press

حملة لا لجريمة الحل السياسي نعم لإسقاط النظام وإقامة الخلافة

banner

art110216

إن الناظر إلى حال الأمة اليوم تتقطع نياط قلبه ألماً وحسرة لما لحق بها من انكسار وتشتت وتمزق وضعف، وكيف لا يتقطع القلب ألماً وهو يرى الأمة وقد توالت عليها النكبات وأثقلتها الجراحات وأقعدتها عن السير العثرات، وهانت من ضعفها حتى تجرأ عليها من تجرأ من الدول والشعوب وتداعت عليها الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها لا من قلة، ولكنها غثاء كغثاء السيل.

 

اليوم نحن أمة ضعفت بعد قوة وتعثرت في سيرها بعد مجد وسؤدد، ولا غرابة في هذا؛ فإن الأمم تمر بدورات بين مد وجزر، صعود وهبوط، ويمكن أن تتعثر مرحلياً فلكل حصان كبوة، ولكن العجيب الغريب أن هذه الأمة تبدو وكأنها لا ترغب في النهوض من عثرتها ولا تريد أن تفارق ضعفها إلى القوة، وكأنها أدمنت الضعف والانكسار، كما وصف حالها أحد الشعراء بقوله: 

 

كساها الذل ثوبا بربريا :..: وتبرق في نواظرها الزيوف

وتسرح كالشياه بكل أرض :..: وحول حما مذلتها تطوف

فلا راعٍ له رايات حزم :..: تُرص له الفيالق والصفوف

 

لم يكفِ الأمة اليوم ما حل بها من المصائب والنكبات وذلك لأخذها شرعاً لا يمت لعقيدتها بصلة، ونمطاً في العيش يتناقض مع فكرتها الكلية عن الكون والإنسان والحياة بعيداً عن أفكارها التي توجد لديها المفاهيم التي تنعكس على سلوكها، بل لقد تعدت ذلك بكثير، فها هم حكام المسلمين اليوم يتنصلون لأحكام الإسلام جهاراً نهاراً بدون قليل من حياءٍ أو خجل، تنصلوا لأحكام الإسلام في الجانب السياسي بأن استبدلوا بنظام الخلافة الأنظمة الجمهورية و الديمقراطية و الدولة المدنية، و الفدرالية وغيرها، كما فعلوا الشيء نفسه في بقية الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، بل ويناضلون من أجلها باذلين الغالي والنفيس من الدماء والأموال وحتى الأعراض!!

 

ألم يفكر المسلمون من الأحق بطلب رضاه والخشية منه، الله الخالق البارئ المدبر أم الغرب الكافر، ألم يقرأوا قوله تعالى: ﴿أَتَخْشَوْنَهُمْ ۚ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: 13]؟

 

لقد وصل الحال بحكام المسلمين والنافذين في كل بلد من بلاد المسلمين إلى تقديم الخدمة للغرب الكافر في تشويه صورة الإسلام وذلك بلصق تهمة الإرهاب به برغم معرفتهم بمن يصنع الإرهاب ومن يصدره ويدعمه، وما المسلمون الذين ينقادون لجماعات مخترقة غير واعية أو غير مخلصة إلا أدوات لتنفيذ هذه المخططات الهدامة مقابل مصالحٍ دنيوية زائلة نتيجة جهل مطبقٍ عن أحكام وأنظمة الإسلام وذلك لغياب كيانه التنفيذي وهي الدولة.

 

إن التشويه لنظام الحكم في الإسلام، الخلافة على منهاج النبوة متعمد، وذلك لثني عزيمة المخلصين العاملين لإقامة دولتها التي ترعى شؤون الرعية بأحكام الإسلام، وتثبيطاً لهمم المسلمين للرضى بالواقع السيئ، لتظل الأمة تحت رحمة أعدائها وعملائهم، ومن ضمن هذا التشويه المتعمد ما أوردته صحيفة اليمن اليوم اليومية الصادرة في اليمن يوم الأحد في عددها رقم (1282) بتاريخ 7 شباط/فبراير 2016م تحت عنوان "القاعدة في الجنوب: الخلافة المؤجلة" نقلاً عن صحيفة الأخبار اللبنانية، والتي نسبت كل أعمال القاعدة والإخوان في اليمن، وكذلك أعمال تنظيم الدولة في العراق وسوريا لدولة الخلافة التي لم توجد بعد، أملاً من هؤلاء وأمثالهم في إلصاق الإرهاب بالإسلام، وتشويه صورة دولة الخلافة في عقول الناس كخطةٍ استباقيةٍ لقيام دولة الخلافة على منهاج النبوة.

 

إن دولة الخلافة الإسلامية هي نظام الحكم في الشريعة الإسلامية الذي يقوم على بيعة قائد مسلم على الدولة الإسلامية ليحكمها بالشريعة الإسلامية. وسميت بالخلافة لأن الخليفة هو قائدهم وهو من يخلف محمداً رسول الله في الإسلام لتولي قيادة المسلمين والدولة الإسلامية، وعليه فإن غاية الخلافة هي تطبيق أحكام الإسلام وتنفيذها، وحمل رسالته إلى العالم بالدعوة و الجهاد.

 

وللعلم فإن ما تقوم به الأحزاب و التنظيمات والجماعات التي تنتسب إلى الإسلام من أعمال مادية متمثلة في قتل الأبرياء وتفجير المساجد والأماكن العامة وغير ذلك، كل هذه الأعمال لا تمت للإسلام كدين ولا للخلافة كنظام حكم بصلة، وإنما تشوه صورة الإسلام خدمةً لأعداء الأمة، فالقتال الدائر بين المسلمين هو نتيجة صراع دولي بين دول الكفر على ثروات المسلمين، ولإذلال المسلمين وتركيعهم للرضا بحلول الغرب ومعالجاته التي لا تمت لعقيدة المسلمين بصلة، وذلك لتبقى بلدان المسلمين ممزقةً مبعثرة لا تجتمع تحت رايةٍ ودولةٍ واحدة، ولكن أنى لهم ذلك، فوعد الله قائم وبشرى رسوله آتية بإذنه تعالى، متى ما استحق المسلمون النصر، وذلك مربوط بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد: 7].

 

فمهما عمل أعداء الله وعملاؤهم من محاولات لإطفاء نور الله في الأرض فستبوء بالفشل وسيتحقق وعد الله بإذنه تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [النور: 55]. وقال تعالى: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ [الصف: 8 – 9]. وستتحقق بشرى رسوله ﷺ حيث يقول: «... ثم تكون خلافة على منهاج النبوة».

 

وخلاصة القول: إن كل ما يحدث في بلاد المسلمين، يهدف به الغرب الماسك بخيوط اللعبة بين أهل كل بلد يشهد أحداثاً مأساوية، وذلك للوصول بهم إلى الرضا والاستسلام والقبول بحلوله التي لا تخدم إلا مصالحه فقط.

 

وفي الحقيقة لا لوم عليه بل اللوم علينا لأننا أخذنا أفكاره وطبقنا أنظمته وقوانينه وتركنا نظام ديننا الرباني، وستبقى بلاد المسلمين ساحات حروب، دماء وأموال وأعراض المسلمين وقودها، إلى أن يرجع المسلمون رجوعاً صحيحاً لدينهم، ويقيموا دولتهم التي تطبق عليهم أحكام وأنظمة عقيدتهم، وتحمل دينهم لغيرهم رسالة نور وهداية، عند ذلك تتحقق لهم العزة والتمكين ورضوان ربهم.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

عبد الله القاضي

عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية اليمن

2 جمادى الأولى 1437هـ
1116م

المصدر: http://www.hizb-ut-tahrir.info/ar/index.php/sporadic-sections/articles/political/35450


art090216

بدأت ثورة الشام سلمية، وبقيت سلمية حتى اضطر الناس إلى حمل السلاح دفاعا عن أنفسهم وأبنائهم وأعراضهم أمام جبروت ردة فعل بشار وكلابه على سلمية ثورتهم. ولعل كل الناس يعلمون كم عانى أهل الشام من الظلم منذ عقود سواء في عهد حافظ الأسد أو في عهد ابنه، أو حتى في عهد من قبلهما، فقد أذاقوا البلاد والعباد مرارة الذل و العبودية، ناهيك عن نشر كل رذيلة، ومثل هذا وأكثر يجري في بقية بلاد المسلمين، فهو عمل ممنهج ومدبر بليل من قبل الكفار المستعمرين الذين قد يختلفون على كل شيء، إلا أنهم يتفقون تماما على محاربة الإسلام والمسلمين، وعلى منع إقامة الخلافة التي تجمعهم وتحمي بيضتهم، ولذا نجد الكفار قد عملوا على سرقة وحرف مسار الثورات في بلاد المسلمين كلها بطرق خبيثة، ومغلفة بريش النعام، وعندما حاولوا ذلك مع ثورة الشام، وتدخل سفيرا أمريكا وبريطانيا لاحتواء تفاقم الثورة، ورفعها لشعارات لم تعتَد عليها ثورات المسلمين السابقة سواء في مصر أو ليبيا أو تونس، حيث كانت شعارات ثورة الشام وأسماء الجُمَع فيها توحي بمشروع إسلامي يقف وراء الثورة، يحتضنها ويزودها بالغذاء العقدي والفكري؛ لتبقى على صفائها ونقائها وسلميتها، لأن المفكر السياسي يعلم علم اليقين أن سلمية الثورة أقوى من عسكرتها حتى لو سالت دماء الكثيرين من المدنيين فيها، ولكن الكفر وعملاءه عملوا على التقتيل البشع، والاعتقالات المفضية للعسكرة الحتمية، فبدأ أفراد من الجيش بالانشقاق سواء بشكل منظم ومتعمد، أو بشكل عفوي، فحصلت العسكرة على حساب السلمية التي غالبًا ما يكون نجاحها مؤكداً وقصير الأجل، وذلك بسبب عدم قدرة النظام على الصمود أمام السلمية والعمل الفكري العقائدي السياسي الذي يفصل الحاكم عن قوته الطبيعة وهو الشعب والأمة. فكانت العسكرة، فقتل النظام ودمر كل ما استطاع.


