة، ولكن بعد أن يرتب أوراقه ويثبت أركان نظام حكمه العلماني فتعود أرض الشام إلى سابق عهدها مزرعة له بنواطير جديدة وهذا هو الخسران المبين.
كتبه لجريدة الراية: أحمد عبدالوهاب، رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير - ولاية سوريا، بتاريخ الأربعاء 4 كانون الثاني\يناير 2017م
المصدر: http://bit.ly/2hPK03J
- التفاصيل
أذاعت قناة العربية يوم الخميس الموافق 29/12/2016م في نشرتها الإخبارية خبرا مفاده عقد اتفاقية بين الفصائل المقاتلة في سوريا ومنها أحرار الشام وفتح الشام وغيرها - قرابة 13 فصيلاً -، وبين النظام المجرم وعلى أساس أن الوسيط هو روسيا. فكيف لهذه الفصائل أن تجري اتفاقاً كهذا؟! اتفاقاً نعته أقل ما يمكن أنه مخزٍ وعار ويجلب لصاحبة الخسران في الدنيا والآخرة؟! فهل هذا لصالحها ولصالح الأمة والإسلام ولصالح الثورة التي كان شعارها الأبرز هي لله هي لله؟ أم لصالح الدول التي تغدق عليها بالمال القذر ومن ورائها الغرب الحاقد؟
ونحن نعيش هذا الخبر لحظة بلحظة نعيشه وكلنا أمل بما تم إنجازه من انتصارات عظيمة انتصار تلو الآخر، فيفاجئنا هذا الحدث العظيم ويفجعنا باتفاق أقل ما يوصف باتفاق الضلال لأنه يضل صاحبه فيخزيه في الدنيا والآخرة، فكان ما كان من نهاية للجولة الأولى وللأسف هزيمة ثم اتفاق وانسحاب. فهل هذا ما عاهدتم الله عليه يا أيتها الفصائل؟ وهل هذا ما بعتم أنفسكم لله فاشترى منكم أنفسكم الزكية، فكان حقا وعدلا على الله أن يدخلكم الجنة؟ فأين تذهبون بهذه التضحيات الجسام؟ وأين تذهبون بالدماء الزكية؟ وأين تذهبون بأعراض المسلمات التي انتهكت وأين وأين...؟
هذا هو عملكم فهل كنتم مع الأمة أم عليها؟ فقد كنتم تتقاضون الأموال الوسخة وتستمعون لحكام تركيا والسعودية وقطر وأسيادهم من الغرب الكافر وعلى رأسهم أمريكا، فضلوا وأضلوكم عن الطريق السوي، فكيف ترجون منهم النصر وهم أعداؤكم؟ فهل يؤتمن الذئب على الغنم؟ كيف تعقلون؟! قال تعالى: ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ﴾ فكيف يرجى من الزبد المنفعة؟ فكيف تطلبون العون من العباد وتتركون رب العباد؟! هذا وقد نسيتم كلام ربكم وعدله من أن القوة لله جميعا فأين التقوى وأين الإيمان؟ وقد نسيتم كلام ربكم ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ﴾ ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ فما لكم كيف تحكمون؟؟ هذا وقد نسيتم فعل رسول الله في إقامته لدولة الإسلام فلم يكن في إقامتها خبث؛ فلم يتوسل أو يتطرق بحرام، بل كل فعل حلال في حلال؛ فلم يقم دولة الإسلام وفق شروط الكفار، فلا أمر إلا أمر الله العزيز، فقد رفض شروط قبيلة عامر بن صعصعة وكذلك قبيلة بني شيبان فكان فعله كله طيبا، فهل كان عملكم خبثا أو طيبا؟ وهل ما قمتم به كان مما أقر به الشرع أو حتى لصالح الأمة؟ أم جرما فوق جرم؟؟؟
