press

حملة لا لجريمة الحل السياسي نعم لإسقاط النظام وإقامة الخلافة

banner

alraiah1702161

إن تركيا منذ أن أعلنت فيها الجمهورية وألغيت الخلافة ووقعت اتفاقية لوزان التي تخلت بموجبها عن أراضي الدولة العثمانية، قد ارتبطت ببريطانيا التي احتلتها وكان لها الدور الرئيس في كل ذلك، ووقعت اتفاقيات معها، ومنها اتفاقية الصداقة التركية الإنجليزية التي وصفها عصمت إينونو وريث مصطفى كمال بأنها ركيزة السياسة الخارجية التركية. أي أن سياسة تركيا الخارجية مرتبطة ببريطانيا وتدور في فلكها.

ولكن منذ مجيء مندريس عام 1950 بدأت تركيا تدور في فلك أمريكا بالإضافة إلى دورانها في فلك بريطانيا. وعندما جاء أردوغان عام 2003 عمل على حصر دورانها في فلك أمريكا، حتى تمكن من ذلك عام 2011 بالدعم الأمريكي. وكانت العلاقات بينهما تسير بشكل جيد ولم يتصادما في شيء يذكر. وكانت أمريكا بحاجة إليه لتركز نفوذها وتنهي أو تضعف نفوذ بريطانيا على الأقل، وقد كان لها ذلك، فأصبحت تتصرف بعدم الاكتراث بأردوغان كثيرا وتملي عليه ما تريد ولا تكترث بغضبه عندما لا توافقه على ما يريد، فإذا ذهب فهناك غيره فلا تأسف عليه، والإنجليز قد تلقوا ضربة قوية في الجيش وفي الوسط السياسي وفي القطاع الاقتصادي والتعليمي والقضاء، وتركز في هذه المراكز عملاؤها أو من يدور في فلكها. وهذا دأب أمريكا بعدما تتركز في بلد فهي لا تعود تكترث بالعملاء إلا بقدر ما ينفذون مشاريعها ويؤمّنون الاستقرار لنفوذها كما حدث في مصر؛ فأبعدت مبارك ووافقت على مجيء مرسي ومن ثم وافقت على سقوطه وأتت بالسيسي، وفي الباكستان عندما قوضت النفوذ الإنجليزي بدأت تلعب بالعملاء، تسقط نواز شريف وتأتي بمشرف، وتسقطه وتأتي بزرداري، ومن ثم بغيره، وبنواز شريف مرة أخرى ليكون عبدا مطيعا لها أكثر من المرة الأولى. وفعلت مثل ذلك في العراق من علاوي إلى الجعفري إلى المالكي وأخيرا العبادي، وفي إندونيسيا فعلت مثل ذلك. فتظهر عنجهيتها وغطرستها حتى على عملائها.

وقد ظهر مثل ذلك في احتجاجات منتزه غزي باسطنبول عام 2013، فكان الموقف الأمريكي منتقدا لأردوغان لقمعه الاحتجاجات، فصرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية جينفر بساكي يوم 1/6/2013: "أن السبيل الأفضل لضمان الاستقرار والأمن والازدهار في تركيا هو دعم حريات التعبير والتجمع وتشكيل الجمعيات التي كان هؤلاء الأشخاص يمارسونها على ما يبدو"، وأعربت عن "قلقها بشأن الأشخاص الذين جرحوا في الاحتجاجات". وقام كتاب محسوبون على الوسط السياسي التابع لأمريكا ومنهم جماعة غولان بانتقاد أردوغان مستغلين الاحتجاجات. وبعدها قامت هذه الجماعة بواسطة منتسبيها في الأمن والقضاء بإثارة قضية الفساد يوم 17/12/2013 فاعتبرها أردوغان محاولة انقلاب، وبدأ بشكل جاد بتصفية هذه الجماعة، وإن بدأت الاختلافات بينهما عام 2011 عندما أسقط أردوغان مرشحي هذه الجماعة للانتخابات البرلمانية، فقامت الجماعة بفضح اتصالات الحكومة مع الحزب الكردستاني بواسطة رئيس المخابرات وعملت على إسقاطه ليكون أحد منتسبيها رئيسا للمخابرات، فقام أردوغان ببعض التصفيات لمنتسبي هذه الجماعة شملت حوالي 500 ضابط أمن. إلا أنه بعد إثارة الجماعة لقضية الفساد أدرك أردوغان مدى خطورة هذه الجماعة فوصفها بالإرهابية وأعلن الحرب عليها، وطالب بتسليم رئيس الجماعة فتح الله غولان القابع في ولاية بنسلفانيا بأمريكا يعمل لحسابها حيث تعقد له المؤتمرات في الكونغرس ليروج للإسلام المعتدل جاعلا النصارى واليهود مؤمنين كالمسلمين ومؤيدا للسياسة الأمريكية في المنطقة ومحاربا لفكرة الخلافة ولثورات الأمة، وخاصة الثورة السورية واصفا الثوار بالإرهابيين، ومؤيدا لكيان يهود ومنتقدا لأردوغان في تعامله مع هذا الكيان، فأمريكا لم تتجاوب مع أردوغان في قضية غولان ولم تسلمه.

