press

حملة لا لجريمة الحل السياسي نعم لإسقاط النظام وإقامة الخلافة

banner

362020raya

 

يشتد في هذه الأيام الترويج للحل السياسي الذي طرحته أمريكا منذ بداية الثورة وأخذت تراوغ به لاحتواء الثورة سياسيا والقضاء عليها عسكريا وفرض الحل الذي يحفظ نفوذها. إن ما جرى مؤخرا من تسليم المناطق في أرياف حماة وإدلب وحلب الغربي وتشريد الناس وتعفيش بيوتهم كان بتواطؤ من تركيا وقادة الفصائل من جهة وروسيا من جهة أخرى لتركيع الناس وقبولهم للحل السياسي. وكذلك فتح الطرقات الدولية، كل هذا توطئة للحل السياسي بطريقة مذلة ومهينة لفرض حل سياسي يفرض بالقوة العسكرية والقتل والتشريد... فما هو هذا الحل السياسي؟

إن الدول العاملة في سوريا من مثل روسيا وتركيا هي أدوات منفذة لما يمهد للحل السياسي وليسوا أصحاب قرار في وضع الحل السياسي، ولذلك كل ما يقومون به لا يعطي الشكل الحقيقي للحل السياسي لأن صاحبة القرار هي أمريكا وهي حتى الآن لم تفصح عن مخططها الذي تعمل عليه بخبث ومكر لإيجاد عملاء ليكونوا حكاماً جددا، وأيضا لم تفصح عن شكل الدولة ودستورها وقوانينها، ولكن نستطيع أن نستقرئ الحل السياسي من خلال نماذج سابقة لحلول سياسية فرضتها أمريكا على شعوب المنطقة بعد حروب حصلت كما في لبنان والعراق وأفغانستان.

إن الواقع في تلك الدول يعطينا نموذجاً للحل السياسي في سوريا.

ففي هذه الدول فرضت أمريكا حلولها السياسية بعد أن جمعت زعماء الحرب في هذه الدول في مؤتمرات كمؤتمر الطائف للبنان ومؤتمر مكة للعراق، صالحت فيها بين زعماء الحرب وجلبت مزيداً من العملاء لها وفرضتهم حكاما على الناس.

كما أنها حافظت على الطابع الأمني البوليسي لهذه الدول لتكون قامعة لكل من يفكر بالحل الحقيقي الذي يغير الواقع الفاسد تغييرا جذريا، كما أن لهذا الحل السياسي طابع التحكم الاقتصادي المالي للرأسماليين "الذين أثروا من الحرب والسرقات التي نهبوها من ثروات الأمة وقوت الشعب"، سيكون الوجه البارز للحكم وإن سمي ديمقراطيا فهو في الحقيقة شراء لأصوات الناخبين بالمال القذر، ومن باع صوته لا حقوق له بعد ذلك.

كما أن هذا الحل السياسي لا ينسى المحاصصة الطائفية والمليشياوية التي باسم الطوائف والمذاهب يتقاسم زعماء الطوائف والمليشيات المناصب والمنافع لمزيد من نهب الثروات ومقدرات الشعوب.

وكذلك فرض بعض العملاء تحت عنوان الخبراء والاختصاصين والتكنوقراط، وهذا الصنف الذي يدفع به إلى الساحة باعتبارهم مخلصين للشعب وهم في الحقيقة عملاء سريون صُنعوا وراء الكواليس ولم يشاركوا في الحرب بل هم لصوص الظل الذين تربوا في أحضان أمريكا وكيان يهود. هذه الطغمة الفاسدة من العملاء سيضعون دستورا علمانيا على مقاسهم وشاكلتهم بعد أن تمكنهم أمريكا من رقاب الناس وسيغيرون هذا الدستور كلما اقتضت الحاجة لخداع الناس بعد انكشاف زيفهم وفسادهم.

