press

حملة لا لجريمة الحل السياسي نعم لإسقاط النظام وإقامة الخلافة

banner

raya

 

إن أي تحرك يهدف إلى الخروج عن نظام سياسي سيكون من الشيء الطبيعي أن تكون جميع مساعي أوساط العهد السابق منعه من الوصول لغايته لما في ذلك الأمر من أضرار وخطر محقق على منظومتهم التي تحكم وتتحكم.

تكون الجهود الطبيعية في حينها للمهدَّد بالزوال أن يستحضر جميع الإمكانيات وكذلك يستنفر كل الجهود لأجل منع حدوث التغيير.

في بداية الأمر تكون المساعي احتواء الحركة وتوجيهها حتى تبقى ضمن الخط السليم الذي رسموه هم والذي بدوره يحافظ على تسلطهم وتجبرهم، وهنا يتم البدء برسم دوائر تحيط بالنظام القديم لحمايته، حتى تبقى دائرة العمل التغييري مهما توسعت ضمن المرسوم الذي يمكن السيطرة عليه ومن ثم تحويل اتجاهه وتفريغه من مضمونه ومن ثم القضاء عليه.

وليست فكرة طرح ممثلين سياسيين ومجالس وعقد مؤتمرات والدعوة لاجتماعات إلا نشاطات تصب في الأمر ذاته الذي فيه سلامة الفئة المتسلطة وصالح أمرها.

إن أي دولة مستعمرة تسعى جاهدة للمحافظة على ما استعمرته، سواء بأن توجد بدائل سياسية لتحل بدلا عما انتهت صلاحيته، أو أن تُعيد إنتاج عميلها، هذا إن لم تكن البدائل لديها متوفرة، ولذلك ليس طول عمر ثورة الشام إلا لسبب واحد وهو الذي بدوره قد يساعد بأن تعود الثورة لركبها الصحيح وهو أن الدول المتآمرة على ثورة الشام، وعلى رأسها أمريكا، ليس لديها بديل سياسي مناسب لعميلها بشار، وذلك نتيجة ما قام به أبوه من قبله، بالقضاء على الوسط السياسي في سوريا وسلم البلاد دون رؤوس.

وهي تسعى لإيجاد بديل مناسب لم تهتد له بعد، ولم تستطع كذلك تسويق حلولها وتمرير مخططاتها على الحاضنة الثورية في أرض الشام. ولأجل ذلك تتم المماطلات من دعوات بأن الأسد خرج من عزلته وأنه سيقود المرحلة الانتقالية وغيرها من ترهات، فكل هذه دلائل على أن الأمر عندهم ليس ضمن خطه الصحيح الذي يتمنونه، فوعي أهل الشام هو ما يعرقل مخططاتهم ومكرهم.

كما ذكرنا سابقاً نُعيد ونقول إن سوريا قد عمل عليها في بداية السبعينات عندما استلمها حافظ أسد لتدمير كل ما من شأنه أن يساعد على قيادة المجتمع فتم ضرب الأحزاب السياسيّة وتحجيمها وتدجينها، لاحتوائها تحت مسمى الجبهة الوطنية، وكذلك تم الضغط لحل النقابات المختلفة، وإنشاء نقابات تحت مظلة الحزب الحاكم. وأيضاً كان للعشائر نصيب من ذلك فقد تم دعم حركات التمرد فيها على المشيخة الأصلية وتمزيق نسيجها حتى أصبحت عقليتها عقلية مصلحية تميل حيث مالت مصلحتها، إلا من رحم ربي ممن بقي على أصالته متمسكا بقيمه. هكذا تم العمل على تفكيك بنية المجتمع وإفساده، كي يبقى الحاكم أطول فترة ممكنة متحكماً، وبناء على ذلك ورث أسد الابن تركة تساعده على البقاء في سدة الحكم حسب تقديرهم، ولكن كان لله أمر وقد وقع؛ فقد قامت ثورة الشام، وسارت بطريق تحقيق غايتها وبدأت تصحح ما حصل من كوارث سابقة ليس فقط على مستوى الأفكار، بل على مستوى بنية المجتمع وقياداته؛ نعود للقول إن ما تم العمل عليه في الشام لسنوات كان أول باب من أبواب فشل أي مشروع خارجي ورفض أي فكرة خارجية لأنه لا توجد قواعد تستطيع إيجاد المشاريع الخارجية على الأرض، ولا أحزاب تقودها، فبقي الأمر ضمن سياق حقن الداخل الثوري بشخصيات ملوثة عسى أن يتم تحقيق المسعى بإنتاج جديد للدولة العَلمانية.

بناء على ما سبق وحتى يرضى الناس بالحقن الخارجي الخبيث كان من الضروري إيصالهم لحالة من اليأس من أعمال ومن قدرة الثورة على تحقيق أهدافها.