إن ما قامت به هذه الدول العميلة من طعن لثورتكم كان بلاءً عظيما، فكنتم الخنجر الذي طعن هذه الثورة وذلك بتلقيكم الأموال والأوامر بعدم التحرك نحو دمشق وعدم السيطرة على الساحل وعدم التوحد وعدم الخروج من أراضيكم بحجة خشية الاستيلاء عليها من الغير، فكنتم حقا خبثا على طيب وسما في دسم سواء أكان هذا كله بعلمكم أم بجلهكم فهذه هي النتيجة، فهل كانت هذه التصرفات نابعة عن جهل سياسي؟! ولا أظن ذلك لأن حزب التحرير الرائد الذي لا يكذب أهله كان لكم الناصح الأمين وكذلك كان حريصا عليكم كل الحرص وكان معكم في كل حركة فينصحكم ويوجهكم للحل وللحق وبالحجة وبالدليل دون كلل ودون ملل وأنتم تعلمون من هو هذا الحزب العريق بالإسلام و السياسة فيكشف خطط وتآمر الغرب وعملائه، فكيف لكم أن تتجاهلوا هذا كله؟؟ وقد تجسد هذا بالخطب والمظاهرات والمنشورات واللقاءات معكم لينصحكم ولينبههكم ولكنكم كنتم سادرين في غيكم، أما ماذا كان العذر؟ حب المال فما عند عند الله أجمل وأعظم وأغنى فلا مقارنة بين ما عند الغني وعبد الغني، فأخذتم الأوامر من العملاء وجنيتم المال الوفير تحقيقا لشهواتكم فكانت هذه النتيجة معصية وراء معصية وحتما هزيمة وراء هزيمة حتى كان المزيد من قتل المدنيين وتشريد الآلاف والتدمير والرجوع للخلف، وهذا كله هو في ذمتكم وفي رقابكم تتحملون وزره يوم الحساب، فهل أنتم جاهزون لدفع الفاتورة فاتورة أخطائكم؟ استعدوا لذلك اليوم العظيم، وها هي دول الغرب روسيا وتركيا و أمريكا تعقد لكم وباسمكم الهدن والاتفاقيات والصلح لتدخلوا في حلقة جديدة من حلقات التآمر على الشام المبارك بفرض حل سياسي تريده أمريكا لعميلها القادم بدولة علمانية وبوجه آخر للنظام، فلمصلحة من هذا كله؟ ألم تتعظوا من الهدن والاتفاقيات السابقة التي كانت وبالا عليكم وعلى ثورتكم فالمؤمن لا يلدغ من جحر واحد مرتين فهل كانت هذه الاتفاقيات لصالح أهل الإسلام؟ أم لأعدائه؟ وماذا جنيتم أنتم؟ الأموال متاع قليل ثم تردون إلى الله أو مناصب موعدون بها في الحكم القادم فهل أنتم ضامنوها؟ وحتى لو ضمنتموها فكم ستتمتعون بها؟
لقد عقدتم صلحا واتفاقية مع العدو فيه العار والخزي وبشروط مذلة لصالح الكفر وها أنتم تخرجون من حلب الشهباء حلب الشهداء جارين أذيالكم ليفصلكم الغرب تحت مسمى معتدل وغير معتدل؛ فالذين بقوا في حلب هم (الإرهاب) وتركتموهم ليستفرد بهم النظام وكأنكم أصبحتم في مأمن، فها هي حدثت عمليات اغتيال لثلاثة قادة بعبوات تفجير في إدلب وهي المنطقة التي نزحتم إليها، فالأمان عند الله لا غير، وأذكركم وأذكر نفسي بقوله تعالى ﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا...﴾ فقد جاء في تفسير الطبري تفسير الآية: ذلك أن رسول الله ﷺ غزا غزوة تبوك فتخلف أبو لبابة وخمسة معه عن النبي ﷺ ثم إن أبا لبابة ورجلين معه تفكروا وندموا وأيقنوا بالهلكة وقالوا: نكون في الكن والطمأنينة مع النساء ورسول الله والمؤمنون معه في الجهاد؟ والله لنوثقن أنفسنا بالسواري فلا نطلقها حتى يكون رسول الله ﷺ هو يطلقنا ويعذرنا فانطلق أبو لبابة وأوثق نفسه ورجلان معه وبقي ثلاثة نفر لم يوثقوا أنفسهم فرجع رسول الله ﷺ من غزواته وكان طريقه في المسجد فمر عليهم فقال: من هؤلاء الموثقو أنفسهم بالسواري؟ فقالوا: هذا أبو لبابة وأصحاب له تخلفوا عن رسول الله ﷺ فعاهدوا الله أن لا يطلقوا أنفسهم حتى تكون أنت الذي تطلقهم وترضى عنهم وقد اعترفوا بذنوبهم فقال رسول الله ﷺ والله لا أطلقهم حتى أؤمر بإطلاقهم ولا أعذرهم حتى يكون الله هو يعذرهم وقد تخلفوا عني ورغبوا بأنفسهم عن غزو المسلمين وجهادهم فأنزل الله برحمته الآية فأطلقهم رسول الله ﷺ وعذرهم وتجاوز عنهم.
