2222

 

 

 

ألقى الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، خطاباً أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، يوم الأربعاء 24/9/2025م، في أول إطلالة لرئيس سوري منذ عهد نور الدين الأتاسي عام 1967م. وقد استعرض الشرع خلال كلمته رؤيته للمرحلة الانتقالية، موجهاً الشكر لدول قال إنها دعمت الشعب السوري، وخص كلاً من تركيا وقطر والسعودية وكل البلاد الإسلامية، وأمريكا والاتحاد الأوروبي. مضيفاً أن "التهديدات (الإسرائيلية) ضد بلادنا لم تهدأ منذ 8 ديسمبر إلى اليوم". ومع ذلك، شدد على أن "دمشق تستخدم الحوار والدبلوماسية لتجاوز هذه الأزمة، وتتعهد بالتزامها باتفاق فض الاشتباك لعام 1974، وتدعو المجتمع الدولي للوقوف إلى جانبها لمواجهة هذه المخاطر".

وفي كلمة له خلال قمة على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة قال أحمد الشرع إن كيان يهود قام باعتداءات كثيرة على سوريا منذ تولي النظام الجديد حكم دمشق، معتبرا أن قصف القصر الجمهوري مطلع أيار/مايو الماضي إعلان حرب، مضيفاً أنه توصل إلى مرحلة متقدمة في المحادثات الأمنية مع كيان يهود يأمل أن تحافظ على سيادة سوريا وتبدد مخاوف يهود الأمنية. وتابع أن المرحلة الأولى هي الاتفاق الأمني وإذا كانت لدى الكيان مخاوف فيمكن أن تتم مناقشتها عبر وسطاء، لافتا إلى أن سوريا ذاهبة في اتجاه ألا تشكل أراضيها أي تهديد لأي منطقة. وأكد أن حالة الغضب في سوريا وحول العالم تجاه ما يحصل في غزة تؤثر في موقف بلاده تجاه اتفاقيات أبراهام، كما جدد دعوته واشنطن لرفع العقوبات المفروضة على بلاده والمرتبطة بقانون قيصر.

وفي لقائه مع الجنرال ديفيد بتريوس، القائد العسكري السابق في العراق وأفغانستان والمدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، في جلسة أقيمت ضمن مؤتمر جامعة كونكورديا السنوي حول الأمن والديمقراطية، يوم الاثنين 22/9/2025م في نيويورك، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة صرح الشرع بعدة تصريحات منها:

- "منذ وصولنا إلى دمشق قامت (إسرائيل) باعتداءات كثيرة على سوريا، لديها تقريبا نحو ألف غارة، دمرت فيها كثيرا من المؤسسات السورية العسكرية والأمنية والمدنية أيضا"... "(إسرائيل) توغّلت 400 مرة بريا داخل الأراضي السورية، لذلك نحن لدينا مراحل في الدخول في التفاوض معها".

- "سياسة سوريا أن تكون لديها علاقات هادئة مع جميع الدول وألا تكون مصدر تهديد لأحد".

- يجب أن نبحث عن وسائل للعيش المشترك بين السوريين و(الإسرائيليين) إذا أردنا اتفاقا.

- سوريا تسعى لتجنب الحـرب لأنها في مرحلة بناء.

- النقاش جارٍ مع (إسرائيل) حول الاتفاق الأمني ووصلنا إلى مراحل متقدمة، والكرة في ملعب (إسرائيل) والمجتمع الدولي في تحديد المسارات الحقيقية التي ينبغي أن ندخل بها.

- هناك مصالح متطابقة ما بين سوريا وأمريكا والغرب في المرحلة الحالية.

ومن أخطر ما نطق به بترايوس مخاطبا الشرع: "لديك الكثير من المعجبين وأنا واحد منهم، نتمنى لكم النجاح لأنه في نهاية المطاف نجاحك نجاحنا".

وخلال جلسة حوارية في معهد الشرق الأوسط بنيويورك، قال أحمد الشرع: "لا نستطيع استيراد أنظمة جاهزة أو استيراد أنظمة من التاريخ ونسخها وتطبيقها على سوريا". وفي حديثه عن كيان يهود قال إن "القوة فقط لن تأتي لـ(إسرائيل) بالسلام"، مضيفاً: "لسنا من يسبّب المشاكل لـ(إسرائيل) نحن نخاف منها وليس العكس"! رغم أن أهل الثورة في الشام هم الأباة الأعزة الذين أذلوا نظام الإجرام فأسقطوه بصبرهم وثباتهم وإيمانهم ويقينهم بمعية ربهم سبحانه، رغم أنف يهود ورغم أنف داعميه وعلى رأسهم أمريكا وأممها المتحدة المتآمرة المتواطئة.