ولما ضعف نظام بشار أمدته أميركا بحزب إيران وبعض البلطجية المنظمة من العراق، ولما فشلوا أوعزت لإيران فتدخلت بقوة الدولة، والمستشارين السياسيين، ومع ذلك فشلوا وتكبدوا الكثير من الخسائر المادية والقتلى من القيادات العسكرية، وعندما فشلت إيران جاء التدخل الروسي المحوسب والمبرمج بالاتفاق مع أمريكا حيث سبقه اجتماعات مكثفة بين وزيري خارجية الدولتين، وقد صرح كيري وزير الخارجية الأمريكي إبان ذلك أن محادثات جرت مدتها سبع عشرة ساعة مع لافروف وزير الخارجية الروسي. وها هو القصف الروسي يتعدى الشهور بحقد صليبي بشع، لا يفرق بين مدني ومقاتل، وكل ذلك لإخضاع الثوار وحاضنتهم الشعبية للدخول في مفاوضات جنيف3، وإرغامهم على التوقيع على ما تريده أمريكا. تأخر عقد المؤتمر، رغم كل الضغوط، وموافقة بعض قيادات الثوار الداخلية، والهيئات السياسية الخارجية على شروط راعي مؤتمر جنيف، إلا أن الأمر ازداد تعقيدًا، وما ذلك إلا بسبب الرفض الداخلي من الحاضنة الشعبية وقواعد الثوار المخلصين، فكل الناس يعلمون أن ما يقال في الخارج من القيادات لا يقال في الداخل، وأنه غير مقبول بل هو مرفوض رفضًا باتًا، ذلك أن الثورة منذ اندلاعها قد صرحت بشعاراتها المنبثقة من عقيدة أهل الشام من مثل: "ما لنا غيرك يا الله" و"هي لله، هي لله" وإلا لكان انحراف الثورة أمرًا سهلاً وميسورًا، وخصوصًا بعد التدخل الروسي، والقصف المكثف والبشع والقوي.


وخلال كتابة هذه السطور وردت تسريبات عن وزير خارجية أمريكا أن الأشهر الثلاثة القادمة ستكون حاسمة حيث أفاد: "إن القصف الروسي الأسوأ لم يأتِ بعد"، وتوعد أن إفشال مؤتمر جنيف سيكون له عواقب وخيمة، وأعلنت السعودية وبالتعاون مع الأردن عن استعداها للتدخل البري، وما كل ذلك إلا للقلق من استمرار الفشل وتعقيد الأمور مما يفضي إلى عسكرة المنطقة بأسرها وتفلت بعض عناصر جيوشها، ورفضهم للأوامر العسكرية من قياداتهم، ومثال ذلك حادثة مركز تدريب الموقر في الأردن وقتل الأمريكان، وكذلك حادثة رفض الطيار الصمادي الأردني زيارة يهود ولو بمهمة تدريبية، ناهيك عن الإحالة على التقاعد للكثير الكثير ممن حولهم بسبب إخلاصهم، هذا هو حال الأمة الإسلامية بكل أطيافها، ولذلك نرى الفشل يتلوه الفشل لكل مؤتمرات الكفر لإفشال الثورة وحرفها عن الهدف الأصيل ومطلب الحاضنة الشعبية بضرورة تحكيم الشريعة الإسلامية وإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، واجتثاث الكفر من الشام، وهذا يفهم منه بطبيعة الحال توحيد بلاد المسلمين وطرد الكافر المستعمر من بلادهم.


مما تقدم نستخلص معنى التساؤل الآتي: في ثورة الشام هل القوة لروسيا و أمريكا أم للرأي العام..؟! وعليه نستخلص أن البطش لا يمكنه أن يجتث فكرة نمت وترعرعت وملكت على الناس نفوسهم وعقولهم، فالقوة العسكرية تصرع قوة مثلها، لكنها لا تصرع فكرة، لذا فالفكرة التي استندت إليها ثورة الشام هي تحكيم الإسلام وإقامة دولة الإسلام، وقد أصبحت مشروعًا ومطلبًا لقواعد الثوار والحاضنة الشعبية، وهي للعلم ليست فكرة نشأت إبان الثورة فقط، بل هي سابقة لها بعقود، حيث إن العاملين المخلصين من المسلمين لإيجاد هذه الفكرة في واقع الدولة و المجتمع لم يغادروا سوريا منذ أكثر من خمسة عقود، ورغم التعذيب الذي أفضى بكثير منهم إلى الشهادة في سجون الظالمين وتحت وطأة سياط جلاوزتهم، والذين حفظ بعضهم رقمه ونسي اسمه، لطول ما مكثوا في السجون بلا محاكمات لا عادلة ولا حتى ظالمة، ولذلك كانت هذه الأفكار كامنة ساكنة للقلوب تنتظر فرصة لتعبر عن نفسها، وحين بدأت ثورة الشام انطلق أهلها ملبين ومضحين بالغالي والنفيس، ومضحين كما ضحى أسلافهم من المسلمين الأولين، فضربوا أروع الأمثلة في التضحية و الفداء، ورفضوا حتى مجرد التفكير بالهجرة لدول الجوار، أو الهروب إلى أوروبا التي فتحت أبوابها مستغلة حاجة الكثيرين، وظلم ذوي القربى من أنظمة دول الجوار، وما زال الثوار رغم كل ما دفع من المال السياسي القذر وشراء لبعض القيادات الرخيصة، إلا أنهم صابرون وثابتون على مشروع الثورة ومطلبها ألا وهو تحكيم الإسلام والخلاص من النظام القائم، وإقامة دولة الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة، لا دولة مدنية، ولا علمانية، ولا الرضا بما يسمى بدولة مدنية بمرجعية إسلامية.


وإننا لنرجو الله تعالى أن ينصر ثورة الشام بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وذلك بعد الأخذ بالأسباب من الثبات على هذا المشروع، وبثه بين البقية الباقية من أبناء الأمة لينسجموا مع أمتهم، ومع أهل القوة فيهم، ولتكون هناك أرض خصبة ليَتَنَزَّلَ نصر الله تعالى.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأستاذ وليد حجازات - الأردن

30 ربيع الثاني 1437هـ
0916م

art290116

17 كانون الأول/ديسمبر 2010 هو بداية الثورات في العالم الإسلامي، أُنيرت شعلتها في تونس الخضراء ونتج عنها سقوط العديد من القتلى والجرحى من المتظاهرين نتيجة تصادمهم مع القوات الأمنية الحامية للأنظمة الطاغية، وامتدت هذه الشعلة إلى مصر أرض الكنانة و اليمن أرض الحضارات وإلى ليبيا أرض حفظة القرآن ثم إلى سوريا الشام عقر دار المؤمنين.

لقد كُسر جدار الخوف في سوريا في 18 آذار/ مارس 2011 على يد أطفال لم يتملكهم الخنوع بعد كما تملَّك قلوب آبائهم وأجدادهم، ونادوا بالحرية ثم بإسقاط النظام. خمس سنوات مرّت وحملت الكثير الكثير من المآسي والآلام ودفع الناس الأبرياء ثمن هذه الحرية ثمناً باهظاً من قتل وتشريد وتدمير وسجن وتعذيب على أيدي شبيحة الأجهزة الأمنية وما يسمى بقوات مكافحة الشغب، وبفعل البراميل المتفجرة وقصف الدبابات وغارات الطائرات لجيش الطاغية بشار الذي أثبت كذب ادعاءاته بأنه حامي المقاومة والممانعة، وأنه حاكم يحمي شعبه ويرعى مصالحه ليعيش بأمن وأمان. لقد أيقظت صيحات الشباب و النسوة و الأطفال فيه الجينات الوراثية وحاول إعادة مجازر المقبور والده في حماة إلى الأذهان، غير أن ضربته الحديدية لم تفلح مع تكبيرات الله أكبر ومع الثبات على أن هذه الثورة هي لله وأن قائدهم للأبد هو نبيهم ورسولهم الكريم محمد ﷺ.

ولم يقتصر الأمر على آلة جيش الطاغية بشار فلقد استقدمت هذه الصيحات الإسلامية جيوش الدول الاستعمارية لِتَئِدَ هذه الثورة ولتقضي على الصحوة والمشاعر الإسلامية والحياة التي بدأت تدبُّ في المارد الإسلامي خوفاً من استيقاظه وقيامه من جديد، لأنه إشارة على أن زوال إمبراطوريتهم قد حان. فتحالفوا على المسلمين بمساندة زبانيتهم وعملائهم، وأوغلوا فيهم تقتيلاً وتهجيراً وتشريداً دون رادع لهم، فحججهم وتبريراتهم جاهزة كما كل مرة يعلنون فيها الحرب على البلاد الإسلامية، إنه الإرهاب ومحاربته وحماية بلادهم وشعوبهم منه!

خمس سنوات مرّت ومجريات الأحداث السياسية والإنسانية في سوريا تُظهر مدى وحشية الصراع الإقليمي والدولي عليها، فلم يسلم منه طفل أو شيخ أو امرأة، فالجميع سيّان ومستهدف. إلا أن المشكلات التي واجهت المرأة حظيت باهتمام متزايد في السنوات الأخيرة خاصة وأنهن موجودات في مناطق النزاع المسلح بعد تكريس بند من بنود منهاج عمل بكين لواقع المرأة في هذه المناطق، فقد نوقشت أوضاعهن المأساوية ومعاناتهن في المؤتمرات والمحافل الدولية مثل الجمعية العامة للأمم المتحدة ولجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وغيرها من المؤتمرات وورشات العمل، بالإضافة إلى التحرك على صعيد المجتمع الأهلي بجمعياته النسائية والحقوقية، وكان جلّ إنجازاتهم هو اعتبار أن ما تتعرض له المرأة انتهاكاً لحقوق الإنسان، وللمبادئ الأساسية للقانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني. (لقد تمخض الجبل فأنجب فأراً)

هذا ما أنتجته هذه الحركات المكوكية وهذه الجهود المبذولة والتي لا قيمة لها في ظل هذه الهجمة الشرسة لكسر إرادة شعب كامل وإخضاعه لحلول على مقاس ديمقراطيتهم وترسيخ علمانيتهم التي لا قيمة للإنسانية فيها، وما هو حاصل من مجازر وتطهير عرقي وإبادات جماعية على أيدي قوات النظام والميليشيات وطائرات التحالف لكل من يعارض السياسة المدعومة من دول الكفر، لدليل على ما ينتظر الشعوب الإسلامية من بؤس وشقاء وليس المرأة على وجه الخصوص.