فيا أيتها الفصائل: فهل أنتم ممن تنطبق عليهم هذه الآية؟ فهل أنتم نادمون على ما حدث؟ فهل ربطتم أنفسكم بسواري المسجد ندما وحزنا على ما فرطتم في جنب الله؟ وهل تتحسرون في داخلكم وتناجون وتحدثون أنفسكم كيف نقعد مع القاعدين وإخواننا يقاتلون؟؟؟ وهل ستنتظرون رسول الله يفك قيدكم؟ فأنتم من قيدتم أنفسكم بقيد الذل والعار بهذه الاتفاقية التي تغضب الله ورسوله، فالله يغفر ويعفو لمن تاب وعزم على الإقلاع عن الذنب بل يبدل السيئات حسنات ﴿إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾.
يا أيتها الفصائل المقاتلة فليكن مما حدث لكم عبرة وعظة، فاتعظوا واربطوا أنفسكم بحبل الله لا بحبل الشيطان وأوبوا إلى الله ورسوله ندما وقربا وابتغاء التغيير قولا وفعلا بترك المال القذر والتوحد والتوجه للمخلصين فما زالت الفرصة سانحة ﴿وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾، وإلا الخزي والعار سيلحق بكم أيها القادة عاجلا أو آجلا.
وأنتم أيها الأتباع لماذا ترضون بأن تكون قيادتكم مأجورة؟ «لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فيهم إن لم يسمعوها» فتقولون قول الحق فتغيرون على قياداتكم وتأطرونهم على الحق أطرا وتقصرونهم على الحق قصرا. ألا تستنصرون لأعراضكم ولإخوانكم ولأرضكم؟ وهل في هذه الاتفاقيات خير للإسلام والمسلمين؟؟ وهل للغرب عهد أو ذمة؟ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ...﴾ فلتموتوا في أرض الشهباء أرض الشهداء؛ فموتة في طاعة الله خير من حياة في معصية الله، وكونوا مثل أبو لبابة وتوبوا إلى الله توبة نصوحاً وعودوا إلى الله وصفوا نياتكم وأزيلوا واغسلوا عملكم السيئ بالعمل الصالح الذي يرضى عنه ساكن السماء والأرض والله غفور رحيم، وإلا سلتفظكم الأمة كلفظ النواة والقيامة أشد وأنكى، فقوموا لله واستغفروه وانصحوا قياداتكم بهذا؛ بأن يقطعوا وصالهم مع العملاء وغيروا خططكم وتعاملاتكم، فإن لم ينتصحوا فغيروا قادتكم إلى من هو فيه الخير والصلاح لإحياء الأمة من جديد بقيادات مخلصة تخشى الله ورسوله واعتصموا مع المخلصين من الأمة والواعين على اثنين هما الإسلام والسياسة لكي لا تكونوا ضحايا جهل أو غباء سياسي أو عمالة يلقى بكم في مكان لا يحمد عقباه! هذا هو واقعكم، فهل ترضون أن تكونوا حجرا من أحجار المؤامرة على ثورتكم؟؟ أم تكونوا أسودا تقلبون الموازين وتكونون اللاعب الرئيسي في ساحة المعركة لصالح الإسلام ونصرة لله ورسوله ودولته القادمة دولة الخلافة الراشدة التي حان بزوغها؟ وإن غداً لناظره لقريب قال تعالى ﴿قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾.