قد يتراءى للبعض أن زيارة أحمد الشرع للأمم المتحدة وخطابه فيها خطوة متقدمة وإنجاز غير مسبوق، خاصة مع ما رافقها من تلميع وتضخيم على الأرض وعبر وسائل الإعلام المسيسة، غير أن هذه الخطوة تكشف حجم المأزق والخطر الذي بتنا فيه بعد إسقاط بشار في ظل الهرولة باتجاه الأمم المتحدة والنظام الدولي اللذين تتحكم بهما أمريكا كي ننال الرضا والقبول بدل أن نعتز بديننا ونُكمل تطبيق ثوابت ثورتنا بعد أن حملتنا معية الله إلى دمشق منتصرين. حيث إن الأمم المتحدة ومنبرها ليسا مصدراً للعدل، بل هي شريك أصيل في الجريمة التي ارتكبت بحق أهل الشام عبر عقود من الزمن. ففي هذا المجلس أُعطي بشار المجرم تفويضاً ليرتكب مجازره، وفيه تمت التغطّية على استخدامه للبراميل والكيماوي وأصناف القصف والبطش والتهجير، وفيه شُرعن وجوده عبر مقاعده ولجانه، بينما كان الشعب السوري يُذبح ويُهجَّر. هذه المنظمة لم تكن يوماً نصيراً للحق، إنما كانت على الدوام أداة بيد القوى الكبرى لفرض سياساتها وتحقيق مصالحها ولو على حساب دماء أهل الشام، فهل يرجى من الشوك العنب؟!

إن الذهاب إلى الأمم المتحدة ليس نصراً ولا مدعاة للفخر، إنما هو منزلق سياسي خطير، إذ يعني طلب الشرعية من الجهة نفسها التي أعطت الشرعية للمجرم بشار، وسمحت له بالبقاء كل تلك السنوات.

الشرعية الحقيقية لا تمنحها هيئة دولية فقدت مصداقيتها، وإنما كتبها أهل الثورة بدمائهم وصمودهم وتضحياتهم التي قدموها بوجه المتآمرين ومنهم هذه المنظمة. كما أن تقييم هذه الزيارة لا يؤخذ من غزل الأعداء ولا ابتساماتهم الصفراء ولا إعلامهم المسيس الخبيث، إنما فيما تم من اتفاقيات وما فُرض من قرارات خلف الكواليس ستظهر نتائجها الكارثية في قادم الأيام، سواء في مجال مكافحة "التطرف والإرهاب"، أو فرض فلول النظام في موقع القرار، أو الدفع باتجاه التطبيع مع كيان يهود، أو فرض نظام علماني يفصل الدين عن الحياة والدولة والمجتمع، على أرض جاد أهلها بما يقرب من مليوني شهيد.

إن من أخطر الفخاخ السياسية اللهاث لنيل الرضا والقبول والانخراط تحت عباءة النظام الدولي والأمم المتحدة، فهي ليست جمعيات خيرية إنما هي ضباع استعمارية تريد إخضاع الشعوب وسلب قرارات الدول والتحكم بها وبقراراتها وإجبارها على إعطاء الولاء المطلق للغرب بقيادة أمريكا.

وإنه في ظل غياب دولة المسلمين وإمامهم، فإن مجرد الدخول تحت العباءة الدولية يفرض على الدولة السير في ركاب ما ترسمه الدول الاستعمارية من خطوط وما تمرره من قرارات وما تفرضه من إملاءات، هذه هي الحقيقة بعيداً عن أي سراب كاذب.

فحريٌّ بأهل الثورة أن يدركوا خطر استرضاء مؤسسة متواطئة أو نظام متآمر، بل الواجب فضح ما فعلته وتفعله من تآمر، وفضح كل من كان عوناً للنظام البائد المجرم.

أما التعامل مع كيان يهود وعربدته وعلوه وانتفاشه لا يكون بمد حبال اللين والاسترضاء معه، فلا ينفع معه تفاوض تديره أمريكا ولا يجوز معه تطبيع أو انخراط في جريمة اتفاقات أبراهام، فهو عدو غاصب يسفك دماءنا، ولا يجوز التعامل معه وفق حدود وطنية و"إسلام وطني" يروج له مشايخ السلطان وعلماؤه المتحلقون حول موائده، إنما هو دين العزة والأنفة، دين النصرة والمؤازرة، دين الفتح والنصر والتحرير، دينٌ عنوانه: "نصرت يا عمرو بن سالم"، إنه نبض الأمة من مشرقها إلى مغربها، الأمة التي تتحرّق ليوم الزحف والتحرير. فصراعنا مع يهود صراع وجود لا صراع حدود، صراع حسم الله نتيجته في كتابه ونبيه ﷺ في أحاديثه.

لقد آن لزمن استجداء الخارج أن ينتهي، وآن لزمن التزلف والعبودية لأمريكا المجرم الحقيقي وأممها المتحدة ونظامها الدولي أن ينتهي، وآن أوان عزتنا بالإسلام وحكمه في ظل دولة بشرنا رسول الله ﷺ بعودتها، إنها الخلافة الراشدة الثانية، بها وحدها نعز من جديد، ونعود سادة الدنيا، وبها وحدها نحمل الإسلام رسالة عدل ورحمة للعالم أجمع، شامخين وواثقين ورافعين رؤوسنا بعزة الإسلام لا مطأطئي الرؤوس أذلة لأعداء الإسلام الذين يتربصون بنا الدوائر، ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾.

---------

كتبه: 


عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا