نحن المخرز جريدة الراية

 

▪ منذ انطلاق ثورة الشام عام 2011م، أدركت أمريكا، حامية عميلها نظام أسد، أنها ثورة متميزة عن باقي ثورات المنطقة. ولإدراكها شدة خطرها إنْ هي بقيت سائرة بالزخم نفسه والمسار الصحيح للوصول إلى مبتغاها، عمدت أمريكا إلى كل ما تستطيع من أساليب إجرام شيطانية لإيقاف الثورة وحرفها عن مسارها وإفراغها من مكامن قوتها. فكان أن قسمت أعداء الثورة إلى أعداء يبطشون بنا و"أصدقاء" يمكرون بنا، لإيصالنا إلى حالة من اليأس والقنوط إلا مما يملى علينا من حلول استسلامية قاتلة يسمونها "سياسية".

وكان من أقذر أساليب أمريكا، عبر أدواتها، لمحاربة أهل الشام ونبض ثورتهم المتّقد هو محاولتها المستمرة تجريد الأمة من سلطانها وقرارها، لتُفقدها شخصيتها وتُظهرها على أنها أمة ضائعة لا هوية لها ولا إرادة ولا قرار. فكان أن سلطت عليها صنائع متعددة مهمتها ربط مصير الثورة وأهلها بالأنظمة المتآمرة المرتبطة بأمريكا وأذنابهم في الداخل من قادات وفصائل وحكومات وأبواق مأجورة هدفها وأد روح الثورة والجهاد في نفوس الناس المتعطشين لتتويج التضحيات بما يرضي الله سبحانه ورسوله ﷺ.

▪ وراح قسمٌ من المنهزمين، جهلاً، أو عن سبق إصرار وتصميم وترصّد، ولغايات شيطانية يريدها أعداء الإسلام وأعداء أهل الشام، يشيعون أن "عين الثورة لم تعد تستطيع مقاومة مخرز النظام"!

▪ وحُّق لنا ها هنا أن نتساءل: "مَن العين ومن المخرز"؟!

▪ أليس القول إن "الحق يعلو ولا يعلى عليه" هو عندنا دين وعقيدة؟!

▪ ألسنا أعزاءَ بديننا أقوياء بربنا؟!

أولم يقل سبحانه في كتابه: ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾؟! وقال تعالى: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾؟! وقال عز وجل: ﴿لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴾؟!

نحن المخرزُ الذي سيُزهِق اللهُ به بإذنه كلَّ باطل.

▪ إن مِن أخطر ما ابتليت به ثورة الشام، مرجفين مجرمين ذوي أجندات، يشيعون في الأمة أن ثورتها قد انتهت، وأن عدوها قد انتصر، وأنه لم يعد لها من أمرها شيئاً، وأن خلاصها لم يعد بأيديها إنما بأيدي دول زرعت أذرعها الأخطبوطية في المحرَّر وغرست أنيابها المسمومة في جسد الثورة الذي يريدون إنهاكه بالجراح، وأدوات مجرمة لهذه الدول في الداخل، يرسلون الخطب لمُعتَلي المنابر، لتخذيل الناس وجلدهم وتحميلهم مسؤولية مآسيهم، ونشر (فقه) الاستضعاف والمهادنة والتفريط والمهانة! رغم أن كل مقومات إسقاط النظام المهلهل لتتويج التضحيات بحكم الإسلام قائمة: عقيدة راسخة، وهمم عالية، ونفوس عظيمة تواقة للمجد، وتجذّر واضح لروح الثورة في نفوس أبنائها، ورأي عام على غاية الثورة، وأن لا أنصاف حلول مع المجرمين، وأن لا خلاص لنا إلا باستئصال نظام الإجرام من جذوره وتخليص الناس من شروره، وخبرة طويلة من سنوات الثورة التي أثبتت كمية الإبداع الموجودة عند الناس رغم قسوة الظروف، وقدرة كبيرة على الثبات والتحمل والصمود، وطاقات بشرية هائلة، ومقومات جغرافية وسياسية مميزة، تحتاج فقط إلى توسيد الأمر لأهله سياسياً وعسكرياً. وإلا، فإننا، حقيقةً، نحن وثورتنا في خطر عظيم.

▪ إن كل ما سبق من مقومات يقابله إجماع لأعداء الثورة على حربها لوأدها وإجهاضها قبل أن تنهض وتتعافى من جديد، لما تشكله إن انتصرت من خطر عظيم على أمريكا وأنظمتها العميلة في المنطقة، والتي سامت الناس سوء العذاب لعقود طويلة، وحاربت عودة الإسلام إلى الحكم بكل ما أوتيت من قوة، ونهبت خيرات البلاد خدمةً للكافر المستعمر مقابل حماية عروشها القائمة على هالةٍ من القبضة الأمنية والبطش والإجرام الممنهج، وعملت على إفقار الناس حتى يشغلوهم بلقمة العيش عن محاسبة الحكام وأطرهم على الحق أطراً، بل واقتلاعهم من جذورهم الآسنة بسبب إصرارهم على فجورهم ومحاربتهم لكل محاولة تغيير حقيقي على أساس الإسلام.

▪ لقد أدرك الناس أن لا مجال للتراجع أو الاستسلام، لأنه الهلاك بعينه، ولأن أنصاف الثورات قاتلة، وأن تجارب مصر وتونس وليبيا واليمن خير شاهد ودليل على ذلك، وأن عقيدتنا تحتّم علينا إكمال ما بدأناه، ولكن ضمن خطة محكمة ومشروع خلاصٍ واضح يكون من صميم عقيدتنا يجتمع عليه الناس (لا مشروعاً علمانياً استسلامياً يفرضه علينا أعداء الإسلام المتربّصون بنا وبثورتنا)، مشروعٌ يرسم لنا خط السير ويبين لنا معالم الطريق لتحرير دمشق وكل الشام بإذن الله، وما ذلك على الله بعزيز، وهذا المشروع هو مشروع الخلافة على منهاج النبوة لا غير، إذ به وحده تجتمع مقومات النصر، وعليه وحده يجتمع رجال الإسلام المتعطشون لحكم الإسلام، وبه وحده نبلغ المجد ونتوج التضحيات فنسقط نظام الكفر والقهر والجور ونقيم حكم الله في الأرض في ظلال دولة وجيش دولة، آن أوانها وأطل زمانها بإذن الله.

▪ سنبقى نمشي على الجمر حتى يمن الله علينا بما يشفي به صدورنا، بنصره واثقين وبحبله مستمسكين. فإما ثبات حتى النصر وبلوغ المراد، وإما تضحية في سبيله، كي نلقى الله وهو عنا بإذنه راض. قال تعالى: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾. وقال سبحانه في محكم تنزيله: ﴿وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾.

كتبه: الأستاذ ناصر شيخ عبد الحي
عضو لجنة الاتصالات المركزية لحزب التحرير في ولاية سوريا

 

جريدة الراية: https://bit.ly/3l0l6wg