إن المعاناة التي تتعرض لها المرأة هي نتيجة عوامل كثيرة تتجلى في داخل سوريا وخارجها، كفقد الزوج أو الابن أو الأب (مقتل أكثر من 200 ألف شخص) وتعرضها للسجن والاعتقال (حوالي 7000 امرأة معتقلة) أو تحملها لأعباء الأسرة في حالة غياب المعيل والخوف من المجهول (حوالي 120 ألف عائلة أصبحت بدون معيل). أما في الخارج، فتتفاوت معاناتها بين وجودها في الدول المجاورة من البلاد الإسلامية حيث مخيمات البؤس التي تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة (حوالي 3 ملايين لاجئ يتوزعون بين لبنان والأردن وتركيا)، بالإضافة إلى المخاطرة بحياتهن وركوب الأمواج أملاً في الوصول إلى أوروبا (ما يقارب 3000 غريق)، ونضيف إلى ذلك حالهن مؤخراً في بلاد اللجوء حيث يتم إخضاعهن لقوانين تتعارض مع مفهوم الحريات المزعومة هناك كخلع النقاب ورفض استقبال المحجبات في المؤسسات التعليمية والحكومية، وتجريدها من ممتلكاتها الخاصة كالأموال والذهب، وتهديدها بالطرد وفصلها عن أولادها إذا لم تتعلم الإنجليزية خلال فترة معينة، ويلزمونهم بوضع أساور مضيئة لتمييزهم بعد أن قاموا بطلاء بيوتهم باللون الأحمر مما أدى لتعرّضهم للأذى من العامة، فهم بذلك يدّعون الإنسانية من ناحية ويغذّون العداوة والحقد من ناحية أخرى، كل ذلك بحجة الحفاظ على الأمن القومي من الإرهاب المتمثل بنظرهم في المسلمين.

إن الحال المأساوي الذي تعيشه المرأة المسلمة في كل مكان والذي لا يعتبر وليد الثورة أو ما بعد الثورة، بل هو نتيجة سنوات طوال مرَّت دون راعٍ يحميها ويذود عن شرفها وكرامتها، سنوات غاب العدل فيها فعمَّ الظلم الرعية، حالها هذا يثبت فشل كل الادعاءات الكاذبة من تحقيقٍ للمساواة وحمايةٍ للحقوق وتمكين لها في كل المجالات، ويظهر ذلك جلياً بمدى انتهاك حقوقها الشخصية حتى في البلاد الغربية، هذه البلاد التي استعمرت بلادنا ونهبت خيراتنا واستعبدت شعوبنا المستضعفة، فانتهكوا أعراضنا وحرمة بيوتنا ومقدساتنا باسم الديمقراطية والحرية التي لم ينتج عنهما سوى الحروب والدمار والخراب.

فاعلمي يا من أوصى بك رسولنا الكريم ﷺ ويا من جعلك دينك درة مكنونة تخيفين أعداءك بحجابك وبتقواك وتضحياتك التي سطرها التاريخ وما زال يسطرها، اعلمي أنه لن يصلح حالك بدولة مدنية لا وجود للدين فيها سوى في عبارة في دستورها أن دين الدولة هو الإسلام، ولا بسياسة ديمقراطية يكون المشرع فيها غير الله وهو الخالق المدبر، ولا مساواة مزعومة بين جنسين متفاضلين بما حباهما الله من مميزات تختص بكل منهما، ولا بحريات خدَّاعة يقيّدها الغرب بقيود جمّة حتى لا تهدد سلامة المجتمع وأمنه، كالحرية الدينية مثلاً بحجة حفظ المصلحة العامة، فيتم منع المسلمين في بعض أقطار العالم من إقامة الأذان أو تدريس الدين الإسلامي في مدارسهم أو إكراههم على تغيير أسمائهم ونزع اللباس الشرعي للمسلمات.

لن يصلح حالك تغيير انتمائك، فلا تركني إلى مغرياتهم ولا تتنازلي عن فرائض ربك، ولا تبيعي آخرتك بدنيا زينوها لك بأحلى وأبهى الألوان. وليكن شعارك "لست بالخب ولا الخب يخدعني" ولتتمسكي بحبل الله فهو حبل النجاة لك وللمسلمين جميعا من هذا الواقع المرير والذي سيرد كيد المعتدين. قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُۗ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾.

وعليه، فإن سياسة الدول الغربية الكافرة وعلى رأسها أمريكا، من أجل اكتساب مصالح معينة ولبسط كامل نفوذها لا يجوز النظر إليها بمعزل عن الحملة العشواء التي تشنها على الإسلام والمسلمين بأشكالها المتعددة العسكرية والسياسية والاقتصادية والتعليمية والإعلامية تحت عنوان الحرب على الإرهاب، وبالتالي فهي حلقة من حلقات حرب الحضارة الغربية على الحضارة الإسلامية ليقضوا على طريقة عيشنا ومفاهيمنا الإسلامية.

فلنعتصم بحبل الله فهو خير الحافظين وهو على كل شيء قدير ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُواۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾.

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
رنا مصطفى

19 ربيع الثاني 1437هـ
29

press

حملة لا لجريمة الحل السياسي نعم لإسقاط النظام وإقامة الخلافة

banner

art110216

إن الناظر إلى حال الأمة اليوم تتقطع نياط قلبه ألماً وحسرة لما لحق بها من انكسار وتشتت وتمزق وضعف، وكيف لا يتقطع القلب ألماً وهو يرى الأمة وقد توالت عليها النكبات وأثقلتها الجراحات وأقعدتها عن السير العثرات، وهانت من ضعفها حتى تجرأ عليها من تجرأ من الدول والشعوب وتداعت عليها الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها لا من قلة، ولكنها غثاء كغثاء السيل.

 

اليوم نحن أمة ضعفت بعد قوة وتعثرت في سيرها بعد مجد وسؤدد، ولا غرابة في هذا؛ فإن الأمم تمر بدورات بين مد وجزر، صعود وهبوط، ويمكن أن تتعثر مرحلياً فلكل حصان كبوة، ولكن العجيب الغريب أن هذه الأمة تبدو وكأنها لا ترغب في النهوض من عثرتها ولا تريد أن تفارق ضعفها إلى القوة، وكأنها أدمنت الضعف والانكسار، كما وصف حالها أحد الشعراء بقوله: 

 

كساها الذل ثوبا بربريا :..: وتبرق في نواظرها الزيوف

وتسرح كالشياه بكل أرض :..: وحول حما مذلتها تطوف

فلا راعٍ له رايات حزم :..: تُرص له الفيالق والصفوف

 

لم يكفِ الأمة اليوم ما حل بها من المصائب والنكبات وذلك لأخذها شرعاً لا يمت لعقيدتها بصلة، ونمطاً في العيش يتناقض مع فكرتها الكلية عن الكون والإنسان والحياة بعيداً عن أفكارها التي توجد لديها المفاهيم التي تنعكس على سلوكها، بل لقد تعدت ذلك بكثير، فها هم حكام المسلمين اليوم يتنصلون لأحكام الإسلام جهاراً نهاراً بدون قليل من حياءٍ أو خجل، تنصلوا لأحكام الإسلام في الجانب السياسي بأن استبدلوا بنظام الخلافة الأنظمة الجمهورية و الديمقراطية و الدولة المدنية، و الفدرالية وغيرها، كما فعلوا الشيء نفسه في بقية الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، بل ويناضلون من أجلها باذلين الغالي والنفيس من الدماء والأموال وحتى الأعراض!!

 

ألم يفكر المسلمون من الأحق بطلب رضاه والخشية منه، الله الخالق البارئ المدبر أم الغرب الكافر، ألم يقرأوا قوله تعالى: ﴿أَتَخْشَوْنَهُمْ ۚ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: 13]؟

 

لقد وصل الحال بحكام المسلمين والنافذين في كل بلد من بلاد المسلمين إلى تقديم الخدمة للغرب الكافر في تشويه صورة الإسلام وذلك بلصق تهمة الإرهاب به برغم معرفتهم بمن يصنع الإرهاب ومن يصدره ويدعمه، وما المسلمون الذين ينقادون لجماعات مخترقة غير واعية أو غير مخلصة إلا أدوات لتنفيذ هذه المخططات الهدامة مقابل مصالحٍ دنيوية زائلة نتيجة جهل مطبقٍ عن أحكام وأنظمة الإسلام وذلك لغياب كيانه التنفيذي وهي الدولة.

 

إن التشويه لنظام الحكم في الإسلام، الخلافة على منهاج النبوة متعمد، وذلك لثني عزيمة المخلصين العاملين لإقامة دولتها التي ترعى شؤون الرعية بأحكام الإسلام، وتثبيطاً لهمم المسلمين للرضى بالواقع السيئ، لتظل الأمة تحت رحمة أعدائها وعملائهم، ومن ضمن هذا التشويه المتعمد ما أوردته صحيفة اليمن اليوم اليومية الصادرة في اليمن يوم الأحد في عددها رقم (1282) بتاريخ 7 شباط/فبراير 2016م تحت عنوان "القاعدة في الجنوب: الخلافة المؤجلة" نقلاً عن صحيفة الأخبار اللبنانية، والتي نسبت كل أعمال القاعدة والإخوان في اليمن، وكذلك أعمال تنظيم الدولة في العراق وسوريا لدولة الخلافة التي لم توجد بعد، أملاً من هؤلاء وأمثالهم في إلصاق الإرهاب بالإسلام، وتشويه صورة دولة الخلافة في عقول الناس كخطةٍ استباقيةٍ لقيام دولة الخلافة على منهاج النبوة.

 

إن دولة الخلافة الإسلامية هي نظام الحكم في الشريعة الإسلامية الذي يقوم على بيعة قائد مسلم على الدولة الإسلامية ليحكمها بالشريعة الإسلامية. وسميت بالخلافة لأن الخليفة هو قائدهم وهو من يخلف محمداً رسول الله في الإسلام لتولي قيادة المسلمين والدولة الإسلامية، وعليه فإن غاية الخلافة هي تطبيق أحكام الإسلام وتنفيذها، وحمل رسالته إلى العالم بالدعوة و الجهاد.

 

وللعلم فإن ما تقوم به الأحزاب و التنظيمات والجماعات التي تنتسب إلى الإسلام من أعمال مادية متمثلة في قتل الأبرياء وتفجير المساجد والأماكن العامة وغير ذلك، كل هذه الأعمال لا تمت للإسلام كدين ولا للخلافة كنظام حكم بصلة، وإنما تشوه صورة الإسلام خدمةً لأعداء الأمة، فالقتال الدائر بين المسلمين هو نتيجة صراع دولي بين دول الكفر على ثروات المسلمين، ولإذلال المسلمين وتركيعهم للرضا بحلول الغرب ومعالجاته التي لا تمت لعقيدة المسلمين بصلة، وذلك لتبقى بلدان المسلمين ممزقةً مبعثرة لا تجتمع تحت رايةٍ ودولةٍ واحدة، ولكن أنى لهم ذلك، فوعد الله قائم وبشرى رسوله آتية بإذنه تعالى، متى ما استحق المسلمون النصر، وذلك مربوط بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد: 7].