طالب أردوغان أمريكا بالتدخل المباشر في سوريا فرفضت وأسكتته عندما قام بزيارتها يوم 16/5/2013 والتقى رئيسها أوباما، وبدأ يطالب بإقامة مناطق آمنة لإيواء اللاجئين ولمنع اتخاذ الحزب الكردستاني المنطقة نقطة انطلاق ولمنع ظهور شكل حكم للأكراد في سوريا مما يؤثر على وضع الأكراد داخل تركيا فيبدأوا بالمطالبة بمثل ذلك. فرفضت أمريكا ذلك على لسان المتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي يوم 30/6/2015 بقوله: "لا يشعر البنتاغون والجيش الأمريكي أو التحالف بحاجة حاليا إلى إقامة منطقة عازلة، ولذلك صعوبات. ولكن ندرك قلق تركيا على حدودها".

إن علاقات تركيا كانت جيدة مع الحزب الكردي الديمقراطي برئاسة صالح مسلم الذي أعلن عام 2013 أنه اتفق مع إيران وتركيا على محاربة الحركات الإسلامية التي تدعو إلى تحكيم الشريعة الإسلامية في سوريا وكشف عن زيارته لتركيا ولقائه مع رئيس مخابراتها. ولكن العلاقات بين الطرفين تدهورت عندما أقام هذا الحزب أربع كانتونات في شمال سوريا عام 2014 ليوجد شكلا من الحكم الكردي في المنطقة، فدعت تركيا صالح مسلم للحديث معه في هذا الموضوع يوم 4/10/2014 وعقبها أعلن رئيس الوزراء التركي داود أوغلو أنهم تكلموا معه بشأن هذه الكانتونات وطالبوه بالتخلي عن ذلك. ومن ثم التقى الأمريكيون صالح مسلم في فرنسا فأثار أردوغان القضية قائلا: "للأسف أن من نعدهم حلفاءنا وأصدقاءنا الأمريكان يلتقون مع الحزب الذي هو امتداد لحزب العمال الكردستاني الإرهابي".

وجاء انزعاج تركيا من أمريكا عندما استدعت وزارة الخارجية التركية السفير الأمريكي لديها يوم 8/2/2016 عقب تصريحات للمتحدث باسم الخارجية الأمريكية كيربي يوم 7/2/2016 عند سؤاله عن الاختلاف في الرأي بين البلدين قال: "كما تعلمون، نحن لا نعتبر حزب الاتحاد الديمقراطي منظمة إرهابية". وقد أبدى أردوغان انزعاجه منها حيث قال يوم 10/2/2016: "على الولايات المتحدة تحديد موقفها هل هي معنا أم مع التنظيمات الإرهابية". واتهمها بتحويل المنطقة إلى "بركة دماء" بدعمها للأكراد.واتهمها بالتلاعب قائلا: "المسؤولون الأمريكان يوافقوننا في الرأي أثناء الاجتماعات، ثم يغيرون مواقفهم بعدما ينصرفوا". ولأول مرة يقوم الجيش التركي يوم 13/2/2106 بقصف مواقع لهذا الحزب داخل سوريا بعد ساعات من تحذير رئيس الوزراء التركي بأن "تركيا ستتحرك إذا واجهت تهديدا عبر حدودها". وتدعم أمريكا هذا الحزب الذي يقاتل بجانبها مع نظام بشار وإيران وحزبها في لبنان بالإضافة إلى روسيا ضد الحركات الإسلامية التي تعمل على إسقاط النظام العلماني التابع لأمريكا وتدعو إلى إقامة الخلافة الراشدة وتحكيم الإسلام.

إن تأثير أمريكا قوي على أردوغان حيث إنها دعمته في الوصول إلى الحكم، فهو يشعر أنه لم يستطع أن يصل إلى الحكم ويثبت نفوذه في الداخل إلا بمساعدتها، فيرى مصيره مرتبطاً بأمريكا التي أصبحت لها سيطرة كبيرة في تركيا بحيث تستطيع أن تتحكم في الحكم والحكام والقضاء والاقتصاد والجيش والأجهزة الأمنية. ولهذا أصبح خروج تركيا في أية جزئية عن السياسة الخارجية الأمريكية أمرا بالغ الصعوبة. وأصبح موقف أردوغان صعبا وحرجا عندما أمسكت أمريكا بكثير من الخيوط في البلد وأصبح مصيره معلقا بها، فهو يطالب بشيء ولا تلبيه، فيسكت، ويعترض على شيء، ولا تقبله، فيهدأ ويواصل ارتباطه بها!!

هذه هي نتيجة الارتباط بأمريكا، وهي بالفعل شيطان كبير، تخدع الناس وتسخرهم وتتلاعب بهم ومن ثم تتخلى عنهم أو تقذفهم عندما تشعر أنها ليست بحاجة إليهم أو أنهم لم يعودوا ينفعونها أو أن وجودهم يضر بمصالحها أو أن مصلحتها عند آخرين. وهي تعمل على كسب قوى كثيرة في أي بلد، لتستخدمهم عند الضرورة. فجماعة غولان استخدمتها أمريكا لتصفية النفوذ الإنجليزي ولدعم أردوغان في تنفيذ السياسة الأمريكية، وهذه الجماعة وإن كانت ليست سياسية ولكنها طمعت فأرادت أن تجعل أردوغان وحزبه تحت تحكمها لتحقق مصالحها وتركز منتسبيها في مراكز مهمة بالدولة. فعندما لم تحصل على ذلك بدأت تعمل على إسقاطه ودعم رئيس الجمهورية السابق غول ونائب رئيس الوزراء السابق أرينتج ممن أظهروا ليونة في المواقف تجاهها. وهناك أحزاب أخرى كالحزب القومي وحزب الشعوب الديمقراطي الكردي وتنظيمات في المجتمع المدني تتبع السياسة الأمريكية تستخدمها أمريكا للضغط على أردوغان إذا عارضها كما استخدمتها في تأييد السياسات التي ينفذها لها.

ومن كل هذا يتبين أن أردوغان لم ينفك عن الارتباط بأمريكا، فنراه يريد شيئا وهي ترفض فيخضع وينفذ رغباتها من احتضان عملائها في الائتلاف الوطني السوري وتدريب معارضة عميلة، وفتح قاعدة إنجرليك لضرب أهل سوريا، وعدم تنفيذ فكرة المنطقة الآمنة، وخضوعه لأوامرها ببناء الجدار العازل مع سوريا لمنع الإمدادات عن الثوار، وقبوله بمقررات جنيف وفينّا والرياض التي تقرّ ببقاء النظام العلماني الكافر في سوريا، ومحافظته على العلاقة مع كيان يهود واستعداده لتطويرها، ومحاربته لفكرة الخلافة والساعين لإقامتها وغير ذلك كثير. والآن إذا طلبت منه إرسال قوات مع السعودية إلى سوريا لتنفيذ سياستها فإنه سيلبي طلبها.

ولهذا فإن الارتباط بدولة أخرى وخاصة إذا كانت استعمارية كأمريكا هي مقامرة كبرى بالمصير، عدا عن كونها جريمة كبرى وخيانة عظمى تجعل مصير البلد مرتبطاً بتلك الدولة. والارتباط الصحيح لا يكون إلا بالأمة فقط والاعتماد على قوتها وجعلها السند الطبيعي لتقف في وجه أمريكا وغيرها، والاعتصام بحبل الله والثقة به أولا وآخرا وهو خير الناصرين.


كتبه لجريدة الراية: أسعد منصور، بتاريخ الأربعاء 17 شباط\فبراير 2016م
المصدر: https://t.co/qtPH9Anxbx

alraiah170216

تشهد الثورة السورية وما يتعلق بها من مواقف وأحداث تطورات متلاحقة، فالثورة في سوريا في مقدمة أجندة أمريكا السياسية، وعلى رأس سلّم أولوياتها، وهذا واضح من كونها شغل جون كيري الشاغل، ومحور اتصالاته وتحركاته وتصريحاته، وبقية القضايا أصبحت في هامش اهتماماته نسبيا، ولم يعد هذا خاصا بأمريكا، فقد فرضت الثورة السورية نفسها على قضايا العالم بشكل عام، وتحولت الثورة في سوريا من تهديد للنفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط إلى تهديد لنفوذ الغرب ومصالحه في المنطقة بالجملة، لذلك كان من الطبيعي أن تحتل الثورة في سوريا رأس الهرم في جدول أعمال مؤتمر ميونيخ للأمن، بالإضافة إلى أن أمريكا تحاول أن تستغل اللقاءات الدولية لتمرير وفرض إرادتها وأجندتها لتخرج بقالب التفاهم الدولي.

وبالرغم من أن أمريكا رفضت منذ بداية الثورة في سوريا أن يكون لأي دولة غربية أي دور في سوريا، واستقدمت روسيا لتستعملها في تأدية دور المفاوض والمعارض لإغلاق الباب على أوروبا من جهة ولفرض أجندتها من جهة أخرى، بالرغم من ذلك فقد كانت أمريكا تأتي بتلك الدول للاجتماعات واللقاءات كشهود زور فقط، ولتأمين الغطاء الدولي لما تريد، ولإسكات تلك الدول بإشراكها ولو ظاهريا لأنها أصبحت تكتوي بنار آثار الأحداث في سوريا، وخاصة ما يتعلق بملف اللاجئين وبملف "الإرهاب".

ومؤتمر ميونيخ للأمن على الرغم من أنه حدث دولي من حيث الحضور والمشاركة إلا أنه ليس مؤتمرا رسميا، بحيث يصدر عنه قرارات أو بيانات رسمية، فهو مؤتمر خاص وليس مؤتمرا حكوميا، وغالب ما يقع فيه عادة نقاشات وتوصيات فقط، إلا أن تطور الأحداث في سوريا وبخاصة الهجمة العسكرية الشرسة على حلب من قبل نظام الأسد والميليشيات المساندة له، بغطاء جوي روسي مكثف بأسلوب الأرض المحروقة، نتج عنه فرار عشرات الآلاف من المدنيين - فرض على أمريكا إصدار ما سمي ببيان ميونيخ، أو تفاهمات ميونيخ بالاشتراك مع روسيا.

وبيان ميونيخ هذا حمل في طياته إعادة صياغة لقرار مجلس الأمن 2254، جاء في الجزيرة.نت في 12/2/2016 (أعلن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري التوصل لاتفاق لوقف تنفيذ الأعمال العدائية في سوريا خلال أسبوع. وقال كيري - في مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والمبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا في ميونيخ- إن الاتفاق على وقف العنف والأعمال العدائية لا يشمل تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة... بينما أكد لافروف أن الاتفاق على وقف الأعمال العدائية سيسبق تحضير أطر لوقف إطلاق النار. وكشف كيري عن تشكيل مجموعة عمل لتطوير طرق عمل طويلة الأمد لوقف الأعمال العدائية... وأكد أن المساعدات ستصل إلى دير الزور والفوعة وكفريا ومضايا والمعضمية وكافة المناطق المحاصرة أو التي يصعب الوصول إليها، وتحدث لافروف عن اتفاق في هذا السياق على إسقاط المساعدات على بعض المناطق جواً...)، وجاء في موقع روسيا اليوم في 12/2/2016 (تبنت مجموعة دعم سوريا في اجتماعها بميونيخ بيانا ينص على وقف إطلاق النار وحل القضايا الإنسانية وإطلاق العملية السياسية في سوريا وإجراء انتخابات خلال 18 شهرا... واتفق أعضاء المجموعة الدولية... على التوصل، خلال 6 أشهر بعد بدء المفاوضات السورية السورية، إلى اتفاق بشأن خطة إصلاحات سياسية وتشكيل حكومة انتقالية، وكذلك "إطلاق عملية وضع دستور جديد وإجراء وفقا له انتخابات حرة وعادلة في موعد أقصاه 18 شهرا". ومع ذلك لا يطالب البيان دمشق والمعارضة السورية بالالتزام بموعد معين للعودة إلى المفاوضات، ويدعو "كافة الأطراف" إلى المشاركة في المفاوضات تحت إشراف الأمم المتحدة "في أسرع وقت ممكن").

والظاهر أن ما ورد في ميونيخ تكرار لما جاء في قرار مجلس الأمن 2254، إلا أن ما يلفت النظر بحسب ما ورد في موقع روسيا اليوم أعلاه حول نص البيان، هو استعمال البيان عبارة تشكيل حكومة انتقالية، مع أن قرار مجلس الأمن نص على "هيئة حكم انتقالي"، والحكومة الانتقالية جاءت على لسان كيري عندما التقى برياض حجاب قبيل مؤتمر جينيف3 حيث أبلغه بأنه ستكون هناك حكومة وحدة وطنية في سوريا وليس هيئة حكم انتقالي، جاء في مفكرة الإسلام في 25/1/2016 (... وأضاف المصدر أن كيري أبلغ حجاب، أن لقاء جنيف سيبحث تشكيل حكومة وحدة وطنية، مشتركة بين النظام والثوار، وليس هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية. كما أوضح كيري أنه "لا يوجد جدول زمني لرحيل بشار، ومن حقه الترشح في الانتخابات القادمة")، وعلى هذا يكون بيان ميونيخ أحدث تعديلا في قرار 2254، أو لنقل كشف عن نوايا أمريكا وما تريده عند تطبيق قرار 2254، فيما يتعلق ببند هيئة الحكم الانتقالي.

أما ما يتعلق بوقف الأعمال العدائية فلن يغير من واقع الأعمال العسكرية شيئا، لأن استثناء تنظيم الدولة وجبهة النصرة يعني أن أعمال القصف والتدمير ستستمر بحجة محاربة الإرهاب، وروسيا أصلا تدعي أنها لا تقصف سوى "الإرهاب"!.

كما أن أمريكا بحاجة من روسيا لإكمال مهمة إعادة سيطرة النظام على حلب، بل إن أمريكا قامت بقصف حلب بنفسها، نقلت رويترز في 11/2/2016 (قالت وزارة الدفاع الروسية يوم الخميس إن طائرتين أمريكيتين قصفتا مدينة حلب السورية في العاشر من شباط/فبراير وإن الطائرات الروسية لم تكن تعمل في المنطقة. واتهم متحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية القوات الروسية والقوات الحكومية السورية يوم الأربعاء بتدمير المستشفيين الرئيسيين في حلب بضربات جوية وإن كان لم يحدد متى حدثت الضربات... لكن المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية إيجور كوناشينكوف قال في بيان "لم يحلق فوق المدينة أمس سوى طيران من التحالف المناهض لداعش" في إشارة إلى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة للدول التي تحارب تنظيم الدولة الإسلامية. وتابع قوله "في الساعة 1355 بتوقيت موسكو دخلت طائرتان من القوات الجوية الأمريكية من طراز إيه-10 المجال الجوي السوري من الأراضي التركية ووصلتا حلب عن طريق أقرب الطرق المباشرة ثم نفذتا ضربات ضد أهداف في المدينة." وأضاف أن الضربات الروسية في ذلك اليوم كانت على بعد 20 كيلومترا على الأقل من المدينة. وعندما سئل يوم الأربعاء إن كان التحالف الذي تقوده واشنطن سيبذل مزيدا من الجهود لمساعدة مقاتلي المعارضة في حلب أو تحسين فرص وصول المساعدات الإنسانية للمدينة قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية الكولونيل ستيف وارن إن تركيز التحالف لا يزال منصبا على محاربة تنظيم الدولة الإسلامية وهو "لا وجود له فعليا في تلك المنطقة من سوريا".)

وهذا يدل على أن أمريكا مستعجلة لحسم معركة حلب لصالح النظام، كما أنه لا يعنيها لو أفرغت حلب جميعها من سكانها، وهي تريد المدينة بلا منغصات لنظام الأسد.

أما موقف ما يسمى بالهيئة العليا للمفاوضات والذي جاء على لسان رياض حجاب رئيس الهيئة فهو نوع من البطولة المصطنعة، وتسويق للهيئة لدى الفصائل المسلحة، جاء في موقع العربي الجديد في 13/2/2016 (كشف قيادي في الجيش السوري الحر أن فصائل المعارضة السورية المسلحة ستعقد اجتماعا مع رياض حجاب منسق الهيئة العليا للمفاوضات لمناقشة اتفاق ميونيخ الذي تمخض عن اجتماع المجموعة الدولية من أجل سوريا، الذي عُقد على هامش مؤتمر ميونيخ الدولي للأمن والسياسات الدفاعية، وصدر فجر الجمعة، ورفض القيادي، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، في تصريح لـ "العربي الجديد" الخوض في التفاصيل التي سيناقشها الاجتماع الذي سيعقد "قريبا جدا"، مرجحا أن يصدر عنه موقف موحد بين الفصائل وهيئة التفاوض من اتفاق ميونيخ).

وهذا التناسق في الموقف بين الفصائل المسلحة وبين ما يسمى بالهيئة العليا للمفاوضات يكسب الهيئة شرعية تمثيلية تسهل على أمريكا لاحقا تمرير نتائج الحل الدبلوماسي الذي تقوم بتفصيله ليناسب مقاس عميلها نظام الأسد المجرم.

نسأل الله سبحانه أن يقي ثورة الشام من كيد الكفار وأذنابهم، وأن يعجل لنا بالنصر والتمكين!


كتبه لجريدة الراية: عبدالله المحمود، بتاريخ الأربعاء 17 شباط\فبراير 2015م
المصدر: https://t.co/d2KMZ0aCOB

art110216

إن الناظر إلى حال الأمة اليوم تتقطع نياط قلبه ألماً وحسرة لما لحق بها من انكسار وتشتت وتمزق وضعف، وكيف لا يتقطع القلب ألماً وهو يرى الأمة وقد توالت عليها النكبات وأثقلتها الجراحات وأقعدتها عن السير العثرات، وهانت من ضعفها حتى تجرأ عليها من تجرأ من الدول والشعوب وتداعت عليها الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها لا من قلة، ولكنها غثاء كغثاء السيل.

 

اليوم نحن أمة ضعفت بعد قوة وتعثرت في سيرها بعد مجد وسؤدد، ولا غرابة في هذا؛ فإن الأمم تمر بدورات بين مد وجزر، صعود وهبوط، ويمكن أن تتعثر مرحلياً فلكل حصان كبوة، ولكن العجيب الغريب أن هذه الأمة تبدو وكأنها لا ترغب في النهوض من عثرتها ولا تريد أن تفارق ضعفها إلى القوة، وكأنها أدمنت الضعف والانكسار، كما وصف حالها أحد الشعراء بقوله: 

 

كساها الذل ثوبا بربريا :..: وتبرق في نواظرها الزيوف

وتسرح كالشياه بكل أرض :..: وحول حما مذلتها تطوف

فلا راعٍ له رايات حزم :..: تُرص له الفيالق والصفوف

 

لم يكفِ الأمة اليوم ما حل بها من المصائب والنكبات وذلك لأخذها شرعاً لا يمت لعقيدتها بصلة، ونمطاً في العيش يتناقض مع فكرتها الكلية عن الكون والإنسان والحياة بعيداً عن أفكارها التي توجد لديها المفاهيم التي تنعكس على سلوكها، بل لقد تعدت ذلك بكثير، فها هم حكام المسلمين اليوم يتنصلون لأحكام الإسلام جهاراً نهاراً بدون قليل من حياءٍ أو خجل، تنصلوا لأحكام الإسلام في الجانب السياسي بأن استبدلوا بنظام الخلافة الأنظمة الجمهورية و الديمقراطية و الدولة المدنية، و الفدرالية وغيرها، كما فعلوا الشيء نفسه في بقية الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، بل ويناضلون من أجلها باذلين الغالي والنفيس من الدماء والأموال وحتى الأعراض!!

 

ألم يفكر المسلمون من الأحق بطلب رضاه والخشية منه، الله الخالق البارئ المدبر أم الغرب الكافر، ألم يقرأوا قوله تعالى: ﴿أَتَخْشَوْنَهُمْ ۚ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: 13]؟

 

لقد وصل الحال بحكام المسلمين والنافذين في كل بلد من بلاد المسلمين إلى تقديم الخدمة للغرب الكافر في تشويه صورة الإسلام وذلك بلصق تهمة الإرهاب به برغم معرفتهم بمن يصنع الإرهاب ومن يصدره ويدعمه، وما المسلمون الذين ينقادون لجماعات مخترقة غير واعية أو غير مخلصة إلا أدوات لتنفيذ هذه المخططات الهدامة مقابل مصالحٍ دنيوية زائلة نتيجة جهل مطبقٍ عن أحكام وأنظمة الإسلام وذلك لغياب كيانه التنفيذي وهي الدولة.

