أحمد معاز

 

 

قرأت بعض التحليلات التي لا ترتقي لأن تكون كذلك، تتحدث عن استدارة أمريكية نحو تركيا وذلك تعليقا على زيارة وزير الخارجية التركي إلى واشنطن وأن هذه الزيارة لن تكون في صالح روسيا وإيران، وأن أميركا سترضخ للمطالب التركية في المنطقة.

الحقيقة أن هذه التحليلات تفتقر للمطابقة مع الواقع الذي ينطق بغير ذلك أبداً، فالنظام التركي والإيراني يعيشون أفضل الأيام وعلاقاتهم تتطور بشكل كبير، وزيارة وزير الخارجية الإيرانية إلى أنقرة ولقاءه جاويش أوغلو قبل مغادرته باتجاه واشنطن تحمل في طياتها رسائل مهمة بل يبدو أن هناك خطة ما يتم حياكتها للثورة بعد الفشل المتلاحق في الفترة الماضية، وأنه تم فرز المواقف مما ستقرره الولايات المتحدة للمرحلة القادمة في التعامل مع الثورة.

النظامان التركي والإيراني يدوران في فلك الولايات المتحدة ورغم بعض الخلافات في وجهات النظر من قضايا المنطقة وخصوصا في سوريا فإن ذلك لا يؤثر على العلاقة الثنائية بين البلدين، وهما يسعيان لتحقيق المصالح الأمريكية في المنطقة، وكما أن أميركا استقدمت إيران ومليشياتها لمساندة نظام الإجرام عسكريا للقضاء على ثورة الشام.
كما أنها أوكلت دورا قذرا للقوات الروسية في أواخر عام 2015 و لكنها جميعا فشلت في القضاء على ثورة الشام .

ما لا يعلمه الكثيرون أن جميع القوات العسكرية الموجودة في سوريا استدعتها أميركا لحماية نظام عميلها بشار وأن الجميع بمن فيهم تركيا يتململون ويريدون إغلاق الملف بشتى الوسائل لأنه أصبح يستنزف الجميع، فالحرب الروسية الأوكرانية لا يمكن التكهن بنهايتها، والنظام الإيراني على صفيح ساخن، والنظام التركي يتحضر للعنة؛ كما سبقه إليها خامنئي، ويمكن أن تتفاجأ هذه القوى بحراكات غير متوقعة في المنطقة في ظل التضخم وفقدان العملات المحلية قيمتها وتدهور اقتصاد المنطقة وحالة الشلل الاقتصادي والفقر الذي يضرب العالم و اتجاه جموع الشعوب نحو الفقر في ظل الهيمنة الرأسمالية الأمريكية على ثروات الشعوب ونهبها المنظم.

هناك حقائق لا يمكن تجاوزها أثناء النظرة السياسية للواقع ومحاولة تحليلها وهي أن ثورة الشام أصبحت رقماً صعباً ليس من السهل تجاوزه ولكنها للأسف لم تهتدِ حتى الآن لقيادة حقيقية حرة تستطيع استثمار قوتها في تحقيق مصالحها ومصالح أبنائها، وإن من نافلة القول أن جميع الكتل السياسية والعسكرية التي تصدرت المشهد لم تتمكن من تحقيق مصالح الثورة، بل إنها انحدرت إلى أن تكون أدوات رخيصة بيد النظام التركي يستثمرها في لقاءاته مع القوى الكبرى الأخرى دون النظر لمصالح أتباعه في الثورة.

الثورة ما زالت في طرف والجميع في طرف آخر ما بين صديق وعدو؛ وهم في طرف مصالحهم المعقدة مع القوى الدولية، وهذا دافع مهم للبحث عن قيادة سياسية تعبّر عن مصالح الثورة الحقيقة و لن يكون ذلك إلا باستعادة قرارها والتمسك بأهدافها و ثوابتها ، وهي -أي الثورة- تملك من أوراق القوة الشيء الكثير لو اهتدت للقيادة السياسية الفذة التي تستطيع استثمار هذه الإمكانات للسير بالثورة الى أهدافها.

اللقاءات الدولية الكثيفة التي تبحث ملف الثورة هذه الأيام تخشى تفلتها وانزياحها إلى جانب يخشونه أكثر مما يخشون بعضهم، وهناك حوادث كثيرة تشير إلى أن هذه اللقاءات حصلت نتيجة التطورات الأخيرة في المناطق المحررة، بداية من الرفض الشعبي لتصريحات أوغلو عن المصالحة والهيجان الشعبي الهائل، ولاحقاً إفشال تسليم مناطق الشمال حتى الآن لهيئة تحرير الشام التي أصبحت خادماً للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط كما عبّر عن ذلك مسؤول أميركي في وقت سابق، وانتهاءً بما حصل مع سالم المسلط رئيس الائتلاف الأمريكي. الأمر الذي دق جرس الخطر عند جميع الدول بأن الثورة تحاول جدياً هذه المرة الخروج من تحت عباءة النظام الدولي، وهذا بعرفهم لا يبشر بخير، لأنهم يدركون أن طرد رئيس الإئتلاف ليس بحدث عابر بل هو حدث مفصلي له ما بعده ويمكن أن يتكرر مع جميع الأدوات من حكومات وقادة فصائل مرتبطة، بمعنى أن الموقف يعبّر عن الحالة الثورية المتعاظمة وليس الحالة التي كان يُراد لها بعد أكثر من عقد من الضعف والتشتت التي عملت جميع القوى المحلية والدولية على ترسيخها.

إن الفشل الذي أصبح عنوان جميع التحركات ضد الثورة في الفترة السابقة ينبئ بأن الخير لا يزال كامن في الثورة وحاضنتها، وأن حالة الجمود التي وصلت لها الثورة بدفع من جميع الدول والأدوات الرخيصة قد شارفت على الانتهاء.
لقد أثبتت الأحداث الأخيرة أن الثورة انتصرت انتصاراً مهما في معركة الوعي، وهو مقدمة جيدة ومشرقة لما ستكون عليها قادم الأيام بإذن الله بعد انكشاف جميع الأدوات واحتراقها من طرف وسقوط جميع التيارات الفكرية التي حاولت احتواء الثورة وكبح جماحها ومنعها من مواصلة السير من طرف آخر، وكل هذا يعبر بصدق عن اقتراب الموجة الثانية من الثورة الراشدة التي وعت الدرس بعد اثنتي عشرة سنة وفهمت أنه لا يمكنها الاستمرار في طريقها بدون قيادة سياسية مبدئية لا تفاوض ولا تهادن ولا تقبل بأنصاف الحلول مهما كبرت فاتورة التضحيات.
قال تعالى:
(وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِين)

===
للمكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
أحمد معاز