 

فمهما عمل أعداء الله وعملاؤهم من محاولات لإطفاء نور الله في الأرض فستبوء بالفشل وسيتحقق وعد الله بإذنه تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [النور: 55]. وقال تعالى: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ [الصف: 8 – 9]. وستتحقق بشرى رسوله ﷺ حيث يقول: «... ثم تكون خلافة على منهاج النبوة».

 

وخلاصة القول: إن كل ما يحدث في بلاد المسلمين، يهدف به الغرب الماسك بخيوط اللعبة بين أهل كل بلد يشهد أحداثاً مأساوية، وذلك للوصول بهم إلى الرضا والاستسلام والقبول بحلوله التي لا تخدم إلا مصالحه فقط.

 

وفي الحقيقة لا لوم عليه بل اللوم علينا لأننا أخذنا أفكاره وطبقنا أنظمته وقوانينه وتركنا نظام ديننا الرباني، وستبقى بلاد المسلمين ساحات حروب، دماء وأموال وأعراض المسلمين وقودها، إلى أن يرجع المسلمون رجوعاً صحيحاً لدينهم، ويقيموا دولتهم التي تطبق عليهم أحكام وأنظمة عقيدتهم، وتحمل دينهم لغيرهم رسالة نور وهداية، عند ذلك تتحقق لهم العزة والتمكين ورضوان ربهم.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

عبد الله القاضي

عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية اليمن

2 جمادى الأولى 1437هـ
11\02\2016م

المصدر: http://www.hizb-ut-tahrir.info/ar/index.php/sporadic-sections/articles/political/35450


art090216

بدأت ثورة الشام سلمية، وبقيت سلمية حتى اضطر الناس إلى حمل السلاح دفاعا عن أنفسهم وأبنائهم وأعراضهم أمام جبروت ردة فعل بشار وكلابه على سلمية ثورتهم. ولعل كل الناس يعلمون كم عانى أهل الشام من الظلم منذ عقود سواء في عهد حافظ الأسد أو في عهد ابنه، أو حتى في عهد من قبلهما، فقد أذاقوا البلاد والعباد مرارة الذل و العبودية، ناهيك عن نشر كل رذيلة، ومثل هذا وأكثر يجري في بقية بلاد المسلمين، فهو عمل ممنهج ومدبر بليل من قبل الكفار المستعمرين الذين قد يختلفون على كل شيء، إلا أنهم يتفقون تماما على محاربة الإسلام والمسلمين، وعلى منع إقامة الخلافة التي تجمعهم وتحمي بيضتهم، ولذا نجد الكفار قد عملوا على سرقة وحرف مسار الثورات في بلاد المسلمين كلها بطرق خبيثة، ومغلفة بريش النعام، وعندما حاولوا ذلك مع ثورة الشام، وتدخل سفيرا أمريكا وبريطانيا لاحتواء تفاقم الثورة، ورفعها لشعارات لم تعتَد عليها ثورات المسلمين السابقة سواء في مصر أو ليبيا أو تونس، حيث كانت شعارات ثورة الشام وأسماء الجُمَع فيها توحي بمشروع إسلامي يقف وراء الثورة، يحتضنها ويزودها بالغذاء العقدي والفكري؛ لتبقى على صفائها ونقائها وسلميتها، لأن المفكر السياسي يعلم علم اليقين أن سلمية الثورة أقوى من عسكرتها حتى لو سالت دماء الكثيرين من المدنيين فيها، ولكن الكفر وعملاءه عملوا على التقتيل البشع، والاعتقالات المفضية للعسكرة الحتمية، فبدأ أفراد من الجيش بالانشقاق سواء بشكل منظم ومتعمد، أو بشكل عفوي، فحصلت العسكرة على حساب السلمية التي غالبًا ما يكون نجاحها مؤكداً وقصير الأجل، وذلك بسبب عدم قدرة النظام على الصمود أمام السلمية والعمل الفكري العقائدي السياسي الذي يفصل الحاكم عن قوته الطبيعة وهو الشعب والأمة. فكانت العسكرة، فقتل النظام ودمر كل ما استطاع.


ولما ضعف نظام بشار أمدته أميركا بحزب إيران وبعض البلطجية المنظمة من العراق، ولما فشلوا أوعزت لإيران فتدخلت بقوة الدولة، والمستشارين السياسيين، ومع ذلك فشلوا وتكبدوا الكثير من الخسائر المادية والقتلى من القيادات العسكرية، وعندما فشلت إيران جاء التدخل الروسي المحوسب والمبرمج بالاتفاق مع أمريكا حيث سبقه اجتماعات مكثفة بين وزيري خارجية الدولتين، وقد صرح كيري وزير الخارجية الأمريكي إبان ذلك أن محادثات جرت مدتها سبع عشرة ساعة مع لافروف وزير الخارجية الروسي. وها هو القصف الروسي يتعدى الشهور بحقد صليبي بشع، لا يفرق بين مدني ومقاتل، وكل ذلك لإخضاع الثوار وحاضنتهم الشعبية للدخول في مفاوضات جنيف3، وإرغامهم على التوقيع على ما تريده أمريكا. تأخر عقد المؤتمر، رغم كل الضغوط، وموافقة بعض قيادات الثوار الداخلية، والهيئات السياسية الخارجية على شروط راعي مؤتمر جنيف، إلا أن الأمر ازداد تعقيدًا، وما ذلك إلا بسبب الرفض الداخلي من الحاضنة الشعبية وقواعد الثوار المخلصين، فكل الناس يعلمون أن ما يقال في الخارج من القيادات لا يقال في الداخل، وأنه غير مقبول بل هو مرفوض رفضًا باتًا، ذلك أن الثورة منذ اندلاعها قد صرحت بشعاراتها المنبثقة من عقيدة أهل الشام من مثل: "ما لنا غيرك يا الله" و"هي لله، هي لله" وإلا لكان انحراف الثورة أمرًا سهلاً وميسورًا، وخصوصًا بعد التدخل الروسي، والقصف المكثف والبشع والقوي.


وخلال كتابة هذه السطور وردت تسريبات عن وزير خارجية أمريكا أن الأشهر الثلاثة القادمة ستكون حاسمة حيث أفاد: "إن القصف الروسي الأسوأ لم يأتِ بعد"، وتوعد أن إفشال مؤتمر جنيف سيكون له عواقب وخيمة، وأعلنت السعودية وبالتعاون مع الأردن عن استعداها للتدخل البري، وما كل ذلك إلا للقلق من استمرار الفشل وتعقيد الأمور مما يفضي إلى عسكرة المنطقة بأسرها وتفلت بعض عناصر جيوشها، ورفضهم للأوامر العسكرية من قياداتهم، ومثال ذلك حادثة مركز تدريب الموقر في الأردن وقتل الأمريكان، وكذلك حادثة رفض الطيار الصمادي الأردني زيارة يهود ولو بمهمة تدريبية، ناهيك عن الإحالة على التقاعد للكثير الكثير ممن حولهم بسبب إخلاصهم، هذا هو حال الأمة الإسلامية بكل أطيافها، ولذلك نرى الفشل يتلوه الفشل لكل مؤتمرات الكفر لإفشال الثورة وحرفها عن الهدف الأصيل ومطلب الحاضنة الشعبية بضرورة تحكيم الشريعة الإسلامية وإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، واجتثاث الكفر من الشام، وهذا يفهم منه بطبيعة الحال توحيد بلاد المسلمين وطرد الكافر المستعمر من بلادهم.


مما تقدم نستخلص معنى التساؤل الآتي: في ثورة الشام هل القوة لروسيا و أمريكا أم للرأي العام..؟! وعليه نستخلص أن البطش لا يمكنه أن يجتث فكرة نمت وترعرعت وملكت على الناس نفوسهم وعقولهم، فالقوة العسكرية تصرع قوة مثلها، لكنها لا تصرع فكرة، لذا فالفكرة التي استندت إليها ثورة الشام هي تحكيم الإسلام وإقامة دولة الإسلام، وقد أصبحت مشروعًا ومطلبًا لقواعد الثوار والحاضنة الشعبية، وهي للعلم ليست فكرة نشأت إبان الثورة فقط، بل هي سابقة لها بعقود، حيث إن العاملين المخلصين من المسلمين لإيجاد هذه الفكرة في واقع الدولة و المجتمع لم يغادروا سوريا منذ أكثر من خمسة عقود، ورغم التعذيب الذي أفضى بكثير منهم إلى الشهادة في سجون الظالمين وتحت وطأة سياط جلاوزتهم، والذين حفظ بعضهم رقمه ونسي اسمه، لطول ما مكثوا في السجون بلا محاكمات لا عادلة ولا حتى ظالمة، ولذلك كانت هذه الأفكار كامنة ساكنة للقلوب تنتظر فرصة لتعبر عن نفسها، وحين بدأت ثورة الشام انطلق أهلها ملبين ومضحين بالغالي والنفيس، ومضحين كما ضحى أسلافهم من المسلمين الأولين، فضربوا أروع الأمثلة في التضحية و الفداء، ورفضوا حتى مجرد التفكير بالهجرة لدول الجوار، أو الهروب إلى أوروبا التي فتحت أبوابها مستغلة حاجة الكثيرين، وظلم ذوي القربى من أنظمة دول الجوار، وما زال الثوار رغم كل ما دفع من المال السياسي القذر وشراء لبعض القيادات الرخيصة، إلا أنهم صابرون وثابتون على مشروع الثورة ومطلبها ألا وهو تحكيم الإسلام والخلاص من النظام القائم، وإقامة دولة الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة، لا دولة مدنية، ولا علمانية، ولا الرضا بما يسمى بدولة مدنية بمرجعية إسلامية.