 

إن التشويه لنظام الحكم في الإسلام، الخلافة على منهاج النبوة متعمد، وذلك لثني عزيمة المخلصين العاملين لإقامة دولتها التي ترعى شؤون الرعية بأحكام الإسلام، وتثبيطاً لهمم المسلمين للرضى بالواقع السيئ، لتظل الأمة تحت رحمة أعدائها وعملائهم، ومن ضمن هذا التشويه المتعمد ما أوردته صحيفة اليمن اليوم اليومية الصادرة في اليمن يوم الأحد في عددها رقم (1282) بتاريخ 7 شباط/فبراير 2016م تحت عنوان "القاعدة في الجنوب: الخلافة المؤجلة" نقلاً عن صحيفة الأخبار اللبنانية، والتي نسبت كل أعمال القاعدة والإخوان في اليمن، وكذلك أعمال تنظيم الدولة في العراق وسوريا لدولة الخلافة التي لم توجد بعد، أملاً من هؤلاء وأمثالهم في إلصاق الإرهاب بالإسلام، وتشويه صورة دولة الخلافة في عقول الناس كخطةٍ استباقيةٍ لقيام دولة الخلافة على منهاج النبوة.

 

إن دولة الخلافة الإسلامية هي نظام الحكم في الشريعة الإسلامية الذي يقوم على بيعة قائد مسلم على الدولة الإسلامية ليحكمها بالشريعة الإسلامية. وسميت بالخلافة لأن الخليفة هو قائدهم وهو من يخلف محمداً رسول الله في الإسلام لتولي قيادة المسلمين والدولة الإسلامية، وعليه فإن غاية الخلافة هي تطبيق أحكام الإسلام وتنفيذها، وحمل رسالته إلى العالم بالدعوة و الجهاد.

 

وللعلم فإن ما تقوم به الأحزاب و التنظيمات والجماعات التي تنتسب إلى الإسلام من أعمال مادية متمثلة في قتل الأبرياء وتفجير المساجد والأماكن العامة وغير ذلك، كل هذه الأعمال لا تمت للإسلام كدين ولا للخلافة كنظام حكم بصلة، وإنما تشوه صورة الإسلام خدمةً لأعداء الأمة، فالقتال الدائر بين المسلمين هو نتيجة صراع دولي بين دول الكفر على ثروات المسلمين، ولإذلال المسلمين وتركيعهم للرضا بحلول الغرب ومعالجاته التي لا تمت لعقيدة المسلمين بصلة، وذلك لتبقى بلدان المسلمين ممزقةً مبعثرة لا تجتمع تحت رايةٍ ودولةٍ واحدة، ولكن أنى لهم ذلك، فوعد الله قائم وبشرى رسوله آتية بإذنه تعالى، متى ما استحق المسلمون النصر، وذلك مربوط بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد: 7].

 

فمهما عمل أعداء الله وعملاؤهم من محاولات لإطفاء نور الله في الأرض فستبوء بالفشل وسيتحقق وعد الله بإذنه تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [النور: 55]. وقال تعالى: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ [الصف: 8 – 9]. وستتحقق بشرى رسوله ﷺ حيث يقول: «... ثم تكون خلافة على منهاج النبوة».

 

وخلاصة القول: إن كل ما يحدث في بلاد المسلمين، يهدف به الغرب الماسك بخيوط اللعبة بين أهل كل بلد يشهد أحداثاً مأساوية، وذلك للوصول بهم إلى الرضا والاستسلام والقبول بحلوله التي لا تخدم إلا مصالحه فقط.

 

وفي الحقيقة لا لوم عليه بل اللوم علينا لأننا أخذنا أفكاره وطبقنا أنظمته وقوانينه وتركنا نظام ديننا الرباني، وستبقى بلاد المسلمين ساحات حروب، دماء وأموال وأعراض المسلمين وقودها، إلى أن يرجع المسلمون رجوعاً صحيحاً لدينهم، ويقيموا دولتهم التي تطبق عليهم أحكام وأنظمة عقيدتهم، وتحمل دينهم لغيرهم رسالة نور وهداية، عند ذلك تتحقق لهم العزة والتمكين ورضوان ربهم.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

عبد الله القاضي

عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية اليمن

2 جمادى الأولى 1437هـ
1116م

المصدر: http://www.hizb-ut-tahrir.info/ar/index.php/sporadic-sections/articles/political/35450


art170216

تناقلت وكالات الأنباء يوم الاثنين 15 شباط/فبراير 2016 خبر استهداف الطيران الروسي والسوري أربعة مستشفيات في مدينتي "حلب" و"إدلب"، والذي أسفر عن مقتل 50 شخصا معظمهم من النساء و الأطفال إضافة إلى الكادر الصحي العامل في تلك المستشفيات.

تستمر الهجمة الدولية غير المسبوقة ضد ثورة الشعب السوري، وفي كل يوم تتوالى البراهين القطعية والدالة على أن التدخل الروسي والإيراني وحتى التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا ليس له من هدف سوى إخضاع ثورة الشعب السوري وكسر إرادته وإرغامه على القبول بتسوية تفاوضية تُبقي على "نظام الأسد" وتقضي على أي أمل في التحرر من كابوس حكمه رغم كل ما قدمه الشعب السوري من تضحيات خلال ثورته.

إن تعمد استهداف المستشفيات والنساء والأطفال بالطائرات و القصف العشوائي ليدل بوضوح على مدى وحشية وإجرام القوات الروسية والنظام الذي تدعمه، وإن ما يقومون به في حق الشعب السوري هو حرب إبادة قل نظيرها، وإن الصمت الدولي الذي يرقى إلى درجة التواطؤ هو دليل على الانحطاط والسقوط الحضاري لأمريكا وحلفائها وافتقادهم لأي قيم أخلاقية أو إنسانية، فقد سبق لأمريكا أن قصفت مستشفى "قندوز" بأفغانستان قبل أربعة أشهر، وقصفت مراكز الصحفيين بأفغانستان والعراق إبان الحرب، ولا تزال تعارض إقامة منطقة عازلة أو حظر جوي لإيواء اللاجئين داخل سوريا.