نعم هذا هو الحل السياسي الذي يروجون له للتغيير والخلاص من النظام السابق، فما هو المتوقع من نتائج هذا الحل السياسي؟

إن المتوقع منه واضح من خلال ما شاهدناه في لبنان والعراق من فساد واستبداد وأزمات اقتصادية وخدمية على كافة المستويات، وليس آخرها مزيد من انهيار العملات وفقدان الناس مدخراتهم. ونسلط الضوء قليلا على ثمار الحل السياسي التي ستنتج في سوريا كما نتجت في العراق ولبنان:

ففي لبنان انتهت الحرب منذ ثلاثين عاما ولكن تتالت الأزمات على الناس الذين هاجروا من البلد بعد الحرب أكثر ممن هاجر أثناءها لأنه بلد لم يعد صالحا للعيش فيه بعد الحل السياسي.

فعلى مستوى الأمن هناك استهداف للمسلمين لأنهم يرفضون الحل السياسي الفاسد ويسعون للتغيير الحقيقي، فالسجون مليئة بشباب المسلمين المخلصين، بينما عملاء كيان يهود وتجار المخدرات وأرباب الجرائم يحاكمون محاكمات سريعة وتصدر بحقهم أحكام مخففة ويخرجون بعفو عام أو خاص! وعلى المستوى الاقتصادي البطالة وانعدام الخدمات من تعليم وصحة وكهرباء ومياه هي ما يعاني منه الناس؛ فالمدارس الرسمية فاشلة مما أوجد جيلا من الجهلة والضائعين، وعلى المستوى الصحي يموت الناس أمام أبواب المستشفيات ولا يجدون استشفاء، وعلى المستوى الخدمي لا زال الناس بعد ثلاثين عاما من انتهاء الحرب يعيشون على أمبيرات الكهرباء وصهاريج المياه وأكثرها غير صالح للشرب ورغم ذلك يشربها الناس.

هذا في لبنان، وفي العراق الوضع أشد سوءاً، وكذلك في أفغانستان مما يؤدي إلى انفجار الوضع كل فترة فتقوم الاغتيالات والاقتتالات والمظاهرات فتعالجها الأنظمة بمزيد من الترقيع والخداع.

هذه هي نتائج الحلول السياسية الأمريكية للشعوب المسلمة، والحل في سوريا ستكون نتائجه على هذه الشاكلة من الفوضى والفساد والفقر والمرض والجهل تحت قبضة أمنية واقتصادية للعملاء الجدد لمنع أي تغيير حقيقي، فما هو التغيير الحقيقي الذي يخلص الأمة من هيمنة أمريكا وظلمها؟

إن الحل الحقيقي هو في التغيير الجذري لمفاهيم الناس عن الحياة والنظام السياسي الذي ترعى به شؤون الناس، وهذا التغيير يكون باتخاذ الإسلام مبدأ ونظاما للحياة ويعمل له ويُحمل باعتباره مشروعاً سياسياً توحد على أساسه جهود الأمة لكي تتخذ من حملة هذا المشروع قيادة سياسية تنبثق من الأمة لتقودها نحو التغيير الحقيقي.

وقد قدم حزب التحرير مشروع دستور أوضح فيه رؤيته للتغيير وما تقوم عليه الدولة من عقيدة وفكر وما تطبقه من أنظمة في الحكم والاقتصاد والاجتماع والقضاء والجيش والعلاقات الدولية. هذا المشروع يمثل عرضاً حقيقيا كاملا متكاملا متوكلا على الله مؤمنا به ومستندا إلى جهود الأمة من أبناء المسلمين وحدهم حيث لا خلاص ولا تغيير إلا بهذا الطريق كما وعد الله سبحانه بقوله ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾، وكما بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله بعد انتهاء الحكم الجبري «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ».

فهل سيقف المخلصون من أبناء الأمة متفرجين على من يسيرون بالثورة إلى الحل السياسي الأمريكي ويفرطون بكل تلك التضحيات التي قدمها أبناء الأمة في سبيل إعلاء كلمة الله وخلاص الأمة من أنظمة الكفر الجبرية؟

 

بقلم: الشيخ محمد سعيد العبود (أبو مصعب الشامي)

 

جريدة الراية: https://bit.ly/3cs3rbZ