وإننا لنرجو الله تعالى أن ينصر ثورة الشام بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وذلك بعد الأخذ بالأسباب من الثبات على هذا المشروع، وبثه بين البقية الباقية من أبناء الأمة لينسجموا مع أمتهم، ومع أهل القوة فيهم، ولتكون هناك أرض خصبة ليَتَنَزَّلَ نصر الله تعالى.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأستاذ وليد حجازات - الأردن

30 ربيع الثاني 1437هـ
09\02\2016م

art290116

17 كانون الأول/ديسمبر 2010 هو بداية الثورات في العالم الإسلامي، أُنيرت شعلتها في تونس الخضراء ونتج عنها سقوط العديد من القتلى والجرحى من المتظاهرين نتيجة تصادمهم مع القوات الأمنية الحامية للأنظمة الطاغية، وامتدت هذه الشعلة إلى مصر أرض الكنانة و اليمن أرض الحضارات وإلى ليبيا أرض حفظة القرآن ثم إلى سوريا الشام عقر دار المؤمنين.

لقد كُسر جدار الخوف في سوريا في 18 آذار/ مارس 2011 على يد أطفال لم يتملكهم الخنوع بعد كما تملَّك قلوب آبائهم وأجدادهم، ونادوا بالحرية ثم بإسقاط النظام. خمس سنوات مرّت وحملت الكثير الكثير من المآسي والآلام ودفع الناس الأبرياء ثمن هذه الحرية ثمناً باهظاً من قتل وتشريد وتدمير وسجن وتعذيب على أيدي شبيحة الأجهزة الأمنية وما يسمى بقوات مكافحة الشغب، وبفعل البراميل المتفجرة وقصف الدبابات وغارات الطائرات لجيش الطاغية بشار الذي أثبت كذب ادعاءاته بأنه حامي المقاومة والممانعة، وأنه حاكم يحمي شعبه ويرعى مصالحه ليعيش بأمن وأمان. لقد أيقظت صيحات الشباب و النسوة و الأطفال فيه الجينات الوراثية وحاول إعادة مجازر المقبور والده في حماة إلى الأذهان، غير أن ضربته الحديدية لم تفلح مع تكبيرات الله أكبر ومع الثبات على أن هذه الثورة هي لله وأن قائدهم للأبد هو نبيهم ورسولهم الكريم محمد ﷺ.

ولم يقتصر الأمر على آلة جيش الطاغية بشار فلقد استقدمت هذه الصيحات الإسلامية جيوش الدول الاستعمارية لِتَئِدَ هذه الثورة ولتقضي على الصحوة والمشاعر الإسلامية والحياة التي بدأت تدبُّ في المارد الإسلامي خوفاً من استيقاظه وقيامه من جديد، لأنه إشارة على أن زوال إمبراطوريتهم قد حان. فتحالفوا على المسلمين بمساندة زبانيتهم وعملائهم، وأوغلوا فيهم تقتيلاً وتهجيراً وتشريداً دون رادع لهم، فحججهم وتبريراتهم جاهزة كما كل مرة يعلنون فيها الحرب على البلاد الإسلامية، إنه الإرهاب ومحاربته وحماية بلادهم وشعوبهم منه!

خمس سنوات مرّت ومجريات الأحداث السياسية والإنسانية في سوريا تُظهر مدى وحشية الصراع الإقليمي والدولي عليها، فلم يسلم منه طفل أو شيخ أو امرأة، فالجميع سيّان ومستهدف. إلا أن المشكلات التي واجهت المرأة حظيت باهتمام متزايد في السنوات الأخيرة خاصة وأنهن موجودات في مناطق النزاع المسلح بعد تكريس بند من بنود منهاج عمل بكين لواقع المرأة في هذه المناطق، فقد نوقشت أوضاعهن المأساوية ومعاناتهن في المؤتمرات والمحافل الدولية مثل الجمعية العامة للأمم المتحدة ولجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وغيرها من المؤتمرات وورشات العمل، بالإضافة إلى التحرك على صعيد المجتمع الأهلي بجمعياته النسائية والحقوقية، وكان جلّ إنجازاتهم هو اعتبار أن ما تتعرض له المرأة انتهاكاً لحقوق الإنسان، وللمبادئ الأساسية للقانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني. (لقد تمخض الجبل فأنجب فأراً)

هذا ما أنتجته هذه الحركات المكوكية وهذه الجهود المبذولة والتي لا قيمة لها في ظل هذه الهجمة الشرسة لكسر إرادة شعب كامل وإخضاعه لحلول على مقاس ديمقراطيتهم وترسيخ علمانيتهم التي لا قيمة للإنسانية فيها، وما هو حاصل من مجازر وتطهير عرقي وإبادات جماعية على أيدي قوات النظام والميليشيات وطائرات التحالف لكل من يعارض السياسة المدعومة من دول الكفر، لدليل على ما ينتظر الشعوب الإسلامية من بؤس وشقاء وليس المرأة على وجه الخصوص.

إن المعاناة التي تتعرض لها المرأة هي نتيجة عوامل كثيرة تتجلى في داخل سوريا وخارجها، كفقد الزوج أو الابن أو الأب (مقتل أكثر من 200 ألف شخص) وتعرضها للسجن والاعتقال (حوالي 7000 امرأة معتقلة) أو تحملها لأعباء الأسرة في حالة غياب المعيل والخوف من المجهول (حوالي 120 ألف عائلة أصبحت بدون معيل). أما في الخارج، فتتفاوت معاناتها بين وجودها في الدول المجاورة من البلاد الإسلامية حيث مخيمات البؤس التي تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة (حوالي 3 ملايين لاجئ يتوزعون بين لبنان والأردن وتركيا)، بالإضافة إلى المخاطرة بحياتهن وركوب الأمواج أملاً في الوصول إلى أوروبا (ما يقارب 3000 غريق)، ونضيف إلى ذلك حالهن مؤخراً في بلاد اللجوء حيث يتم إخضاعهن لقوانين تتعارض مع مفهوم الحريات المزعومة هناك كخلع النقاب ورفض استقبال المحجبات في المؤسسات التعليمية والحكومية، وتجريدها من ممتلكاتها الخاصة كالأموال والذهب، وتهديدها بالطرد وفصلها عن أولادها إذا لم تتعلم الإنجليزية خلال فترة معينة، ويلزمونهم بوضع أساور مضيئة لتمييزهم بعد أن قاموا بطلاء بيوتهم باللون الأحمر مما أدى لتعرّضهم للأذى من العامة، فهم بذلك يدّعون الإنسانية من ناحية ويغذّون العداوة والحقد من ناحية أخرى، كل ذلك بحجة الحفاظ على الأمن القومي من الإرهاب المتمثل بنظرهم في المسلمين.

إن الحال المأساوي الذي تعيشه المرأة المسلمة في كل مكان والذي لا يعتبر وليد الثورة أو ما بعد الثورة، بل هو نتيجة سنوات طوال مرَّت دون راعٍ يحميها ويذود عن شرفها وكرامتها، سنوات غاب العدل فيها فعمَّ الظلم الرعية، حالها هذا يثبت فشل كل الادعاءات الكاذبة من تحقيقٍ للمساواة وحمايةٍ للحقوق وتمكين لها في كل المجالات، ويظهر ذلك جلياً بمدى انتهاك حقوقها الشخصية حتى في البلاد الغربية، هذه البلاد التي استعمرت بلادنا ونهبت خيراتنا واستعبدت شعوبنا المستضعفة، فانتهكوا أعراضنا وحرمة بيوتنا ومقدساتنا باسم الديمقراطية والحرية التي لم ينتج عنهما سوى الحروب والدمار والخراب.

فاعلمي يا من أوصى بك رسولنا الكريم ﷺ ويا من جعلك دينك درة مكنونة تخيفين أعداءك بحجابك وبتقواك وتضحياتك التي سطرها التاريخ وما زال يسطرها، اعلمي أنه لن يصلح حالك بدولة مدنية لا وجود للدين فيها سوى في عبارة في دستورها أن دين الدولة هو الإسلام، ولا بسياسة ديمقراطية يكون المشرع فيها غير الله وهو الخالق المدبر، ولا مساواة مزعومة بين جنسين متفاضلين بما حباهما الله من مميزات تختص بكل منهما، ولا بحريات خدَّاعة يقيّدها الغرب بقيود جمّة حتى لا تهدد سلامة المجتمع وأمنه، كالحرية الدينية مثلاً بحجة حفظ المصلحة العامة، فيتم منع المسلمين في بعض أقطار العالم من إقامة الأذان أو تدريس الدين الإسلامي في مدارسهم أو إكراههم على تغيير أسمائهم ونزع اللباس الشرعي للمسلمات.

لن يصلح حالك تغيير انتمائك، فلا تركني إلى مغرياتهم ولا تتنازلي عن فرائض ربك، ولا تبيعي آخرتك بدنيا زينوها لك بأحلى وأبهى الألوان. وليكن شعارك "لست بالخب ولا الخب يخدعني" ولتتمسكي بحبل الله فهو حبل النجاة لك وللمسلمين جميعا من هذا الواقع المرير والذي سيرد كيد المعتدين. قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُۗ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾.

وعليه، فإن سياسة الدول الغربية الكافرة وعلى رأسها أمريكا، من أجل اكتساب مصالح معينة ولبسط كامل نفوذها لا يجوز النظر إليها بمعزل عن الحملة العشواء التي تشنها على الإسلام والمسلمين بأشكالها المتعددة العسكرية والسياسية والاقتصادية والتعليمية والإعلامية تحت عنوان الحرب على الإرهاب، وبالتالي فهي حلقة من حلقات حرب الحضارة الغربية على الحضارة الإسلامية ليقضوا على طريقة عيشنا ومفاهيمنا الإسلامية.

فلنعتصم بحبل الله فهو خير الحافظين وهو على كل شيء قدير ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُواۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾.

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
رنا مصطفى

19 ربيع الثاني 1437هـ
29\01\2016م

art040216

طالعنا مؤخرًا على وسائل الإعلام خبر دعوة مجلس الحرب والدمار ممثلًا بدي ميستورا (الذي لا يعدو كونه أداة بيد أعداء المسلمين في سوريا،) أهلَ الفنادق، وأصحاب الذمم الرخيصة، إلى اجتماع؛ من أجل الإملاء عليهم بما يجب أن يقولوا ويصرّحوا، حتى خرجوا علينا بتصريحات لا تنطلي على أصغر سياسي، أو متابع للأحداث السياسية، ولا يفهم منها سوى أنهم يلمعون أنفسهم حتى يغتصبوا شرعية يفتقدونها، ويقبلهم أسيادهم في البيت الأبيض. وبعد أن انتهت هذه المسرحية الهزيلة والسخيفة، بممثلين من الدرجة الثالثة، خرجوا بفأر قدموه على أنه أسد، بتصريحات كذب، وأعذار قبيحة، لا ترقى لمستوى ثورة عظيمة، تحطمت على صخرتها كل المؤامرات.