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أبو أحمد العامري - صنعاء
المصدر: http://www.hizb-ut-tahrir.info/ar/index.php/sporadic-sections/articles/political/41396
- التفاصيل
إن هذه الأيام تذكرنا بأيام مضت علينا كانت أشد اسودادًا وأكثر صعوبة، ولكننا وقفنا على أقدامنا وتحدينا كل الصعوبات والعقبات واستعدنا مكانتنا واستحقينا رضا الله علينا ونصره وتمكينه. ليس ما يحدث هذه الأيام بجديد، فمنذ أن خلق الله الأرض ومن عليها، و الحق و الباطل في تنازع وجولات لا تنتهي إلا بانتهاء الخليقة. بل إن الملائكة قد قالتها قبل الخلق نفسه، حيث قال الله سبحانه وتعالى في كتابه: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾، فقد حكمت الملائكة على البشر بأنهم سوف يفسدون في الأرض ويخربون، والجواب كان واضحًا من الله بأنه يعلم ما لا يعلمون وهو الخبير. وتخبرنا غيرها من الآيات أن من الناس من سوف يستمع لمن رفض السجود لهم ويتبعون خطواته، وها نحن نرى كيف أن الشيطان وأولياءه من دون الله يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء، وليست أي دماء، بل دماء أولياء الله تعالى الذين نذروا أرواحهم من أجل أن يعلو الحق وأهله ويهزم الباطل وأهله، وقد قال الله سبحانه وتعالى عنهم في كتابه: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾، وهؤلاء المؤمنون الصادقون الذين أُخرجوا من أرضهم ودُمرت بيوتهم على رؤوسهم وانتُهكت أعراضهم على يد أعداء الدين وأعوان الشياطين، لم يخرجوا راضين مولّين، بل مغلوب على أمرهم مسلّمين حالهم لله تعالى، وذلك الرسول الكريم ﷺ قد أُخرج هو وأصحابه كارهون، قال تعالى في محكم التنزيل: ﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ﴾. وهذا الإخراج كان رغمًا عن بعض المؤمنين، ومنهم من خرج ذلًا وتفريطًا. فليس خروج المسلمين المستضعفين في حلب خروجَ متخاذلين، بل كان بفعل خيانة الخائنين وتفريط المفرطين. والغريب أنك عندما تخاطب من خان وتخاذل وفرط في أهله وأعراضه والشهداء يجادل ويناقش ويدافع وحتى يتّهمك بالجهل وعدم القدرة على التقييم الصحيح للواقع والارتكان للحديث السياسي الخالص! وهم يعلمون أنهم يكررون ما فعل من سبقهم في نفس الحال، الذين جاؤوا الرسول ﷺ يجادلونه، قال تعالى: ﴿يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ﴾. أليس هذا حالهم بل الأسوأ على مدار التاريخ كله؟! فقد اشتروا الضلالة بالهدى وباعوا دينهم بدنيا غيرهم وأوكلوا أمرهم لمن خانهم ويخونهم ليلاً نهاراً، أفبعد هذا الذنب ذنب؟!