إن القوات الروسية بطائراتها الحديثة وقوتها الصاروخية الضاربة فشلت إلى حد الآن في تغيير الواقع الميداني بشكل حاسم بالرغم من وجود الجنود الإيرانيين وحزبهم في لبنان إلى جانب جنود "بشار" وبالرغم من مشاركة "قوات سوريا الديمقراطية" المدعومة أمريكيا في حصار الثوار، وهذا ما جعل القوات الروسية تكثف من غاراتها الجوية والصاروخية بشكل كبير في الفترة الأخيرة بالتزامن مع توقف مفاوضات جنيف، مستهدفين عن قصد المنشآت المدنية من مستشفيات وأسواق وبيوت، وذلك من أجل ضرب الحاضنة الشعبية التي تؤوي الثوار وتزيد من صمودهم، وهذا ما عبرت عنه صحيفة "هآرتس" العبرية حين تحدثت عن "توصل الجنرالات الروس لقناعة مفادها أن إحداث تغيير في معركة حلب يتطلب استهداف المدنيين لطردهم من المدن والتجمعات السكانية".

وكما فشلت إيران وحزبها فسوف تفشل روسيا في إطفاء لهيب الثورة في سوريا، ومهما حركت أمريكا من أدوات ومهما تواطأ معها العملاء فلن تقدر على كسر إرادة الأمة في سوريا مهما كانت التضحيات. وإذا كانت إرادة الشعوب عادة لا تقهر، فما ظنكم بشعب جعل عنوان ثورته "هي لله".

﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
محمد مقيديش
عضو المكتب الاعلامي لحزب التحرير في ولاية تونس

8 جمادى الأولى 1437هـ
1716م

المصدر: http://www.hizb-ut-tahrir.info/ar/index.php/sporadic-sections/articles/political/35548

art090216

بدأت ثورة الشام سلمية، وبقيت سلمية حتى اضطر الناس إلى حمل السلاح دفاعا عن أنفسهم وأبنائهم وأعراضهم أمام جبروت ردة فعل بشار وكلابه على سلمية ثورتهم. ولعل كل الناس يعلمون كم عانى أهل الشام من الظلم منذ عقود سواء في عهد حافظ الأسد أو في عهد ابنه، أو حتى في عهد من قبلهما، فقد أذاقوا البلاد والعباد مرارة الذل و العبودية، ناهيك عن نشر كل رذيلة، ومثل هذا وأكثر يجري في بقية بلاد المسلمين، فهو عمل ممنهج ومدبر بليل من قبل الكفار المستعمرين الذين قد يختلفون على كل شيء، إلا أنهم يتفقون تماما على محاربة الإسلام والمسلمين، وعلى منع إقامة الخلافة التي تجمعهم وتحمي بيضتهم، ولذا نجد الكفار قد عملوا على سرقة وحرف مسار الثورات في بلاد المسلمين كلها بطرق خبيثة، ومغلفة بريش النعام، وعندما حاولوا ذلك مع ثورة الشام، وتدخل سفيرا أمريكا وبريطانيا لاحتواء تفاقم الثورة، ورفعها لشعارات لم تعتَد عليها ثورات المسلمين السابقة سواء في مصر أو ليبيا أو تونس، حيث كانت شعارات ثورة الشام وأسماء الجُمَع فيها توحي بمشروع إسلامي يقف وراء الثورة، يحتضنها ويزودها بالغذاء العقدي والفكري؛ لتبقى على صفائها ونقائها وسلميتها، لأن المفكر السياسي يعلم علم اليقين أن سلمية الثورة أقوى من عسكرتها حتى لو سالت دماء الكثيرين من المدنيين فيها، ولكن الكفر وعملاءه عملوا على التقتيل البشع، والاعتقالات المفضية للعسكرة الحتمية، فبدأ أفراد من الجيش بالانشقاق سواء بشكل منظم ومتعمد، أو بشكل عفوي، فحصلت العسكرة على حساب السلمية التي غالبًا ما يكون نجاحها مؤكداً وقصير الأجل، وذلك بسبب عدم قدرة النظام على الصمود أمام السلمية والعمل الفكري العقائدي السياسي الذي يفصل الحاكم عن قوته الطبيعة وهو الشعب والأمة. فكانت العسكرة، فقتل النظام ودمر كل ما استطاع.