وهنا يجب أن نتكلم عن ثلاثة مواضيع رئيسية في هذا الشأن، الأول: أمريكا وواقعها في هذه الثورة المباركة، بعد حوالي خمس سنوات عجاف، والثاني: من يريدون بيع ثورة الشهداء في سوق النخاسة، والثالث: الواقع على أرض الشام.


أما واقع أمريكا الذي لا تُحسد عليه في كل أرجاء الأرض، فهو كواقع فرعون في آخر عهده، حيث لا تتقبل أن أجلها قد حان، وأن زمانها قد انتهى، وها هي تستدعي هامان من أجل نجدتها، فتنتدب كل من يستطيع تقديم أية مساعدة تبقيها على قيد الحياة؛ لأنها تعلم جيدًا أن أيامها أصبحت معدودة، والجميع ينتظر موتها. والغريب في الأمر أن أمريكا تدرك أنها مسألة وقت ليس أكثر، ولكنها تسعى لتأجيل مصيرها المحتوم، أو تخريب المكان الذي سيخرج منه المارد الذي سيحطم جبروتها؛ لذلك استنفدت كل ما لديها من نفوذ، واستخدمت من تملك من قوى البشرية، لكن لا جدوى ولا مفر، آن الأوان لكي تعود الأمور إلى نصابها.


أما عن بيع الثورة؛ فبعد أن ارتوت أرض الشام بالدماء الزكية التي بُذلت في سبيل الله، للفوز بعز الدنيا ونعيم الآخرة، يأتي من يتاجرون بها، فيتصدرون الأسواق لبيعها بثمن بخس، ذل الدنيا والآخرة. وها هم يتنقلون بين الفنادق، من اسطنبول إلى الرياض إلى جنيف، والمستغرب هنا كيف ساقهم الغرب الكافر كالنعاج إلى حظيرة المفاوضات، دون أن يبذلوا جهدًا، سوى من خلال أمرين، جزرة وضعوها أمامهم، وعصا أخافوهم بها، فبئس المغنم والدافع، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مستوى الذل الذي هم فيه.


والأمر الأخير هو واقع الشام؛ فإن أرض الشام هي أرض المحشر والمنشر، فيها سيحشر الناس كلهم يوم القيامة، فليس غريبًا أن تكون أيضًا الأرض التي يحاسب البشر فيها أنفسهم قبل أن يحاسبهم الله، حيث ستكون فيها معركة الغوطة التي ستفصل بين الحق والباطل، وبين العدل والظلم، إلى مستقبل بلا عودة، وهو ما تتوجه إليه أنظار أكثر مليار ونصف المليار مسلم. ولن يستطيع منع ذلك العملاءُ المرتزقة ولا حكام المسلمين، ولا المتفاوضون الخونة، ولا أمريكا وأوروبا، وكلهم سيلقون إلى هاوية سحيقة قريبًا بإذن الله.


وهنا يجب أن نلفت نظر المتابع للأحداث، أن ثورة الشام ليست كأي ثورة يمكن أن تُسرق وتوجه نحو النظام الديمقراطي العفن، ولن يقبل من قاتل فيها بأن يصبح على قارعة الطريق ويدع أهل الفنادق يتكلمون باسمه. إن هذه الثورة من أول يوم واضحة المعالم، ثورة إسلامية لأجل الله، لأجل إعلاء كلمته سبحانه، استشهد الآلاف فيها من أجل أن يكون الحكم للإسلام، وليس من أجل حكومة مسخ رأسمالية حكامها لا يعلمون معنى التضحية والنضال. فمهما تآمر المتآمرون عليها، لن يكون مكرهم سوى زوبعة في فنجان، وحركة مذبوح، لقد انتهى زمانكم ليستقبل زمان الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.


﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. ماهر صالح - أمريكا

25 ربيع الثاني 1437هـ
04\02\2016م

alraiah280116

إن من أعظم أنواع المكر والخداع أن تحول القضية عن أساسها إلى النقاش حول قشورها، وأن تصرف الأنظار عن مجرم كبير قتل مئات الآلاف إلى فاعل سوء صغير، فهذا ما تفعله أمريكا بالثورة السورية لإجهاضها، فكما صرفت الأنظار عن بشار أسد ونظامه المجرم إلى تنظيم الدولة، جعلت الحديث يدور حول من يمثل المعارضة كأنها قضية أساسية لصرف النظر عن لب المسألة وأبجدياتها وهي إسقاط النظام العلماني الباطل أولا ورفض التفاوض معه، وإيقاع أشد العقوبات على رئيسه المجرم وريث أبيه المجرم ومن معه والذين أذاقوا الشعب السوري الويلات على مدى عقود طويلة، وإقامة نظام الخلافة الراشدة الذي خرجت جماهير الشعب السوري الأبي من أجل إقامته، لأنه نابع من دينها الحنيف، ولتطبيق دستورها الصادر من كتابها العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

فروسيا وإيران تتظاهران برفض مشاركة "جيش الإسلام" و"حركة أحرار الشام" في المفاوضات بحجة أنهما تنظيمان إرهابيان بينما السعودية وفرنسا لا تعتبرانهما كذلك. وجيش الإسلام يعتبر اختيار ناطقه علوش كبيرا للمفاوضين مع النظام الإجرامي "نصرا مؤزرا"! فيصف "اختيار علوش خير رد على عنجهية النظام وحلفائه وإنه سيواجه النظام في جنيف كما في الغوطة" كما أوردت الأخبار عن مصادر الجيش يوم 20/1/2016. فصار النقاش من أتفه ما يكون ليدور حول من سيمثل المعارضة، وصار اختيار شخص من جيش الإسلام كبيرا للمفاوضين نصرا مؤزرا وردا على عنجهية النظام وحلفائه! ومفاوضته في جنيف خوض حرب كما في الغوطة! وهذا ما حصل مع منظمة التحرير الفلسطينية، حيث جعلت المفاوضات في جنيف وأوسلو وكامب ديفيد مع العدو مغتصب الأرض وتعيين عريقات كبيرا للمفاوضين نصرا مؤزرا ومواجهة له كما في فلسطين! حتى تنازلت ورضيت أن تكون خادمة للعدو تسهر على حمايته، وتتفاخر بإحباط العمليات الجهادية ضده، وتعتبر ذلك منجزات عظيمة للشعب الفلسطيني! وهذا ما سيحصل لأتباع عريقات سوريا! سيصبحون خداما للنظام العلماني القادم (لا قدّر الله أن يبقى) يحاربون كل من يحارب منجزاتهم العظيمة!

اختزلت أمريكا المسألة في الخلاف على منسيمثل المعارضة وفي الصراع على التمثيل، وأمريكا تكاد تطير من الفرح لأنها استطاعت أن تحقق ذلك. وسابقا كان لسان حالها وكأنها تتوسل حتى تجلب تنظيمات إسلامية مسلحة للمفاوضات، وقد استقال سفيرها فورد عندما فشل بجلبها إلى مؤتمر جنيف2. يبدو أن أمريكا غير مهتمة كثيرا بمن سيشترك من المعارضة، لأن أكبر نجاح لها أن تجد ممن يدّعون أنهم إسلاميون يمثلون الثوار ليدخلوا في مفاوضات مع قاتل أهاليهم، فكانت حريصة على أن تشرك هذه الحركات فيها، فأكبر نصر لها أن تحافظ على النظام العلماني مرتبطا بها وتجعل إسلاميين يقبلون به، ومن سيشترك هم أدوات لا قيمة لهم في نظرها، وعندما تستقر الأمور لها (لا سمح الله) تبدأ بالتنظيف، فالمهم لديها تنفيذ حلها السياسي الذي لم تتمكن من تنفيذه حتى الآن، فتكثف جهودها لتحقيقه. وبعد لقاء وزير خارجيتها كيري نظيره الروسي يوم 20/1/2016 صرح المتحدث باسم خارجيتها كيربي بأن "الوزيرين ناقشا أهمية الحفاظ على التقدم نحو حل دبلوماسي للأزمة". أي أن ما يهم أمريكا هو الحفاظ على ما أنجزته بجلب تنظيمات إسلامية مسلحة إلى مفاوضة النظام التابع لها.

فأمريكا تريد التشدد الروسي والإيراني تجاه تنظيمي جيش الإسلام وأحرار الشام حتى يتراميا على الاشتراك في المفاوضات فتصبح قضيتهما الاشتراك فيها، وليقوما بتقديم التنازلات عن كل مطلب إسلامي لتصبح تنظيمات وطنية اسمها إسلامية سائرة معها، لا تختلف عن غيرها، لكن لها وجهان. وأمريكا حريصة على إشراكهما ولكنها لا تبدي ذلك، فجعلت العملاء في السعودية وتركيا يقومون بخداعهما للاشتراك في المفاوضات، باعتبارهما قوى إسلامية فاعلة على الأرض حتى يقال أن إسلاميين قبلوا بالحل الأمريكي، أي اشتركوا في الخيانة. وعندما تقرر أمريكا من سيشترك فإن روسيا وإيران لا تقفان حجر عثرة فهما يعملان بالتنسيق معها، ويدل على ذلك تصريح وزير خارجية إيران ظريف يوم 20/1/2016 "إن وفد المعارضة يجب ألا يضم ثلاث جماعات معترف بها دوليا بأنها إرهابية، تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة وجبهة النصرة". مما يعني أن معارضة إيران لمشاركة جيش الإسلام وأحرار الشام ليست جادة، وضمنيا لا تعتبرهما إرهابيين، ويمكن أن توافق عليهما.