فليست سياسات التضييق التي تقوم بها الفصائل على مر سنوات الثورة العجاف، وليس الواقع المعيشي والفرقة التي تسعى المنظمات إلى إيجادها بين الناس، إلا أساليب ترويض لحاضنة ثورة الشام،

وفوق ذلك كله ما يتم تصنيعه من شخصيات كممثلين عن الثورة، وما تم الترتيب له من مؤتمرات بسلاسلها المختلفة؛ جنيف وأستانة، وكذلك الاجتماعات الجانبية الأخرى من سوتشي وفينّا وإسطنبول وغيرها، إلا دفع للناس حتى يرفعوا راية الاستسلام والقبول بما قُرر لهم من مصير، والإذعان لما سيتم الاتفاق عليه، حتى لو كان بقاء المجرم بشار.

كانت باكورة أعمال أمريكا رأس التدبير هو مؤتمر جنيف عام 2012 والذي بدا فيه واضحاً وصريحاً الموقف الدولي من ثورة الشام وأنه لا يخرج عما تم ذكره سابقاً من احتواء للثورة أو دفع لليأس وبالتالي القَبول والخضوع والاستسلام.

حضر المؤتمر كثير من الدول صاحبة الأيدي السوداء في ثورة الشام المباركة، ولم تكن ظروف عقد المؤتمر جيدة بالنسبة للدول، فالثورة كانت في أوجها وهي ترتقي مرة فوق مرة فلا مجال للمساومة ولا للمفاوضة فكان من الضروري العمل لتحجيم الحركة وضبط الإيقاع، فبدأت الأموال السياسية تُضخ وأصبح السلاح يتهافت وبدأ ضعاف النفوس بالارتماء في أحضان الماكرين، وفي حينها بدأت بالظهور الابتلاءات التي ابتليت بها الثورة وكان لِما حصل الفضل الكبير بكشف الوجوه وإسقاط الأقنعة، فمن كان ضمن صفوف الثورة مهللا ومكبرا ومكافحا أصبح يتوافد إلى ما وراء الحدود يتقاضى ويحرف، وأصبحت الشخصيات التي كان الناس يحسنون بها ظناً تعيش في رفاهية عالية تصل أخبار بذخهم وسوء أفكارهم ومساعيهم للناس، وليس ما حصل من قريب مما يسمى ائتلاف قوى الثورة من إعلانه تشكيل لجنة عليا للانتخابات واستعداده الخوض في انتخابات 2021 إلا توضيح بشكل لا يقبل الشك لحقيقة ما قد قيل إنه سعي لإجهاض الثورة وإعادة إنتاج نظام أسد السفاح من جديد، فقد تغافل القرار وأدار ظهره لكل التضحيات، من أجل إرضاء سيده، والقرار الذي أصدره عام 2012 بأن الحل السياسي الأمريكي هو المطلوب لأهل الشام، وعليهم أن يقبلوا به ويذعنوا له؛ خلاصة القول: إن كثيراً من الشخصيات التي ادعت أنها ثورية ومجاهدة أعماها المال السياسي القذر وأغواها، فبدأت تنظر للثورة نظرة منفعة ومصلحة وتحقيق غايات شخصية.

ولكن ثورة الشام الكاشفة الفاضحة كشفتهم وعرتهم، وبينت أن هذه الشخصيات النفعية، لا يختلف حالها عن حال نظام أسد، ولكن لم تجد فرصة لتحقيق ذلك وها هي الفرصة قد حصلت عليها في ثورة الشام وبناء عليه انكشف الغبار عنها من أمام أنظار ثوار أهل الشام.

إن أمريكا تسعى جاهدة لإنهاء ثورة الشام المباركة ولا تدخر جهداً في ذلك ولا تعدم وسيلة وأيديها السوداء ما زالت تمتد وكذلك مكرها لا يزال موجوداً، يُلاحظ ذلك من خلال ما يظهر من أدوات حسب كل مرحلة؛ لذلك كان لزاما على أهل الشام أن يتحصنوا بعملهم وسيرهم على بصيرة كما فعل حبيبهم من قَبلُ، فليس ما قام به رسول الله ﷺ عندما جاءه وفد مكة يساومه إلا درساً وعبرة وطريقاً وجب السير فيه لأن آخره نصر من الله سبحانه وفتح مبين.

وجب على أهل الشام أن يكونوا على يقين أن حقيقة الحل السياسي الأمريكي ليست إلا تغيير قشور لنظام علماني عميل، وتلويناً وتبديلاً لجلد الأفعى وأقنعة العملاء، فلا تغيير سيحصل في بنيته وأركانه كالأجهزة الأمنية والجيش، وغيرها.

إن الفرصة الوحيدة للخروج ولقطع دابر هذا الكيد يكون بضرب كل تلك الأعمال والمحاولات، وذلك من خلال التحصن ضد أعمال الاحتواء وحركات التثبيط، وذلك بتبني مشروع مضاد للمشروع الذي تتم محاولات فرضه على أهل الشام.

إن فقدان المشروع يجعلنا عرضة للمشاريع الأخرى الهادفة لإرجاعنا لحظيرة الإجرام العالمية، فهلا أدركنا ذلك قبل فوات الآوان؟

 

كتبه: الأستاذ عبدو الدلي (أبو المنذر)

 

جريدة الراية: https://bit.ly/2WlZQGY