لقد قال لهم حزب التحرير ما قال الحق وكلامه الحق، إن الأمر لا يكون إلا أحد أمرين؛ إما العزة لهذا الدين وتطبيقه وحمل رسالته للبشرية، وإما الذل والهوان لمن يسلك غير طريق الصواب، قال تعالى: ﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ﴾. هذا ما نستند إليه نحن من وعدٍ وعده الله إيانا والله مولانا، أما ما يعدكم الشيطان وأعوانه فهو الغرور، ولا يعدل شيئًا مما عند الله وأعده للصادقين المخلصين.
إن الأمور لا تسير كما يحب الظالمون، بل تسير حسب سنة الله في خلقه، التي لا تتغير ولا تتبدل، إنما تصدق بالحال وتظهر في الأحوال، قال تعالى: ﴿لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴾، والحق هو ما ندعو له، وهو تطبيق شرع الله واتخاذ طريقة الشرع في الوصول إلى ذلك، وسوف يظهر الله هذا الدين ولو كاد الكافرون، وسيظهر الحق ورجاله الصادقون. وقد بشر بهذا الله تعالى المخلصين - ونحسب أننا منهم - حين قال: ﴿وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾. أفبعد هذه الآيات التي أُنزلت من فوق سبع سماوات نرجو من غير الله ونسأل غيره عز وجل أن يعيننا وينصرنا على من عادانا وعادى الله ورسوله وشاقوا الناس وأفرطوا في الخذلان وباعوا ما قدمه الأبطال في سوق النخاسة بأرخص الأثمان؟! لا والله لستم منا، فأنتم اتخذتم الكافر صديقاً، أما من أراد بكم الخير وأخلصكم الرأي وأراد لكم عز الدنيا والآخرة فاتخذتموه عدوًا.
إن خطابنا هو خطاب الخالق الباري وليس الظالم الكافر، وقد حاججناكم بكتاب الله، وأنتم بما تصرحون به وتفعلون تشاقون الله ورسوله عليه الصلاة والسلام في هذا الأمر، قال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾. فالعقاب واقع على من يشاقق الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، فبأي وجه ستقفون أمام الله عندما يسألكم عن الأمانات التي فرطتم بها وحقوق العباد التي ضيعتموها ودنياكم التي أفسدتموها؟ ثوبوا إلى رشدكم وعودوا إلى خالقكم الذي خلقكم، وتذكروا قول رسول الله ﷺ: «يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي». فاستغفروا وتوبوا إلى الله قبل فوات الأوان واعلموا صديقكم من عدوكم ومن هم منكم ومن ليسوا منكم. إن حزب التحرير لكم ناصح أمين، وهو يعرض عليكم الصعود إلى سفينة النجاة لكم وللأمة التي تنظر إلى ثورتكم بلهفة وحب، فلا تضيعوها وتردوا ناصح الخير لكم، فالأمر جد لا هزل وحان وقت الفصل بين أهل الحق والباطل، فاختاروا فريقكم قبل أن لا يعود لكم فريق تنحازون إليه أو مأوى تلجئون إليه، فالأمة والمخلصون منها فيهم النجاة، والآخرون هم الهلاك لكم، فعودوا إلى الله تائبين صادقين مع أمتكم، وأمسكوا بيدي حزب التحرير حتى نسير معا على خُطا التمكين والنصر والعزة لهذا الدين، ونعيد دولتنا وحكم الشرع وعدل ربنا لتنعم به البشرية كلها. فهل أنتم مستجيبون أم إنكم تؤثرون الضلال على الهدى؟
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. ماهر صالح – أمريكا
المصدر: http://www.hizb-ut-tahrir.info/ar/index.php/sporadic-sections/articles/political/41457
- التفاصيل