ولما ضعف نظام بشار أمدته أميركا بحزب إيران وبعض البلطجية المنظمة من العراق، ولما فشلوا أوعزت لإيران فتدخلت بقوة الدولة، والمستشارين السياسيين، ومع ذلك فشلوا وتكبدوا الكثير من الخسائر المادية والقتلى من القيادات العسكرية، وعندما فشلت إيران جاء التدخل الروسي المحوسب والمبرمج بالاتفاق مع أمريكا حيث سبقه اجتماعات مكثفة بين وزيري خارجية الدولتين، وقد صرح كيري وزير الخارجية الأمريكي إبان ذلك أن محادثات جرت مدتها سبع عشرة ساعة مع لافروف وزير الخارجية الروسي. وها هو القصف الروسي يتعدى الشهور بحقد صليبي بشع، لا يفرق بين مدني ومقاتل، وكل ذلك لإخضاع الثوار وحاضنتهم الشعبية للدخول في مفاوضات جنيف3، وإرغامهم على التوقيع على ما تريده أمريكا. تأخر عقد المؤتمر، رغم كل الضغوط، وموافقة بعض قيادات الثوار الداخلية، والهيئات السياسية الخارجية على شروط راعي مؤتمر جنيف، إلا أن الأمر ازداد تعقيدًا، وما ذلك إلا بسبب الرفض الداخلي من الحاضنة الشعبية وقواعد الثوار المخلصين، فكل الناس يعلمون أن ما يقال في الخارج من القيادات لا يقال في الداخل، وأنه غير مقبول بل هو مرفوض رفضًا باتًا، ذلك أن الثورة منذ اندلاعها قد صرحت بشعاراتها المنبثقة من عقيدة أهل الشام من مثل: "ما لنا غيرك يا الله" و"هي لله، هي لله" وإلا لكان انحراف الثورة أمرًا سهلاً وميسورًا، وخصوصًا بعد التدخل الروسي، والقصف المكثف والبشع والقوي.


وخلال كتابة هذه السطور وردت تسريبات عن وزير خارجية أمريكا أن الأشهر الثلاثة القادمة ستكون حاسمة حيث أفاد: "إن القصف الروسي الأسوأ لم يأتِ بعد"، وتوعد أن إفشال مؤتمر جنيف سيكون له عواقب وخيمة، وأعلنت السعودية وبالتعاون مع الأردن عن استعداها للتدخل البري، وما كل ذلك إلا للقلق من استمرار الفشل وتعقيد الأمور مما يفضي إلى عسكرة المنطقة بأسرها وتفلت بعض عناصر جيوشها، ورفضهم للأوامر العسكرية من قياداتهم، ومثال ذلك حادثة مركز تدريب الموقر في الأردن وقتل الأمريكان، وكذلك حادثة رفض الطيار الصمادي الأردني زيارة يهود ولو بمهمة تدريبية، ناهيك عن الإحالة على التقاعد للكثير الكثير ممن حولهم بسبب إخلاصهم، هذا هو حال الأمة الإسلامية بكل أطيافها، ولذلك نرى الفشل يتلوه الفشل لكل مؤتمرات الكفر لإفشال الثورة وحرفها عن الهدف الأصيل ومطلب الحاضنة الشعبية بضرورة تحكيم الشريعة الإسلامية وإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، واجتثاث الكفر من الشام، وهذا يفهم منه بطبيعة الحال توحيد بلاد المسلمين وطرد الكافر المستعمر من بلادهم.


مما تقدم نستخلص معنى التساؤل الآتي: في ثورة الشام هل القوة لروسيا و أمريكا أم للرأي العام..؟! وعليه نستخلص أن البطش لا يمكنه أن يجتث فكرة نمت وترعرعت وملكت على الناس نفوسهم وعقولهم، فالقوة العسكرية تصرع قوة مثلها، لكنها لا تصرع فكرة، لذا فالفكرة التي استندت إليها ثورة الشام هي تحكيم الإسلام وإقامة دولة الإسلام، وقد أصبحت مشروعًا ومطلبًا لقواعد الثوار والحاضنة الشعبية، وهي للعلم ليست فكرة نشأت إبان الثورة فقط، بل هي سابقة لها بعقود، حيث إن العاملين المخلصين من المسلمين لإيجاد هذه الفكرة في واقع الدولة و المجتمع لم يغادروا سوريا منذ أكثر من خمسة عقود، ورغم التعذيب الذي أفضى بكثير منهم إلى الشهادة في سجون الظالمين وتحت وطأة سياط جلاوزتهم، والذين حفظ بعضهم رقمه ونسي اسمه، لطول ما مكثوا في السجون بلا محاكمات لا عادلة ولا حتى ظالمة، ولذلك كانت هذه الأفكار كامنة ساكنة للقلوب تنتظر فرصة لتعبر عن نفسها، وحين بدأت ثورة الشام انطلق أهلها ملبين ومضحين بالغالي والنفيس، ومضحين كما ضحى أسلافهم من المسلمين الأولين، فضربوا أروع الأمثلة في التضحية و الفداء، ورفضوا حتى مجرد التفكير بالهجرة لدول الجوار، أو الهروب إلى أوروبا التي فتحت أبوابها مستغلة حاجة الكثيرين، وظلم ذوي القربى من أنظمة دول الجوار، وما زال الثوار رغم كل ما دفع من المال السياسي القذر وشراء لبعض القيادات الرخيصة، إلا أنهم صابرون وثابتون على مشروع الثورة ومطلبها ألا وهو تحكيم الإسلام والخلاص من النظام القائم، وإقامة دولة الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة، لا دولة مدنية، ولا علمانية، ولا الرضا بما يسمى بدولة مدنية بمرجعية إسلامية.


وإننا لنرجو الله تعالى أن ينصر ثورة الشام بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وذلك بعد الأخذ بالأسباب من الثبات على هذا المشروع، وبثه بين البقية الباقية من أبناء الأمة لينسجموا مع أمتهم، ومع أهل القوة فيهم، ولتكون هناك أرض خصبة ليَتَنَزَّلَ نصر الله تعالى.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأستاذ وليد حجازات - الأردن

30 ربيع الثاني 1437هـ
0916م