وأمريكا تدرك أنه لن يتحقق في هذا المؤتمر كل ما تريد، وأن الطريق طويلة، ولو حققت اتفاقية على الورق فلا ترى أن تنفيذها على الواقع سهل. ويدل على ذلك قول المتحدث باسم خارجيتها تونر يوم 20/1/2016 "المواعيد النهائية مسألة مهمة، لكن إذا تأخرت ليوم أو يومين فهذه ليست نهاية العالم.. نعترف بأن هذه عملية صعبة لكن علينا مواصلة الضغوط ومواصلة المضي قدما". فأمريكا تدرك أن المسألة ليست بمشاركة فلان أو علان، ولا بتأخير المفاوضات ليوم أو أكثر عندما جرى الحديث عن مطالب للمعارضة قبل الذهاب إلى المفاوضات من وقف القصف والحصار وإطلاق سراح مسجونين، وذلك لحفظ بعض ماء وجهها ولم يبق فيه ماء ولا حياء. ورغم ذلك فأمريكا تضغط حتى تعقد المؤتمر، وعندما رأت أنه ربما لا يعقد في موعده المقرر 25/1/2016 قالت بإمكانية التأخير، فتلك ليست نهاية العالم! لأنها تدرك أن الموضوع معقد وشائك حتى تتمكن من صياغة النظام من جديد، وستواصل الضغوط حتى تأتي المعارضة خانعة مستسلمة. ويدل على ذلك قول المتحدث باسم جيش الإسلام محمد علوش يوم 22/1/2016: "إن المعارضة تتعرض للكثير من الضغوط لتقديم التنازلات" وأشاد "بالسعودية وتركيا وقطر" لمساعدتها في تجاوز هذه الضغوط، ولا ندري إن كان يدرك أن الدول الثلاث تلعب دورا مخادعا كأنها تساعد جيشه بأنها ستقف معه في وجه المعارضة الروسية والإيرانية وتخفيف الضغوط الأمريكية وتقدم له الدعم مقابل تلبية المطالب الأمريكية.

والمساعدات التي تقدمها السعودية وتركيا وقطر لبعض التنظيمات ليست لإسقاط النظام، وإنما لتقدم التنازلات وتقر بالنظام العلماني، وبعد ذلك تنتهي مهمتها، فإما أن تندمج في النظام أو يقضى عليها، كما فعلت أمريكا في أفغانستان، وهناك كانت السعودية والباكستان تلعبان الدور الرئيس لحساب أمريكا، وهنا السعودية وتركيا تلعبان دورا رئيسا بخداع المعارضة السورية لحساب أمريكا، وقد ذكر جميل صالح قائد فصيل بالجيش الحر في 20/1/2016 "الدعم المقدم في الوقت الحالي غير كاف، قليل جدا، إن المساعدات التي يقدمها الداعمون.. للمعارضة المسلحة ومنهم السعودية وتركيا ليست كافية للتصدي لهجمات روسية تدعمها إيران على الأرض"، فلم تقدم السعودية وتركيا أسلحة ثقيلة تطالب بها المعارضة لا سيما الصواريخ المضادة للطيران، وإلا لتمكن الثوار من إسقاط طائرات لروسيا والنظام، وهذا ما لا تريده أمريكا لأن النظام تابع لها وروسيا تنسق معها وإيران خادمة لها، والعدو بالنسبة لها هو الثورة ذاتها. وأمريكا ليست ضامنة لحلولها السياسية أن تطبق، ولذلك هددت بالتدخل العسكري على لسان بايدن نائب رئيسها أثناء زيارته لتركيا يوم 23/1/2016 بأنها "مستعدة لحل عسكري في سوريا إذا لم يكن التوصل لتسوية سياسية ممكنا". لأن الشعب السوري يحس بما تحوكه أمريكا ضده، وسيرى كيف تهدر كل تضحياته بمؤامراتها، لتبقي على النظام الإجرامي قائما بكل مؤسساته، وتعمل على أن ينجو رأس النظام ومن معه من العقاب، وهي تعمل منذ مدة على إيجاد مخرج لهم تكريما لما صنعوه من أجلها بالتزامهم بالتبعية لها وضربهم للثائرين على نفوذها.

فأمريكا لا تكتفي بتدخلها بالطيران والمخابرات، وزجها روسيا وإيران وحزبها في لبنان، فهي تبحث عن أشكال أخرى للتدخل العسكري، وتستعمل تركيا والسعودية لخداع القوى السنية! لأن القضاء على ثورة أهل سوريا وإخضاعهم ليس هينا، وخاصة بعد كل هذه المآسي التي حلت بهم، والكثير قد فجع بعزيز ودمر بيته وفقد ماله واعتدي على عرضه وهجّر في أصقاع الأرض وأعماق البحار، بينما يفلت المجرمون من العقاب! بل يكرَّمون بحمايتهم إما في أوكارهم داخل سوريا وإما في خارجها في إيران أو في روسيا! وثورة الشام هي ثورة الأمة الهادرة من محيطها الهادي إلى محيطها الأطلسي تتجلى بأشكال مختلفة بغض النظر عن أعمال خاطئة يقوم بها البعض، فذلك دليل على حيويتها وأنها في حالة غليان حتى تقلب الطاولة على رؤوس المتآمرين، فتستلم سلطانها وتسلمه لقيادتها السياسية الواعية التي تعمل على إقامة خلافتها وإنهاضها وتحريرها منذ أكثر من ستة عقود.


كتبه لجريدة الراية: أسعد منصور، بتاريخ الأربعاء 27 كانون الثاني\يناير 2016م
المصدر: https://t.co/F4aimSgcCA

 

16م

art040216

طالعنا مؤخرًا على وسائل الإعلام خبر دعوة مجلس الحرب والدمار ممثلًا بدي ميستورا (الذي لا يعدو كونه أداة بيد أعداء المسلمين في سوريا،) أهلَ الفنادق، وأصحاب الذمم الرخيصة، إلى اجتماع؛ من أجل الإملاء عليهم بما يجب أن يقولوا ويصرّحوا، حتى خرجوا علينا بتصريحات لا تنطلي على أصغر سياسي، أو متابع للأحداث السياسية، ولا يفهم منها سوى أنهم يلمعون أنفسهم حتى يغتصبوا شرعية يفتقدونها، ويقبلهم أسيادهم في البيت الأبيض. وبعد أن انتهت هذه المسرحية الهزيلة والسخيفة، بممثلين من الدرجة الثالثة، خرجوا بفأر قدموه على أنه أسد، بتصريحات كذب، وأعذار قبيحة، لا ترقى لمستوى ثورة عظيمة، تحطمت على صخرتها كل المؤامرات.


وهنا يجب أن نتكلم عن ثلاثة مواضيع رئيسية في هذا الشأن، الأول: أمريكا وواقعها في هذه الثورة المباركة، بعد حوالي خمس سنوات عجاف، والثاني: من يريدون بيع ثورة الشهداء في سوق النخاسة، والثالث: الواقع على أرض الشام.


أما واقع أمريكا الذي لا تُحسد عليه في كل أرجاء الأرض، فهو كواقع فرعون في آخر عهده، حيث لا تتقبل أن أجلها قد حان، وأن زمانها قد انتهى، وها هي تستدعي هامان من أجل نجدتها، فتنتدب كل من يستطيع تقديم أية مساعدة تبقيها على قيد الحياة؛ لأنها تعلم جيدًا أن أيامها أصبحت معدودة، والجميع ينتظر موتها. والغريب في الأمر أن أمريكا تدرك أنها مسألة وقت ليس أكثر، ولكنها تسعى لتأجيل مصيرها المحتوم، أو تخريب المكان الذي سيخرج منه المارد الذي سيحطم جبروتها؛ لذلك استنفدت كل ما لديها من نفوذ، واستخدمت من تملك من قوى البشرية، لكن لا جدوى ولا مفر، آن الأوان لكي تعود الأمور إلى نصابها.


أما عن بيع الثورة؛ فبعد أن ارتوت أرض الشام بالدماء الزكية التي بُذلت في سبيل الله، للفوز بعز الدنيا ونعيم الآخرة، يأتي من يتاجرون بها، فيتصدرون الأسواق لبيعها بثمن بخس، ذل الدنيا والآخرة. وها هم يتنقلون بين الفنادق، من اسطنبول إلى الرياض إلى جنيف، والمستغرب هنا كيف ساقهم الغرب الكافر كالنعاج إلى حظيرة المفاوضات، دون أن يبذلوا جهدًا، سوى من خلال أمرين، جزرة وضعوها أمامهم، وعصا أخافوهم بها، فبئس المغنم والدافع، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مستوى الذل الذي هم فيه.


والأمر الأخير هو واقع الشام؛ فإن أرض الشام هي أرض المحشر والمنشر، فيها سيحشر الناس كلهم يوم القيامة، فليس غريبًا أن تكون أيضًا الأرض التي يحاسب البشر فيها أنفسهم قبل أن يحاسبهم الله، حيث ستكون فيها معركة الغوطة التي ستفصل بين الحق والباطل، وبين العدل والظلم، إلى مستقبل بلا عودة، وهو ما تتوجه إليه أنظار أكثر مليار ونصف المليار مسلم. ولن يستطيع منع ذلك العملاءُ المرتزقة ولا حكام المسلمين، ولا المتفاوضون الخونة، ولا أمريكا وأوروبا، وكلهم سيلقون إلى هاوية سحيقة قريبًا بإذن الله.


وهنا يجب أن نلفت نظر المتابع للأحداث، أن ثورة الشام ليست كأي ثورة يمكن أن تُسرق وتوجه نحو النظام الديمقراطي العفن، ولن يقبل من قاتل فيها بأن يصبح على قارعة الطريق ويدع أهل الفنادق يتكلمون باسمه. إن هذه الثورة من أول يوم واضحة المعالم، ثورة إسلامية لأجل الله، لأجل إعلاء كلمته سبحانه، استشهد الآلاف فيها من أجل أن يكون الحكم للإسلام، وليس من أجل حكومة مسخ رأسمالية حكامها لا يعلمون معنى التضحية والنضال. فمهما تآمر المتآمرون عليها، لن يكون مكرهم سوى زوبعة في فنجان، وحركة مذبوح، لقد انتهى زمانكم ليستقبل زمان الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.


﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. ماهر صالح - أمريكا

25 ربيع الثاني 1437هـ
0416م

alraiah280116

إن من أعظم أنواع المكر والخداع أن تحول القضية عن أساسها إلى النقاش حول قشورها، وأن تصرف الأنظار عن مجرم كبير قتل مئات الآلاف إلى فاعل سوء صغير، فهذا ما تفعله أمريكا بالثورة السورية لإجهاضها، فكما صرفت الأنظار عن بشار أسد ونظامه المجرم إلى تنظيم الدولة، جعلت الحديث يدور حول من يمثل المعارضة كأنها قضية أساسية لصرف النظر عن لب المسألة وأبجدياتها وهي إسقاط النظام العلماني الباطل أولا ورفض التفاوض معه، وإيقاع أشد العقوبات على رئيسه المجرم وريث أبيه المجرم ومن معه والذين أذاقوا الشعب السوري الويلات على مدى عقود طويلة، وإقامة نظام الخلافة الراشدة الذي خرجت جماهير الشعب السوري الأبي من أجل إقامته، لأنه نابع من دينها الحنيف، ولتطبيق دستورها الصادر من كتابها العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

فروسيا وإيران تتظاهران برفض مشاركة "جيش الإسلام" و"حركة أحرار الشام" في المفاوضات بحجة أنهما تنظيمان إرهابيان بينما السعودية وفرنسا لا تعتبرانهما كذلك. وجيش الإسلام يعتبر اختيار ناطقه علوش كبيرا للمفاوضين مع النظام الإجرامي "نصرا مؤزرا"! فيصف "اختيار علوش خير رد على عنجهية النظام وحلفائه وإنه سيواجه النظام في جنيف كما في الغوطة" كما أوردت الأخبار عن مصادر الجيش يوم 20/1/2016. فصار النقاش من أتفه ما يكون ليدور حول من سيمثل المعارضة، وصار اختيار شخص من جيش الإسلام كبيرا للمفاوضين نصرا مؤزرا وردا على عنجهية النظام وحلفائه! ومفاوضته في جنيف خوض حرب كما في الغوطة! وهذا ما حصل مع منظمة التحرير الفلسطينية، حيث جعلت المفاوضات في جنيف وأوسلو وكامب ديفيد مع العدو مغتصب الأرض وتعيين عريقات كبيرا للمفاوضين نصرا مؤزرا ومواجهة له كما في فلسطين! حتى تنازلت ورضيت أن تكون خادمة للعدو تسهر على حمايته، وتتفاخر بإحباط العمليات الجهادية ضده، وتعتبر ذلك منجزات عظيمة للشعب الفلسطيني! وهذا ما سيحصل لأتباع عريقات سوريا! سيصبحون خداما للنظام العلماني القادم (لا قدّر الله أن يبقى) يحاربون كل من يحارب منجزاتهم العظيمة!

اختزلت أمريكا المسألة في الخلاف على منسيمثل المعارضة وفي الصراع على التمثيل، وأمريكا تكاد تطير من الفرح لأنها استطاعت أن تحقق ذلك. وسابقا كان لسان حالها وكأنها تتوسل حتى تجلب تنظيمات إسلامية مسلحة للمفاوضات، وقد استقال سفيرها فورد عندما فشل بجلبها إلى مؤتمر جنيف2. يبدو أن أمريكا غير مهتمة كثيرا بمن سيشترك من المعارضة، لأن أكبر نجاح لها أن تجد ممن يدّعون أنهم إسلاميون يمثلون الثوار ليدخلوا في مفاوضات مع قاتل أهاليهم، فكانت حريصة على أن تشرك هذه الحركات فيها، فأكبر نصر لها أن تحافظ على النظام العلماني مرتبطا بها وتجعل إسلاميين يقبلون به، ومن سيشترك هم أدوات لا قيمة لهم في نظرها، وعندما تستقر الأمور لها (لا سمح الله) تبدأ بالتنظيف، فالمهم لديها تنفيذ حلها السياسي الذي لم تتمكن من تنفيذه حتى الآن، فتكثف جهودها لتحقيقه. وبعد لقاء وزير خارجيتها كيري نظيره الروسي يوم 20/1/2016 صرح المتحدث باسم خارجيتها كيربي بأن "الوزيرين ناقشا أهمية الحفاظ على التقدم نحو حل دبلوماسي للأزمة". أي أن ما يهم أمريكا هو الحفاظ على ما أنجزته بجلب تنظيمات إسلامية مسلحة إلى مفاوضة النظام التابع لها.

فأمريكا تريد التشدد الروسي والإيراني تجاه تنظيمي جيش الإسلام وأحرار الشام حتى يتراميا على الاشتراك في المفاوضات فتصبح قضيتهما الاشتراك فيها، وليقوما بتقديم التنازلات عن كل مطلب إسلامي لتصبح تنظيمات وطنية اسمها إسلامية سائرة معها، لا تختلف عن غيرها، لكن لها وجهان. وأمريكا حريصة على إشراكهما ولكنها لا تبدي ذلك، فجعلت العملاء في السعودية وتركيا يقومون بخداعهما للاشتراك في المفاوضات، باعتبارهما قوى إسلامية فاعلة على الأرض حتى يقال أن إسلاميين قبلوا بالحل الأمريكي، أي اشتركوا في الخيانة. وعندما تقرر أمريكا من سيشترك فإن روسيا وإيران لا تقفان حجر عثرة فهما يعملان بالتنسيق معها، ويدل على ذلك تصريح وزير خارجية إيران ظريف يوم 20/1/2016 "إن وفد المعارضة يجب ألا يضم ثلاث جماعات معترف بها دوليا بأنها إرهابية، تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة وجبهة النصرة". مما يعني أن معارضة إيران لمشاركة جيش الإسلام وأحرار الشام ليست جادة، وضمنيا لا تعتبرهما إرهابيين، ويمكن أن توافق عليهما.

وأمريكا تدرك أنه لن يتحقق في هذا المؤتمر كل ما تريد، وأن الطريق طويلة، ولو حققت اتفاقية على الورق فلا ترى أن تنفيذها على الواقع سهل. ويدل على ذلك قول المتحدث باسم خارجيتها تونر يوم 20/1/2016 "المواعيد النهائية مسألة مهمة، لكن إذا تأخرت ليوم أو يومين فهذه ليست نهاية العالم.. نعترف بأن هذه عملية صعبة لكن علينا مواصلة الضغوط ومواصلة المضي قدما". فأمريكا تدرك أن المسألة ليست بمشاركة فلان أو علان، ولا بتأخير المفاوضات ليوم أو أكثر عندما جرى الحديث عن مطالب للمعارضة قبل الذهاب إلى المفاوضات من وقف القصف والحصار وإطلاق سراح مسجونين، وذلك لحفظ بعض ماء وجهها ولم يبق فيه ماء ولا حياء. ورغم ذلك فأمريكا تضغط حتى تعقد المؤتمر، وعندما رأت أنه ربما لا يعقد في موعده المقرر 25/1/2016 قالت بإمكانية التأخير، فتلك ليست نهاية العالم! لأنها تدرك أن الموضوع معقد وشائك حتى تتمكن من صياغة النظام من جديد، وستواصل الضغوط حتى تأتي المعارضة خانعة مستسلمة. ويدل على ذلك قول المتحدث باسم جيش الإسلام محمد علوش يوم 22/1/2016: "إن المعارضة تتعرض للكثير من الضغوط لتقديم التنازلات" وأشاد "بالسعودية وتركيا وقطر" لمساعدتها في تجاوز هذه الضغوط، ولا ندري إن كان يدرك أن الدول الثلاث تلعب دورا مخادعا كأنها تساعد جيشه بأنها ستقف معه في وجه المعارضة الروسية والإيرانية وتخفيف الضغوط الأمريكية وتقدم له الدعم مقابل تلبية المطالب الأمريكية.

والمساعدات التي تقدمها السعودية وتركيا وقطر لبعض التنظيمات ليست لإسقاط النظام، وإنما لتقدم التنازلات وتقر بالنظام العلماني، وبعد ذلك تنتهي مهمتها، فإما أن تندمج في النظام أو يقضى عليها، كما فعلت أمريكا في أفغانستان، وهناك كانت السعودية والباكستان تلعبان الدور الرئيس لحساب أمريكا، وهنا السعودية وتركيا تلعبان دورا رئيسا بخداع المعارضة السورية لحساب أمريكا، وقد ذكر جميل صالح قائد فصيل بالجيش الحر في 20/1/2016 "الدعم المقدم في الوقت الحالي غير كاف، قليل جدا، إن المساعدات التي يقدمها الداعمون.. للمعارضة المسلحة ومنهم السعودية وتركيا ليست كافية للتصدي لهجمات روسية تدعمها إيران على الأرض"، فلم تقدم السعودية وتركيا أسلحة ثقيلة تطالب بها المعارضة لا سيما الصواريخ المضادة للطيران، وإلا لتمكن الثوار من إسقاط طائرات لروسيا والنظام، وهذا ما لا تريده أمريكا لأن النظام تابع لها وروسيا تنسق معها وإيران خادمة لها، والعدو بالنسبة لها هو الثورة ذاتها. وأمريكا ليست ضامنة لحلولها السياسية أن تطبق، ولذلك هددت بالتدخل العسكري على لسان بايدن نائب رئيسها أثناء زيارته لتركيا يوم 23/1/2016 بأنها "مستعدة لحل عسكري في سوريا إذا لم يكن التوصل لتسوية سياسية ممكنا". لأن الشعب السوري يحس بما تحوكه أمريكا ضده، وسيرى كيف تهدر كل تضحياته بمؤامراتها، لتبقي على النظام الإجرامي قائما بكل مؤسساته، وتعمل على أن ينجو رأس النظام ومن معه من العقاب، وهي تعمل منذ مدة على إيجاد مخرج لهم تكريما لما صنعوه من أجلها بالتزامهم بالتبعية لها وضربهم للثائرين على نفوذها.

فأمريكا لا تكتفي بتدخلها بالطيران والمخابرات، وزجها روسيا وإيران وحزبها في لبنان، فهي تبحث عن أشكال أخرى للتدخل العسكري، وتستعمل تركيا والسعودية لخداع القوى السنية! لأن القضاء على ثورة أهل سوريا وإخضاعهم ليس هينا، وخاصة بعد كل هذه المآسي التي حلت بهم، والكثير قد فجع بعزيز ودمر بيته وفقد ماله واعتدي على عرضه وهجّر في أصقاع الأرض وأعماق البحار، بينما يفلت المجرمون من العقاب! بل يكرَّمون بحمايتهم إما في أوكارهم داخل سوريا وإما في خارجها في إيران أو في روسيا! وثورة الشام هي ثورة الأمة الهادرة من محيطها الهادي إلى محيطها الأطلسي تتجلى بأشكال مختلفة بغض النظر عن أعمال خاطئة يقوم بها البعض، فذلك دليل على حيويتها وأنها في حالة غليان حتى تقلب الطاولة على رؤوس المتآمرين، فتستلم سلطانها وتسلمه لقيادتها السياسية الواعية التي تعمل على إقامة خلافتها وإنهاضها وتحريرها منذ أكثر من ستة عقود.


كتبه لجريدة الراية: أسعد منصور، بتاريخ الأربعاء 27 كانون الثاني\يناير 2016م
المصدر: https://t.co/F4aimSgcCA