لا ريب أن أمريكا هي رأس الكفر والعدو الأول للإسلام والمسلمين وهي صانعة الإرهاب ومنتجة الأفكار الشيطانية في حربها على الإسلام والمسلمين؛ فهي التي تقود دول الكفر وعملاءهم في تلك الحرب القذرة في العراق والشام وليبيا واليمن ومن قبل ذلك في الصومال وأفغانستان وباكستان وغيرها. وقد بانت قيادتها لحلفائها وعملائها والأتباع والأشياع بشكل واضح في حربها المسعورة على ثورة الأمة في الشام رغم نفاقها السياسي بأنها مع الثورة لخديعة الثوار فيسقطوا في حبالها. فهي التي تدير المعركة فتنتج أفكارها وتنوع أساليبها وتوزع أدوارها؛ فقد أوكلت لروسيا وإيران وحزبها في لبنان مهمة إجهاض الثورة منذ انطلاقتها في 2011م. كما أوكلت مهمة حرف مسارها مع بقاء الطاغية في السلطة إلى تركيا والسعودية وغيرها، وكل فريق ينفذ المهمة المطلوبة منه كما رسمتها أمريكا. فقامت إيران وأحزابها ونظام الطاغية بأبشع أنواع القتل والتدمير وبمختلف أنواع الأسلحة المتطورة والفتاكة و البراميل المتفجرة فأوقعوا المجازر الرهيبة في مختلف المدن السورية فقتلوا مئات الآلاف وشردوا الملايين إلا أنهم عجزوا عن كسر إرادة أهل الشام وإجهاض ثورتهم، بل وأصبحوا في مأزق فتساقطت مدن كبيرة في يد الثوار كحلب وإدلب وغيرها. فسلطت أمريكا حليفتها روسيا على أهل الشام لإنقاذ الطاغية والمحافظة عليه من السقوط فكانت حرب روسيا الهمجية الوحشية التي تنتهج سياسة الأرض المحروقة، فظنت أن قوتها كفيلة بالقضاء على الثورة في شهور قليلة لكنها فشلت رغم وحشية حربها على الشام الذي كشف عن مخزونها الهائل من الحقد الدفين على الإسلام والمسلمين وهلعها الشديد من عودة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فشنت تلك الحرب التي أهلكت الحرث والنسل ومع ذلك فقد فشلت وأصبحت في مأزق، وكذلك أمريكا أصبحت هي الأخرى في مأزق لاعتمادها على روسيا في إجهاض الثورة ففشلت وأصبحت الثورة عصية على أمريكا وروسيا والأشياع والأتباع.
ولما كانت حلب قلعة الثورة في الشمال السوري وحصنها الشامخ وأمريكا تدرك أن بقاءها بيد الثوار يشكل خطراً على نجاح المفاوضات التي تنفذ أمريكا من خلالها الحلول التي تريدها ليبقى النفوذ الأمريكي هو السائد في بلاد الشام، كان نجاح الفصائل في حلب قبل أشهر في كسر الحصار الذي فرضه نظام الطاغية وإيران وأشياعها بدعمهم من روسيا بالغطاء الجوي فدب الرعب في قلوب الكفار والعملاء والمنافقين فشنوا حرب إبادة على حلب، ومع ذلك لم يستطيعوا كسر إرادة أهلها واصطدموا بصمودهم وثباتهم منقطع النظير. فأوعزت أمريكا لخادمها الغبي بوتين وعميلها المنافق أردوغان بالاجتماع في بطرسبورغ الروسية للاتفاق بينهما على تسليم حلب للطاغية المجرم بشار ومليشيات إيران لتهلك الحرث والنسل وتعيث فيها فساداً. فقام أردوغان بتنفيذ تلك الخطة الخبيثة و المؤامرة الدنيئة حسب الاتفاق فقام بدور زعيم المنافقين في المدينة المنورة عبد الله بن أبي الذي سحب ثلث الجيش في غزوة أحد فضعفت شوكة المسلمين وبمخالفة الرماة لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم حلت بهم الهزيمة بعد النصر المؤزر في بداية المعركة. وهكذا فعل أردوغان فقد سحب أكثر من ثلث المقاتلين في حلب في مسرحية درع الفرات إلى جرابلس والباب بحجة قتال الأكراد ثم الانسحاب والتراجع إلى الوراء من بعض الفصائل بأوامره، فكان التخذيل والارتباك فسقطت حلب بفعل خيانته وتآمره مع صديقه عدو الله الملحد بوتين لتسقط في قبضة الطاغية وإيران، فكانت مجازرهم التي تشيب لها الرؤوس وتنفطر لها القلوب. فجريمة أردوغان في حق أهل حلب الشهباء أشد أثراً من جرائم الطاغية وإيران و روسيا التي رغم بشاعتها وهمجيتها وحقدها لم تستطيع كسر إرادة أهلها، أما أردوغان الذي أصبح النفاق سجية من سجاياه فقد كانت مؤامرته عليهم وخيانته لهم هي سبب نكبتهم وسقوط مدينتهم في قبضة المجرمين. إلا أن سقوطها كشف زيف الأقنغة التي أخفى أردوغان خلفها وجهه القبيح. فثورة الشام أسقطت أقنعة المنافقين و العملاء والخونة والمجرمين والمتسلقين. كما كشف سقوط حلب أن الركون إلى الكفار وعملائهم والقبول بحلولهم هو انتحار سياسي، فهو سم زعاف وشر محض وتثبيت للطاغية الذي ولغ في دما ء المسلمين بحقد فريد من نوعه.
إن سقوط حلب ليس نهاية للثورة المباركة بل هو بداية لتصحيح مسارها ليميز الله الخبيث من الطيب والعميل من المخلص والكاذب من الصادق والمنافق من المؤمن والخائن من الأمين. فيأتي نصر الله لعباده المؤمنين المخلصين الصادقين وإن كان عددهم قليلاً، قال تعالى: ﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾.
ونقول لأهلنا في الشام: لقد ضربتم بصبركم وتضحياتكم وثباتكم أروع الأمثلة في تاريخ الأمة كلها وأثبتم بحق أنكم أنصار الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة القادمة قريبا بإذن الله، وإن بلادكم هي بحق عقر دار الإسلام وعقر دار الخلافة، فنسأل الله أن يتغمد الشهداء الأبرار بواسع رحمته وأن يسكنهم الفردوس الأعلى في الجنة. إن توحد الكتائب المخلصة تحت قيادة سياسية واحدة واعية هو سفينة النجاة من الوقوع في شباك الكفار ومصائدهم ومكرهم ومخططاتهم ومؤامراتهم فتمسكوا بثوابت ثورتكم المباركة الثلاثة:
1- إسقاط النظام بكافة أشكاله ورموزه
2- رفض الدولة المدنية العلمانية
3- إقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة
واعلموا أن النصر من عند الله وحده وارفضوا حلول الكفار ومشاريعهم ولا تضعوا أيديكم في يد عملائهم المجرمين كأردوغان و آل سعود وغيرهم، ولا تأخذوا مالهم السياسي القذر فهو المنزلق الذي به سقطت حلب. واعلموا أن النصر صبر ساعة وأن الخلافة قائمة؛ فالشام لن تبقى معقلاً للعلمانية بل ستكون قلعة الخلافة وحصنها الشامخ وعقر دارها؛ فهي عمود الكتاب وأرض المحشر والمنشر، وهي عصمة المؤمنين في زمن الفتن، وبها فسطاط المسلمين، وهي صفوة الله من أرضه، وهي مهبط عيسى عليه السلام، وهي غنيمة الإسلام، وبها يهلك الدجال. يا أهل الشام يا أبدال الأنبياء وخير الأتقياء، يا أهل طوبى: أنتم الطائفة المنصورة وصفوة الله من عباده وأنتم في كفالته، وأنتم جند الله في الملاحم، وأنتم طليعة هذه الأمة لإعادة خلافة الراشدين وتحقيق النصر المبين. والله غالب على أمره... وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون...
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
شايف صالح – اليمن
المصدر: http://www.hizb-ut-tahrir.info/ar/index.php/sporadic-sections/articles/political/41380